رؤى

تنظيم القاعدة يعوض انحساره عربيا بصعود مقلق في أفريقيا

 

بريان بيركينز – محلل استراتيجي متخصص في شؤون الإرهاب والعنف السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا

عرض وترجمة – أحمد بركات

منذ بداية عام 2019، اجتاحت تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في جميع أنحاء العالم موجة من التغيرات الهامة ذات التداعيات العميقة. فقد أدى مقتل العديد من قيادات التنظيم الفاعلة، وتغير ديناميات الصراع إلى إعادة هيكلة واضحة تتعلق بقوة ونفوذ كل جماعة من الجماعات التابعة للقاعدة سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا، خاصة في منطقة الساحل. رغم ذلك، لا يزال التنظيم بوجه عام يتمتع بمرونة لافتة، ويحظى بفرص مهمة لإعادة لملمة شتاته مجددا.

مغازلة طالبان

في هذا الإطار، ربما يتطلع التنظيم الأم إلى الانخراط في إجراء تعديلات ذاتية من خلال تعزيز علاقاته وتنسيقاته مع الجماعات التابعة له، بما في ذلك الأذرع التي تعاني من تراجع عملياتي لأسباب شتى. 

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الخبر الأفضل الذي تلقاه التنظيم على مدى الشهور، أو ربما السنوات الأخيرة ،هو اتفاق السلام الذي أبرمته الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة طالبان. ربما لم تتضح حتى الآن آليات تنفيذ هذا الاتفاق، لكن إذا كانت عشرات الهجمات التي وقعت منذ توقيعه تدل على شيء، فإنما تدل – في المقام الأول- على أن البيئة الأمنية في أفغانستان ليست بصدد أي تحسن جوهري.

 

بالطبع، كان هذا الاتفاق حدثا مهما بالنسبة للقاعدة، ومن ثم فقد انبرى  التنظيم في إصدار بيان من ثلاث صفحات يحتفي فيه بالنصر المؤزر الذي حققته حركة طالبان على الولايات المتحدة، ويدعو الأفغان والمجاهدين إلى دعم نظام طالبان. ولم يشر البيان إلى أي انقسام أو خلافات بين التنظيم والحركة مثلما ورد في نص الاتفاق الأمريكي الطالباني، مما يشير إلى أنه من المرجح أن يحتفظ الطرفان (طالبان والقاعدة) بعلاقات المنفعة المتبادلة التي تجمع بينهما في السياق الأفغاني. مع احتمال عودة  القاعدة بصورة أكبر في حالة تأزم الأوضاع.

وبغض النظر عن أن المعقل التاريخي للقاعدة هو في أفغانستان، فقد شهدت العديد من الحركات التابعة للتنظيم موجة من التغيرات الجذرية التي بدأت فعليا في تحويل موازين القوى بعيدا عن الجماعات المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط، وقد تقود قيادتها العامة إلى إعادة توجيه نفسها صوب جماعات الهامش.

فقد عانى «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» –ا لذي كان يُنظر إليه على مدى سنوات باعتباره الفرع الأقوى للتنظيم بشكل عام  والأقرب إلى المركز- من قصور عملياتي بسبب تعقيدات الصراع في اليمن، فضلا عما ألمً به من خسائر على مستوى القيادة، بما في ذلك مقتل زعيمه «قاسم الريمي» في إحدى الغارات الجوية الأمريكية. ربما يظل فرع القاعدة في جزيرة العرب بمثابة الإبن المقرب من التنظيم الأم، لكنه على ما يبدو لم يعد الأكثر قوة وهيمنة بعد أن تفوقت عليه جماعات موالية للقاعدة، ولكنها لا تحمل اسمه.

وفي العراق وسوريا، أدى صعود تنظيم داعش، والانشقاقات اللاحقة في صفوف الفصائل الجهادية إلى تراجع فادح في نفوذ  القاعدة في المنطقة. لكن صعود «تنظيم حراس الدين»، التابع  للتنظيم، ساعد على استعادة بعض النفوذ القاعدي المفقود في سوريا؛ إلا أن «حراس الدين» تواجه حاليا تحديات جديدة تفرضها المواجهات بين تركيا وروسيا، والوقف الهش لإطلاق النار في إدلب.

جماعات الهامش

وبينما تواجه الجماعات الموالية للقاعدة في منطقة الشرق الأوسط تحديات جسيمة، وتتهيأ – فيما يبدو- لتراجع لافت في قدراتها العملياتية، تزداد قوة ونفوذ قريناتها في أفريقيا، أو – على أقل تقدير- تحتفظ هذه الجماعات بقوتها كاملة. 

تنظيم حراس الدين

فقد ازداد صعود «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» – الفرع القاعدي في منطقة الساحل الأفريقي – بشكل لافت على مدى عام 2019، وتسببت الجماعة في نشر الفوضى والدمار في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر. في الوقت نفسه،لا تزال حركة «الشباب» تحتفظ بقوتها كاملة، وقد قامت بتنفيذ العديد من الهجمات في كل من الصومال وكينيا في الشهور الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية أمريكية كينية باسم «معسكر سيمبا» (كامب سيمبا) في خليج ماندا في كينيا في يناير الماضي، وأودى بحياة ثلاثة أمريكيين. وقد شهدت معدلات الهجمات التي نفذتها الحركة، وأعداد الضحايا المدنيين زيادة كبيرة في عام 2019، ولا يوجد ما يشير إلى احتمالات تراجع هذه المعدلات، وهو ما يجعل الحركة موضع ثناء وتقدير دائميْن من قبل القيادة العامة لتنظيم القاعدة. وبينما لا تحمل كل من «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، و«حركة الشباب» اسم «القاعدة» – بخلاف «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» – يبقى كلا التنظيمين ضمن الأذرع القاعدية الفاعلة، كما أن بياناتهما الصادرة في أعقاب العمليات تشير دائما إلى التزامهما الكامل بالاستراتيجية العامة للتنظيم الأم، واهتمامهما العميق برغبات زعيمه «أيمن الظواهري».  

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين

لقد أدى الانحسار العملياتي «لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، والتحديات الي يواجهها «تنظيم حراس الدين» إلى حدوث تحول لافت في موازين القوى والفاعلية في التنظيمات التابعة للقاعدة، وانتقالها بوضوح إلى الفروع الأفريقية. في الوقت نفسه، ستسهم البيئة الأمنية المتغيرة في المعقل التاريخي لتنظيم القاعدة في أفغانستان في أفضل الأحوال في المحافظة على الوضع الراهن، وفي أسوئها في إعادة بناء التنظيم تحت غطاء طالباني. وبينما ينحسر نفوذ الفرع اليمني الذي كان ذات يوم أحد أقوى فروع القاعدة، فإن القيادة العامة للتنظيم ستسعى على الأرجح إلى إعادة موضعة الجماعات الأخرى الموالية لها عن طريق تقريبها إلى المركز، والتركيز على تنفيذ عملياتها تحت مظلة التنظيم الأم.

سيبذل التنظيم قصارى جهده بلا شك من أجل إعادة بناء «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» والمحافظة عليه في خضم الصراعات المحلية الشائكة، كما سيسعى جاهدا إلى استمرار نفوذه في سوريا عبر «تنظيم حراس الدين»، لكنه قد يمنح الأولوية للجماعات التي حققت نجاحات متزايدة في السنوات الأخيرة.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock