منوعات

قصة آية (2) ليلة لم ينم فيها المقداد بن عمرو حين شرب نصيب الرسول من اللبن

كان وجهاء قريش حين يرون رسول الله مجتمعاً مع عددٍ ضعفاء المسلمين يقولون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك، ورُوي أن بعض هؤلاء الوجهاء جاءوا النبي فوجدوه قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب، والمقداد وآخرين من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: إنا نحبّ أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: «نَعَمْ» قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً قال: فدعا بالصحيفة، ودعا عليًّا ليكتب، يقول خباب بن الأرت: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ … الآية)، حتى قال:( وَإذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، فألقى رسول الله الصحيفة من يده، ثم دعانا، فأتيناه وهو يقول:(سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، فكان رسول الله يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.

المقداد بن عمرو، ويقال له أيضا المقداد بن الأسود، هو من هؤلاء الذين نزلت فيهم تلك الآية الكريمة، وهو واحد من قدامي الصحابة أسلم شاباً ولم يكن تجاوز الخامسة العشرين من عمره، وكان سادساً في الإسلام حسب بعض الروايات، وليس مصادفة أن تتعدد الروايات بأن المقداد هو أول من عدا به فرسه في سبيل الله، وظل يسعى إلى الجهاد إلى أن أصبح شيخاً كبيراً، وانظر إلى هذا المشهد الفريد الذي يرويه البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا، لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى النبي وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى:(اذهب أنت وربك فقاتلا)، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك‏، فرأيت النبي أشرق وجهه وسرَّه‏ قوله‏.

وكان رضي الله عنه من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله، مقاتلا بالمعنى الحرفي للكلمة، وإن سأل النبي سأله عن أحكام القتال، تجمعت أمنياته كلها في أمنية واحدة: أن يموت شهيدًا في سبيل الله، وكان هدفه الأعلى أن يعز الإسلام وأهله، وكان الرسول يحب المقداد حبًّا كبيرًا، ويقرِّبه منه، وجعله ضمن العشرة الذين كانوا معه في بيت واحد، عندما قسَّم المسلمين بعد الهجرة إلى المدينة إلى عشرات.

ومن جميل ما ذكره عن علاقته برسول الله ما يرويه المقداد بنفسه كما جاء في صحيح مسلم فيقول: (أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله فليس أحد منهم يقبلنا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز فقال النبي: (احتلبوا هذا اللبن بيننا)، قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي نصيبه، قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويُسمع اليقظان، قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال: محمد يأتي الأنصار فيُتحفونه ويُصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتُها فشربتُها، فلما أن وغلت في بطني وعلمت أنه ليس إليها سبيل، قال: ندمني الشيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك، فتهلك، فتذهب دنياك، وآخرتك، وعليَّ شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت.

 قال: فجاء النبي فسلم كما كان يسلم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئاً، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت الآن يدعو عليَّ فأهلك،‏ فقال: (اللهم اطعم من أطعمني، واسق من أسقاني)، قال فعمدت إلى الشملة فشددتها علىَّ، وأخذت الشفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله، فإذا هي حافلة، وإذا هن حُفَّل كلهن، فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتى عَلَته رغوة، فجئت إلى رسول الله فقال: (أشربتم شرابكم الليلة)، قال قلت: يا رسول الله: اشرب، فشرب، ثم ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب،‏ فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، فقال النبي: (إحدى سوآتك يا مقداد)، فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا، فقال النبي: (ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها، قال: فقلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس).

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock