فن

نجوم زمان كانوا كبارا.. في أزمة كورونا.. أين اختفى الفنانون؟

   فارق شاسع بين جيل من الفنانين حملوا أرواحهم على أكتافهم وذهبوا متطوعين إلى خط النار مدافعين عن وطنهم حاملين لوائه مهمومين بأهلهم وناسهم، وبين آخرين يتابعون الأزمات من مقاعدهم الوثيرة وينتظرون أن تمر المحن ليستعيدوا مجدهم المعطل ويفتحوا حساباتهم بالبنوك لمزيد من الثروة.

   في زمان مضى كانت ثروة مصر الفنية وكنوزها الفكرية على قدر المسئولية فى اللحظات الصعبة و الفارقة وارتقت إلى مستوى المسئولية الوطنية فى لحظات الأزمة والأوقات العصيبة.. وكان كبار أهل الفن دوما في موعدهم مع الوطن.. أما الآن فنسمع جعجعة وضجيجا لا طحنا.. ومؤخرا انطلقت مبادرة «تحدى الخير» من بعض لاعبي كرة القدم والفنانين للمشاركة فى دعم عدد من الأسر المصرية التى تضررت من إجراءات مواجهة فيروس كورونا لكن هذه  المبادرة جاءت متأخرة وبعد أن سبقتها حملات من رواد وسائل التواصل الإجتماعى تنتقد سلبية نجوم الفن والرياضة وتتهمهم بالتقاعس عن القيام بدورهم تجاه وطنهم وعقدت مقارنات بين نجوم الفن فى الماضى وبين الأجيال المعاصرة فى علاقتهم بدعم القضايا، لقد تكلم النجوم أخيرا أما على أرض الواقع فهناك فارق كبير بين الكلام والفعل.. تماما كالفارق بين نجوم زمان و نجوم هذه الأيام

أم كلثوم.. مواقف خالدة

في 1956 تبرعت السيدة أم كلثوم من أجل إعمار مدارس بورسعيد، بمبلغ 1000 جنيه، وكان مبلغا معتبراً وقتها وعقب نكسة 1967، رفعت سيدة الغناء العربى شعار الفن من أجل المجهود الحربي‫ قائلة «لن يغفل لي جفن، وشعب مصر يشعر بالهزيمة»

أم كلثوم

وقررت أن تحيي حفلين شهرياً تخصص إيرادتهما لدعم تسليح الجيش المصري، وبدأت هذه الحفلات بحفل مدينة دمنهور حيث جمعت فيه حوالي 40000 جنيه، تبعته بحفل في الإسكندرية بلغت حصيلته 100000 جنيه، بالإضافة إلي تبرعات عينية من الذهب، وحفل في المنصورة تجاوزت إيراداته 120000 جنيه، إضافة إلي 212 ألف جنيه إسترليني من حفل بباريس، و100 ألف دينار من حفل لها بالكويت، وغيرها

 ام كلثوم في باريس

‫وتنطلق سيدة الغناء العربى إلى عواصم أوروبا والدول العربية لدعم الجيش، ثم قامت بحملة لجمع التبرعات من المشاهير والشخصيات العامة لأجل مصر، فطافت مكاتبهم ومقراتهم للحصول علي تبرعات من أجل المجهود الحربي. ولأول مرة يقرر فنان مصرى الغناء للجنود علي جبهات القتال، فعلت ذلك أم كلثوم  بكل وطنية وحضور إنساني كبير.

نجوم «الأدوار الوطنية»

ولم يكن الأمر مقصورا على أم كلثوم، فقد نظم العشرات من فناني مصر سنة 1955 حملة تحت عنوان «أسبوع التسليح»، تحت قيادة الفنانة تحية كاريوكا التي قامت بتجهيز العشرات من سيارات النقل، بها صناديق للتبرع، وكانت تجوب القرى والمدن، وقاد كل سيارة فنان لحث المواطنين وتشجيعهم علي التبرع لدعم تسليح الجيش، وكانت فاتن حمامة و فريد شوقي من بين المشاركين في الحملة، وجمعت كاريوكا حصيلة كبيرة من المال قامت بتسليمها للرئيس جمال عبد الناصر الذي قال لها وقتها: «إنتي بألف راجل»، ولم تكن تلك الخطوة هى الأولى فى مسيرة تحية كاريوكا الوطنية، فقد عرف عنها مشاركتها من قَبل في الهلال الأحمر المصري كمتطوعة، وأيضاً كمقاتلة، وكانت تنقل الأسلحة في سيارتها الخاصة للفدائيين لجبهة القتال على خط القناة.

كما تبرعت الفنانة الكبيرة شادية، بأجرها في بعض الحفلات والأفلام لصالح المجهود الحربي والدعم المادي للجيش المصري استعدادا لحرب أكتوبر1973، وكذلك دعم المصابين خلال الحرب.

وتبرع الفنان عبدالحليم حافظ هو الآخر، بأجر جميع حفلاته للجيش المصري عقب نكسة 1967، ومنها حفله الشهير في لندن، كما تبرع بإيرادات فيلمه «أبي فوق الشجرة» الذي حقق أرقاما كبيرة في شباك التذاكر بالإضافة لدوره في الدعم المعنوي للجنود، حيث قدم مجموعة من الأغاني الوطنية.

عبد الحليم

كما كان للفنانة نادية لطفي دور كبير، وهي التى عرف عنها دائما اهتمامها بالقضايا الوطنية، وقد بدأت مجهوداتها عقب حرب الاستنزاف وخلال حرب أكتوبر. حيث تطوعت في أعمال التمريض سواء على الجبهة أو في المستشفى العسكري، كما كانت تتولى كتابة الرسائل من الجنود المصابين إلى أمهاتهم وذويهم.

وتطوعت الفنانة عزيزة حلمي، خلال حرب أكتوبر بالعمل كممرضة في المستشفى العسكري واستمر وجودها في المستشفى فترة علاج كل المصابين ولم تغادر المستشفى إلا بعد خروج آخر جندي مصاب.

عزيزة حلمي

ولم يكن هؤلاء النجوم يشغلهم أن تنقل وسائل الإعلام ما يقومون به من دعم للدولة فى أوقات المحن والأزمات والحروب بقدر ما كانوا يعبرون عن مواقفهم الوطنية، وإذا كان لهذا العدد الكبير من نجوم الفن دور فى تلك المرحلة فبالمقابل فإن هناك من غابوا تماما عن تقديم أى دور وطنى أو دعم جاد لقضايا بلادهم فلا يذكر مثلا أن قام «رشدى أباطة» أو«حسن يوسف» أو«مريم فخر الدين او أحمد رمزى» بأى من تلك الأعمال.

من أجل الإنسانية

وعن الأجيال التالية فإن اهتمام الفنانين بأعمال الخير أخذ أشكالا مختلفة، ويعتبر الفنان «محمد صبحى» أحد أبرز الفنانين الذين ساهموا بشكل إيجابى فى القضايا المجتمعية و تبدى اهتمامه الدائم بقضايا العشوائيات ودعم سكانها والعمل على تطوير سبل حياتهم من خلال مؤسسة «معا» التى أطلقها، والتى تهدف إلى إنشاء أول مدينة متكاملة الخدمات لنقل سكان العشوائيات، كما ساهم ضمن مبادرته لإطلاق حملة تبرعات لترميم متحف الفن الإسلامى.

كما قدم الفنان «عادل إمام» والذى مثل مصر سفيرًا للنوايا الحسنة، التابعة للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين منذ عام 2000 دورا إيجابيا وقام بزيارة مناطق اللاجئين السودانيين فى ضواحى القاهرة وقام بجانب الفنانة الأمريكية أنجلينا جولى بتوزيع الملابس الشتوية والألعاب على الأطفال كما زار سوريا عام 2007 وتفقد اللاجئين العراقيين كما أنه من أبرز من ساهموا فى صندوق تحيا مصر.

 

كما كان لكل من «حسين فهمى» و«يسرا» و«صفيه العمرى» أدوار مهمة من خلال مواقعهم كسفراء للنوايا الحسنة. ويبدو الفرق كبيرا بين ما قدمه رموز الفن فى الخمسينينات والستينيات وحتى حرب أكتوبر وما يقدمه فنانون معاصرون من خلال دعم لقضايا الفقراء والمهمشين ومكافحة أمراض السرطان والإيدز وغيرها من الأمراض التى تهدد حياة الإنسان.

وربما يبدو الفارق فيما بين الحالتين أن الدور الذى قدمه رموز الفن فى الحالة الأولى كان دافعه الأساسى الإرتباط بقضايا وطنية فى ظل مناخ للمقاومة ساد تلك المرحلة، بينما جاءت مساهمات معظم رموز الفن بعد ذلك فى سياق إنسانى عام ومطلق ومن خلال دور أممى كما يحدث مع مفوضية الأمم المتحدة أو غيرها من المؤسسات الدولية. لكن المشترك فى الحالتين هو ارتباط الفنان بقضايا وطنه وتفاعله مع هموم وأوجاع الإنسان الذى صنع شهرة وثروة هذا الفنان أو غيره من رموز الفن.

أين نجوم هذه الأيام؟

   ويظل السؤال الذى يفرض نفسه على الشارع المصرى فى الأيام الأخيرة التى يواجه فيها العالم «فيروس الكورونا» الذى تسبب فى شبه توقف للحياة وتضرر كبير للإقتصاد العالمي خاصة بالنسبة لملايين الفقراء الذين يعانون التعطل وغياب مصدر رزقهم لأجل غير مسمى هو أين يقف نجوم الفن الذين كونوا ثرواتهم الهائلة من جيوب البسطاء من معجبيهم ومتابعي أعمالهم؟ ففى الوقت الذى انشغل بعضهم باستعراض ثرواته بشكل استفز المصرين ومن تهكمت على النيل شريان الحياة في مصر… تصدمنا تلك النماذج السلبية، ولا عجب إذن أن يصدعنا فلان وعلان من نجوم الفن عن تبرعاتهم التي ما زالت حتى الآن  في علم الغيب، وحتى إذا نفذ بعضهم وعوده فالمؤكد أنها لن تساوي شيئا إلى جانب ما بذله نجوم الزمن الماضي من أجل وطنهم وقضاياه وناسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock