رؤى

كيف ستستغل الجماعات الجهادية في أفريقيا فيروس كورونا؟

أودو بولاما بوكارتي – باحث في «مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية» (SOAS) بجامعة لندن، ومحلل في «معهد توني بلير للتغيير العالمي»

عرض وترجمة: أحمد بركات

مع بدء تفشي كوفيد – 19 في أفريقيا، يمكننا أن نتوقع أن تحاول الجماعات الجهادية في القارة السمراء الاستفادة من هذه الأزمة لإطلاق العنان لموجة جديدة من موجات العنف وتجنيد مزيد من العناصر. وتلوح فعليا على الأرض مؤشرات واضحة على شروع هذه الجماعات في الاستفادة من حالة السيولة الأمنية والخدمية التي خلفها انتشار الجائحة. إزاء ذلك، يجب توعية الحكومات والعاملين في مجال التنمية وهيئات الإغاثة بهذا الخطر وأخذ خطوات جادة لحرمان هذه المليشيات الوحشية من الحصول على مساحات أكبر للعمل.

انتهازية مألوفة

على مدى الأيام الماضية، شهدت أفريقيا ارتفاعا لافتا… في أكثر من 50 دولة أفريقية، وإذا وصل انتشار  كوفيد – 19 عبر أفريقيا إلى أي نقطة قريبة من المستويات التي بلغها في الصين، أو أوربا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، فستتفشى معه حالة من الذعر والفوضى والإرتباك. وقد يتم تحويل الموارد المخصصة لقوات الأمن التي تقاتل المتطرفين إلى قطاعات تقديم خدمات الرعاية الصحية والإمدادات الإنسانية للمجتمعات التي تحتاج إلى التصدي للمرض على نطاق واسع. وانطلاقا من خبرات سابقة، فإنه في حالة حدوث ذلك، فإننا نتوقع أن تستغل الجماعات الجهادية الموقف سواء على المستوى  الاستراتيجي أو العملياتي.   

 

تتسم الجماعات الجهادية في جميع أنحاءالعالم بالانتهازية والقدرة على الاستفادة القصوى من حالات الاضطراب والفوضى لتعزيز أهدافها. ولا تختلف الأمور كثيرا في أفريقيا. فعلى سبيل المثال، جاء ظهور حركة «الشباب» في شرق أفريقيا وسط فراغ في السلطة واضطرابات خلفتها سنوات الحرب الأهلية في الصومال، وبالمثل، استغلت جماعة «أنصار الدين» التي تعمل في منطقة الساحل الأفريقي وتعمل تحت لواء جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، حالة الفوضى التي خلفها انقلاب عام 2012 لتأسيس نسختها من تنظيم الدولة الإسلامية في شمال مالي.

على المستوى الأيديولوجي، توجد طريقتان يمكن أن تسعى من خلالهما الجماعات الإسلامية المسلحة لاستغلال الموقف، فإذا انتشر الوباء في مناطق ذات أغلبية مسلمة، فإن هذه الجماعات ستعمد إلى الترويج لنظرية المؤامرة بشأن أصل هذا الوباء، وكيل الاتهامات إلى العالم الغربي باعتباره العدو اللدود والتاريخي للإسلام والمسلمين. أما في حالة السيطرة على  الوباء ومنعه من الوصول إلى المناطق ذات الأغلبية المسلمة، خاصة تلك التي تخضع لحكم الجهاديين، فستصور هذه الجماعات الأمر على أنه عقاب إلهي ضد المناطق غير الإسلامية. وفي كلتا الحالتين، ستستخدم الجماعات التي تدعي أنها تقاتل من أجل الإسلام في أفريقيا تفشي هذا الفيروس لتجنيد مقاتلين جدد، ونشر أفكارها، وتبرير سرديات الكراهية والعداء. لقد رأينا بالفعل أمثلة على ذلك سواء من الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، أو من نظيراتها التابعة لتنظيم «القاعدة» في أجزاء أخرى من العالم في رسائلهم عن فيروس كورونا.

أما على مستوى العمليات، فستحاول جماعات العنف الاستفادة من الوضع القائم لنشر مزيد من الفوضى والدمار.

عنف متواتر

إن العديد من الدول الأفريقية مهيأة فعليا لاستقبال العنف الجهادي برغم أنها تحاول حشد قدراتها العسكرية لمواجهة جهود المتطرفين. ففي 24 مارس قام متطرفون إسلاميون يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا باجتياح ميناء استراتيجي في موزمبيق ورفعوا عليه علمهم فيما قد يشي بإنشاء موقع جديد لدولة الخلافة. وفي اليوم نفسه، قام فصيل «بوكو حرام» الذي يقوده أبو بكر شيكاو بقتل 92 جنديا تشاديا في كمين حول منطقة بحيرة تشاد، ولقي 47 جنديا نيجيريا على الأقل مصرعهم في شمال شرق نيجيريا في كمين أقامه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا. وبالطريقة نفسها، قتل جهاديون تابعون لتنظيم القاعدة 29 جنديا في مالي في 19 مارس. وفي الوقت الذي يضرب فيه كوفيد – 19 أجزاء متفرقة من القارة، وتعكف الحكومات على إعادة توزيع المهام على قواتها العسكرية  لدعم استجابة مؤسسات الصحة العامة، فإن العديد من الدول الأفريقية ستكون عرضة لمزيد من الهجمات.  

  

ومما يزيد الأمور تعقيدا أن هذا الوباء سيرجئ نشر 250 جنديا بريطانيا إضافيا كان من المقرر انضمامهم لجهود مكافحة العنف في منطقة الساحل في وقت لاحق من هذا العام. وقد تم إفادة كل من الحكومة البريطانية والأمريكية بحاجة جيشيهما إلى الانسحاب بسبب الأزمة الصحية. لقد دفع «كوفيد – 19» بجهود مكافحة التطرف إلى ذيل قائمة أولويات الدول الغربية، على الأقل في الوقت الراهن، وهو ما سيؤثر حتما على الحرب ضد الفصائل الجهادية ويتيح لها مساحة أكبر للعمل.  

على المستوى الاستراتيجي، يمكن للجماعات الجهادية أن تضاعف من جهودها لاستغلال الفراغات الإنسانية التي من المرجح أن تكون قد نشأت بسبب تفشي المرض. وقد كشفت دراسات موثوقة ورصينة عن أن الجماعات الجهادية في أفريقيا تسعى إلى التحكم في القطاعات الخدمية، مثل الصحة والبنية التحتية، حتى تتمكن من تجنيد مزيد من العناصر وكسب الثقة والمصداقية لدى المتعاطفين حتى في الأوقات العادية. وفي ظل الأوضاع الحالية، قد تضاعف هذه الجماعات من تقديمها للخدمات، وملء الفراغ الذي خلفته الحكومات المركزية في توفير الخدمات في مجالات الطب والمياه والغذاء، وذلك من أجل بناء دعم شعبي لقضيتها ولدولتها الأولية.  

لا شك أن الحكومات الأفريقية تواجه بالفعل مهمة معقدة وطويلة الأمد في الاستجابة لكوفيد – 19، ولكن – في الوقت نفسه – يجب عليها أن تبقى يقظة للغاية للتهديد الوجودي الأخطر الذي تفرضه حاليا الجماعات الإسلامية المتطرفة. 

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock