منوعات

بإمكانها أن تقلب حياة الشعوب.. إبداعات غيرت العالم

رغم أن البعض يعتبر أن قراءة الأعمال الأدبية مجرد نشاط ترفيهي للتسلية والاستمتاع بقراءة الأحداث والشخصيات الخيالية، إلا أنه وفقًا للأبحاث العلمية فإن تأثير الأدب على المجتمع يفوق تصوراتنا بمراحل، حيث لا تؤثر علينا تلك القصص والروايات فقط، وإنما أيضًا يمكنها تشكيل واقع مختلف تمامًا.

إبداعات غيرت المجتمعات

في هذا السياق يمكننا الاستشهاد بأمثلة كثيرة، فمثلا أحدثت مسرحية «بيت الدمية» للكاتب النرويجي «هنريك إبسن» التي نشرت عام 1879، هزة اجتماعية عنيفة ليس فقط في أوروبا وإنما في العالم كله، حيث كانت بطلة المسرحية «نورا هيملت» تمثل الزوجة والأم الخاضعة التي تضحي بكل شيء للحفاظ على زوجها وبيتها كما كان سائدًا حينها، ولكن عند صفعها للباب في آخر مشهد لتبحث عن ذاتها، ثار الناس وطالبوا بمنع عرضها ولكن لم تنجح تلك المحاولات، ونجح بالفعل «إبسن» في تغيير الصورة النمطية عن الزواج ودور المرأة.

وحتى على مستوى سياسات الدول فإن روايات «جورج أورويل» مازالت حتى اليوم تثير الرعب في نفوس الأنظمة المستبدة، فرغم مرور عشرات السنوات على أعماله، إلا أن أحداث رواياته وشخصياتها وتفاصيلها تصف ما يحدث اليوم في العديد من الدول وكأن أورويل يعيش بيننا، ومن هنا يأتي سحر الأدب وخطورته حيث لا يتقيد الكاتب بزمان أومكان أوقواعد مفروضة من المجتمع، وإنما فقط يعبر عن أفكاره، ومن تلك الأفكار تتغير المجتمعات ويستلهم الناس طرقًا وأساليب جديدة للحياة.

جورج أورويل

دائما تثور التساؤلات حول ما إذا كانت الأعمال الأدبية تعكس الواقع وتمثل مرآة للمجتمع، أو إنها تشكل واقعًا جديدًا أبشع وأكثر سوءًا، وهو ما خلق جدلًا واسعًا حول فوائد وأضرار الأعمال الأدبية على المجتمع، حيث يمكن لانتشار الكتابات الركيكة والمبتذلة أن يؤثر على الذوق العام ويفتح مجالًا لتقليد الشخصيات الموجودة داخل العمل، وهو أمر عبر الكثير من القراء بالفعل عن استيائهم منه في ردود الأفعال على معرض الكتاب الأخير، الذي غزته أعمال خارج التصنيف الأدبي حسب وصفهم، إلا أنها تلقى رواجًا وسط الفئات الأصغر سنًا، ما يجعل المزيد والمزيد من الأعمال السطحية ينتشر سعيًا وراء المبيعات.

حيوات كثيرة

لكن رغم تعدد الآراء تظل هناك فوائد حتمية لقراءة الأدب وعلى رأسها، ما أثبتته العديد من التجارب العلمية، من أن تخيل القصص ينشط الأجزاء المسؤولة في المخ عن فهم الآخرين بشكل أفضل ورؤية العالم من منظور مختلف، فحينما مسح باحثان أمريكييان أمخاخ عدد من قراء القصص والروايات، وجدا أن المخ يخلق محاكاة عقلية للأصوات والحركات والمشاهد الموجودة في القصة، وكأنه يعيشها بالفعل. ويسمي العلماء تلك القدرة على خلق خريطة لتفهم دوافع ومشاعر الآخرين «نظرية العقل»، فعلى عكس الكتب والمقالات التي يقرأها الإنسان وهو متحفز لانتقادها وتحليلها، تتسلل القصص داخل عقولنا حتى أن القارىء يعتبر نفسه جزءًا منها.

وبالتالي فإن الأعمال الأدبية تتيح للإنسان أن يعيش عددا لامحدود من الحيوات، حيث يتفاعل مع أحداث مركبة وعلاقات متداخلة وشخصيات متنوعة، وحتى يمكن أن ينتقل إلى أماكن وأزمنة يستحيل أن يذهب إليها بنفسه، الأمر الذي يشكل لديه خبرة وفهما عميقا لطبيعة الحياة والبشر، ورغم أن تلك الخبرة نظرية فقط إلا أن المخ يتدرب على تلك المواقف وكأنه يحاكي الواقع، وبالتالي يصبح لدى الإنسان خبرة واقعية في استيعاب الأمور واحتوائها والتعامل مع الناس وأحداث الحياة الصعبة بصبر وتقبل، حيث يتفتح عقل الإنسان المثقف على الاختلاف، وعدم وجود قوالب جامدة، فكل شيء متقلب ومتغير وبالتالي لا يمكن إصدار أحكام جازمة.

فضلًا عن كل ذلك فإن قراءة الأعمال الأدبية تسحبنا إلى عالم الكتب السحري، حيث يمكن للإنسان أن ينفصل تمامًا عن الواقع ويندمج في أحداث الكتاب بمنتهى الشغف وكأنه بطل القصة، وهو ما يعتبر أنجح وسيلة لتهدئة التوتر، فوفقًا للأبحاث فإن 6 دقائق فقط من القراءة الصامتة تكفي لتهدئة ضربات القلب وتخفيف شد العضلات وتقليل التوتر بنسبة 60%، كما تساعد قراءة القصص والروايات على النوم بهدوء، وتحسن من الذاكرة، حيث وجد الباحثون أن من يداومون على القراءة أقل عرضة لأمراض الشيخوخة مثل الزهايمر.

وقد يختلف الناس أو يتفقون على محتوى الأعمال الأدبية، ولكن في كل الأحوال فإن القراءة تساعدهم على الخروج من ضيق أفقهم إلى متسع الخيال والإبداع، كما تكشف للإنسان جوانب خفية في نفسه وفي الآخرين وفي طبيعة الحياة نفسها، لذا يمكن لكتاب واحد فقط أن يغير حياة إنسان بل ومجتمع أو حتى أجيال كاملة، فعلى عكس الكتابات الواقعية الموجودة في   الصحف والتي تتقيد بأحداث الحياة الموجودة فعلًا، تخلق الروايات والأشعار والمسرحيات واقعًا جديدًا، وتلهم الناس بالابتكار والتغيير والتحرر من الصور النمطية، وتجعل الإنسان يخرج من نفسه ليتفهم الآخر، ويخرج من منظوره القاصر ليرى الحقيقة من زوايا عديدة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock