رؤى

الإسلاموية العنيفة تهيمن على أفغانستان وإفريقيا

بول روجرز – زميل أول في قسم الأمن الدولي في «مجموعة أكسفورد للبحوث»، وأستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد

عرض وترجمة: أحمد بركات

إذا كان ثمة اتفاق سلام تم التوصل إليه بين الحكومة الأفغانية وطالبان، فإن ذلك سيرسخ بلا شك لوجود المتمردين الإسلاميين كقوة رئيسة في البلاد. و ربما لا يعبأ الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» – المشغول حتى النخاع بإعادة انتخابه في نوفمبر القادم – كثيرا لهذا الأمر؛ وهو ما يدفع بالولايات المتحدة دفعا إلى إعلان السلام، والبدء في سحب قواتها العسكرية.

ربما يفسر هذا أيضا رغبة الرئيس الأمريكي في تقليل حجم الوجود العسكري لبلاده في شمال ووسط أفريقيا، رغم القوة المتزايدة التي تتمتع بها الجماعات الإسلاموية في المنطقة، والتي ترجع بالأساس إلى فشل سياسات ترامب وحلفائه الغربيين في معالجة الأسباب الجذرية للعنف.

أفغانستان.. شبح الحرب

في هذا الإطار، لم تشمل الصفقة، التي عقدت في نهاية شهر فبراير الماضي في العاصمة القطرية «الدوحة»، الحكومة الأفغانية، وكانت بنودها غامضة بشكل لافت فيما يتعلق بالتفاصيل، بما في ذلك طبيعة وقف إطلاق النار، الذي بدأ يترنح فعليا بعد أن استأنفت حركة طالبان هجماتها في جميع أنحاء البلاد عبر 76 هجمة في 24 ولاية.

 وكانت إحدى هذه الهجمات – التي وقعت ضد إحدى نقاط التفتيش في ولاية هيلمند، ودفعت بالولايات المتحدة إلى الرد بغارة جوية – هي الأولى في إحدى عشر يوما. لكن العملية الأكثر أهمية التي نفذتها الحركة كانت في ولاية قندوز الشمالية المتاخمة لطاجيكستان.

وقريبا من مدينة قندوز – عاصمة ولاية قندوز – كانت وحدة من الجيش الأفغاني تضم ثمانية عشر جنديا تقوم ببناء قاعدة جديدة لها، عندما تعرضت لهجوم من قبل قوة طالبانية، أودى بحياة 15 جنديا، وجرح واحد، بينما لاذ الجنديان الآخران بالفرار. وبرغم ذلك، ومع أن شبح الحرب يلوح بقوة في الأفق الأفغاني في غضون الأيام القادمة، لا يزال الرئيس ترامب مصمما على الحديث عن اتفاق سلام. وكان قد تحدث مباشرة إلى الرجل الثاني في الحركة، الملا «عبد الغني بارادار»، قبل ساعات من هجوم قندوز.

دونالد ترامب، الملا «عبد الغني بارادار»

ومهما يكن من أمر، فإن إحدى أولويات الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان تتمثل في منع ظهور قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هناك. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، قد نشهد وجودا موسعا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في أفغانستان في الوقت الذي يجري فيه سحب القوات العسكرية الأخرى، كما قد تتمركز وحدات في دول مجاورة قادرة على شن هجمات عبر الحدود باستخدام الطائرات المسيرة، إضافة إلى وحدات من القوات الخاصة.

منطقة نفوذ جديدة.. شمال إفريقيا، غربا وشرقا ووسطا

أما في شمال ووسط أفريقيا، فإن رغبة ترامب تتجه بقوة – بدلا من ذلك – إلى تقليل المشاركة العسكرية الأمريكية في مواجهة القوى الإسلاموية المتنامية. في هذه الأثناء، يترك تنظيم الدولة الإسلامية بصمة مهمة؛ إذ يعزز نفوذه المتزايد الوجود الجهادي على نطاق أوسع في العديد من البلدان. ويمتد النشاط الإسلاموي العنيف في الفترة الحالية عبر منطقة الساحل في غرب أفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي إلى السودان وما بعده وصولا إلى المنطقة الساحلية في شرق أفريقيا، بما في ذلك كينيا وتنزانيا وموزمبيق.

ونظرا للبعد الجغرافي للدول الغربية عن هذه المنطقة، فإن الاهتمام الإعلامي يكاد يكون منعدما بما يحدث – على سبيل المثال – في موزمبيق، تشهد البلاد طفرة في النشاط شبه العسكري الإسلاموي في الجزء الشمالي، خاصة في مقاطعة كابو ديلجادو، حيث تبلغ نسبة المسلمين من إجمالي عدد السكان حوالي 30%. وتفيد تقارير بأن عدد حالات القتلى من المدنيين جراء عمليات الجماعات الإسلامية المتطرفة قد ارتفع من أقل من 12 قتيلا في عام 2017 إلى أكثرمن140 قتيلا في عام 2019. وتفيد مجلة Jane’s Intelligence Review في عدد هذا الشهر (مارس 2020) أن الحكومة طلبت المساعدة من روسيا في مقابل منحها امتيازات تتعلق بالغاز، ولكن بدلا من المساعدات العسكرية المباشرة، قامت موسكو بنشر حوالي 200 متعهد عسكري خاص من مجموعة شركات «واجنر جروب»، تستخدم طائرات هليكوبتر حربية من طراز Mi-24 ‘Hind’، وطائرات هليكوبتر من طراز Mi-17.

ولا يتوقف حدود النشاط الإسلاموي في منطقة الساحل على موزمبيق فحسب. ففي بوركينا فاسو – كمثال آخر – ارتفع عدد القتلى جراء العنف الإسلاموي من لا شيء في عام 2015 إلى أكثر من 500  قتيل في عام 2019. يأتي هذا في الوقت الذي تمثل فيه منطقة الساحل مسرحا للجزء الأكبر من النشاط العسكري الغربي ضد المتشددين الإسلامويين في أفريقيا، بما في ذلك جهود حفظ السلام الكبرى، والخطيرة في آن، التي تبذلها الأمم المتحدة في مالي. كما كان جيش النيجر على وجه التحديد ضحية أخرى للأنشطة المتجددة التي يمارسها المتشددون عبر هجوم ضد إحدى قواعده العسكرية في ديسمبر الماضي أودى بحياة 71 جنديا، وهجوم آخر في الشهر التالي أسفر عن مقتل 89 آخرين.

خريطة توضح أماكن تواجد تنظيم الدولة في إفريقيا

وإجمالا، فقد تضاعف النشاط شبه العسكري الإسلاموي في المنطقة على مدى السنوات الخمسة الماضية، وتسارعت وتيرته بصورة لافتة في العام الماضي، وهو ما تمخض عنه توجيه دعوات إلى الولايات المتحدة بالمحافظة على – إن لم يكن مضاعفة – التزاماتها في المنطقة. وتتمثل القضية الأخطر الآن في أنه إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى يؤسسون لإنشاء مناطق هيمنة خاصة ومباشرة، فإن هذا يعني أنهم سيصبحون على المدى القريب قادرين على التخطيط لهجمات خارجية. يضاف إلى ذلك أيضا أنه في حالة تراجع الوجود الغربي، فإن الوجود الصيني سيزداد لا محالة.  

في حكم المحتل

إضافة إلى الولايات المتحدة، تعد فرنسا القوة الغربية الرئيسة الأخرى التي تنشط في منطقة الساحل الأفريقي. في هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية مؤخرا إرسال 100 مركبة عسكرية إضافية، و600 جندي آخرين إلى المنطقة ليبلغ عدد جنودها هناك 5100 جندي. رغم ذلك، فقد خسرت فرنسا فعليا 41 من جنودها هناك، كما يتنامى شعور بعدم الراحة في الدوائر السياسية في باريس بشأن الطريقة التي باتت بها البلاد عالقة في أحد الميادين المضطرمة للحرب على الإرهاب، بعد أن نجحت بدرجة كبيرة في تجنب الحرب في أفغانستان، وحصر عملياتها القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا في شن غارات جوية.

تشهد فرنسا بعض النقاشات حول الأسباب التي مكنت لحصول كل من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة على دعم في منطقة الساحل. في هذا السياق يشير بعض المحللين إلى نجاح الجماعات الجهادية في تجنيد عناصر جديدة من بين مئات الآلاف، أو ربما الملايين، من المهمشين، خاصة من فئة الشباب من جميع أنحاء المنطقة. ويؤكدون أن القوة العسكرية لا يمكنها أن تفعل شيئا سوى المحافظة على الوضع الراهن، وحتى هذا قد يؤدي إلى تفاقم الشعور بالكراهية ضد دولة خارجية تقوم في نظر كثيرين في الداخل والخارج بدور ’المحتل‘. وبدلا من ذلك، فإن الأمر يتطلب التوافق حول استراتيجية أكثر شمولا للتعاطي مع القضايا الأساسية في المنطقة، وتمثل نهجا مختلفا عن نهج «القلوب والعقول» الذي ساد في الفترة الماضية.

وربما لا توجد فسحة من الأمل لتحقيق ذلك في الوقت الحاضر. ففي ضوء عقدين من ممارساتها في أفغانستان والعراق، لا توجد فرصة كبيرة أمام الولايات المتحدة لتجاوز الحلول العسكرية الخالصة في منطقة الساحل. وإذا كان ثم أمل في إحداث تغيير هيكلي، فإن الاحتمال الأكبر أن يكون من جانب دول أوربا الغربية؛ حيث أن هناك – على أقل تقدير – اعتراف من قبل بعض هذه الدول بفشل المواقف العسكرية الحالية في منطقة الساحل، وربما بعض الفرص للبناء على ذلك. 

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock