رؤى

هل يعيد كورونا صياغة العلاقة بين العمال وأصحاب العمل؟

كريستوفر ماكين – باحث في كلية الإدارة والعلاقات العمالية بجامعة روتجرز بولاية نيو جيرسي الأمريكية ومستشار استراتيجي للشركات ومجموعات العاملين والحكومات حول قضية توسيع ملكية العاملين.

عرض وترجمة: أحمد بركات

يمثل الإنسان المأساة الأكثر فداحة في أزمة تفشي فيروس كورونا؛ فهي أزمة تكمن خطورتها الأولى في حصد الأرواح. وغير بعيد عن هذا المستوى الفادح يكمن الشعور باليأس الذي يتشاركه جميع أفراد الطبقة العاملة بوجه عام، ويكشف عن أزمة اقتصادية ذات أبعاد غير مسبوقة، ويُبرز الشرخ الجوهري في أفكارنا الراسخة عن العلاقة بين العمال وأماكن العمل.

ثنائية الملَّاك والعمال

يكمن هذا الخلل الأساسي في القبول الراسخ عبر ألوان الطيف الأيديولوجي لثنائية العاملين بأجر ومالكي الأصول الرأسمالية. ففي حين يستطيع أصحاب الشركات الاعتماد على الثروة والأصول المتراكمة في أوقات الأزمات، يتبين بجلاء أن الغالبية العظمي من العمال يعيشون أسرى لدخولهم المعتمدة  على الأجور. وطالما بقيت هذه الثنائية، فإن مخاطر انهيار اقتصادي سوف تلوح بقوة سواء على مستوى الشهور القادمة، أو في أي أزمة تالية، حيث تمثل هذه الثنائية جوهر إشكالية عدم المساواة الاقتصادية.

 ومن ثم، يجب على الفور تنفيذ إجراءات قصيرة المدى للمحافظة على هذه الدخول أو زيادتها. لكن بالتزامن مع ذلك، يجب أيضا التفكير بإمعان – وبقدر كبير من الدقة – في الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة من عدم المساواة، وتقديم علاجات أبعد مدي في صورة حزمة من الشروط للحصول على المساعدات الحكومية الفيدرالية.

في هذا السياق يشير مارك كوبان، صاحب نادي «دالاس مافريكس» «وهو أحد أندية دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين»، إلى ضرورة عدم التورط في أي مساعدات حكومية يجري التفكير فيها الآن دون التفكير في كيفية استخدام هذه المساعدات لمواجهة عدم المساواة. 

مارك كوبان

في هذا الإطار تقدم صناعة الطيران نموذجا رائدا، حيث تلتزم شركات الطيران بسداد أي أموال فيدرالية تحصل عليها على سبيل القرض على خطوتين، تتمثل أولاهما في توجيه الجزء الأول من مبلغ السداد إلى «خطط ملكية الأسهم للموظفين» «ESOPs» في جميع شركات الطيران التي يزيد عدد المستفيدين فيها عن 500 ألف عامل في مجال الطيران، بدءا من حمَّالي الحقائب والعمال الفنيين ووصولا إلى المضيفين والطيارين. أما الجزء الثاني من مبلغ السداد فيعود مباشرة «وهذه هي الخطوة الثانية» إلى الحكومة الفيدرالية. بهذه الطريقة يمتلك الموظفون خلال مدى زمني قصير حصة كبيرة في هذه الشركات. كما يجب أن يعمل هؤلاء الموظفون أو ممثلوهم المهنيون المختارون بشكل أساسي في مجالس إدارات الشركات للتعبير عن  مصالح زملائهم الذين يقودون هذا العمل إلى النجاح.

وكما يشير «تيم وو»، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا، فإن العمال الأمريكان أيضا يستحقون التمثيل في إدارة الشركات للمساعدة على إعادة توجيه شركات الطيران إلى الإدارة والإشراف المسئولَيْن. وإزاء ذلك، يجب إنهاء عمليات إعادة شراء الأسهم التي ينصب تداولها على نطاق ضيق في الشركات العامة؛ تلك العمليات التي تسببت في إثراء مجموعة صغيرة من أصحاب المصالح، والإدارة العليا والمضاربين. وفي حالة اعتراض الإدارات على هذا الإجراء، فإنه يجب تثقيفها بشأن أهميته باعتباره النموذج الأفضل للشركات سواء على مستوى العمال أو المساهمين أو الجمهور.

تيم وو

وتوجد أدلة عملية كثيرة على ذلك؛ لكن الأمر يتطلب – ببساطة – أن تبذل الإدارة مزيدا من الجهود في هذا الإطار.

يمكن استخدام آلية ثانية في شركات الطيران، أو في أي شركة قطاع خاص أخرى تحصل على دعم حكومي لتسريع الإجراءات نحو شراكة أكبر في الثروة من قبل العمال العاديين، وهي إعادة النظر في ضرائب العمل. إن من شأن هذا الإصلاح أن يبسط القواعد الموجودة عن طريق تقييد مدفوعات ضرائب الشركات لحساب التزاماتها الضريبية الفيدرالية. وبدلا من توجيه المدفوعات إلى الحكومة الفيدرالية يتم توجيهها إلى شراء أسهم الشركة التي ستحتفظ بها صناديق الائتمان للعاملين في الشركة. وبمرور الوقت، سيصبح العاملون ملاكا أساسيين للشركات التي يعملون فيها ويكون لهم رأي ونصيب في الثروة التي ساعدوا في تكوينها. 

إعادة هيكلة

إن فكرة إعادة هيكلة اقتصادنا بحيث يصبح رأس المال موردا يعمل لحساب العمال، وليس فقط لحساب نفسه، ليست بجديدة. فالعمال لم يعملوا طوال الوقت فقط في مقابل الأجور؛ فقد اعتادوا العمل في المحلات الصغيرة والمزارع. وفي منتصف القرن التاسع عشر، وبينما كان التصنيع يرسخ لسياساته، حذرت بعض القيادات العمالية من أن العلاقة بين أصحاب العمل والعاملين – حيث يملك الطرف الأول، بينما يٌتوقع أن يعيش الطرف الثاني على الأجور-  تمثل شركا سيؤدي إلى التواكل والعبودية. ودافعوا عن ملكية العاملين للاقتصاد الصناعي الناشئ كبديل يتيح للعمال فرصة العمل في مقابل الأجر، وملكية رأس المال. 

ومما يثير الدهشة، أن عددا قليلا فقط من رجال الصناعة الأسطوريين هم من نحوا هذا المنحى، مثل روبرت بروكينجز، وليلاند ستانفورد، وفي بداية القرن العشرين أوين يونج، رئيس مجلس إدارة شركة جنرال إليكتريك. ففي 4 يوليو 1927، وضع يونج المنصة على درجات الجرانيت المثبتة حديثا في مكتبة بيكر في كلية هارفارد لإدارة الأعمال. كانت الكلية قد وجهت إليه الدعوة لإلقاء كلمة في مناسبة افتتاح هذا المبنى العملاق. كان يونج يمتلك رؤية مثيرة أراد أن يطرحها أمام الحضور؛ فطلب منهم التفكير مليا في ما إذا كانت الرأسمالية الأمريكية – التي كان تاريخ نسختها الصناعية قد امتد إلى قرن من الزمان – قد انطلقت على القدم الصحيحة:

«في هذه الشركات الكبرى، جمعنا بين كميات أكبر من الأموال، وأعداد أكبر من العمال عما كان موجودا في المدن التي كان يعتقد في السابق أنها عظمى. فعلنا ذلك من أجل اكتشاف المبادئ الحقيقية التي يجب أن تحكم العلاقة فيما بينهم. من ناحية، كانوا في مشروع مشترك. ومن ناحية أخرى، كانوا أعداء يقاتلون من أجل غنائم إنجازهم المشترك». 

أوين يونج

وتحدث يونج عن أمله في أن تكون كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد مكانا يمكن من خلاله تطوير رؤيته البديلة ووضعها موضع التنفيذ 

«ربما نكون قادرين يوما ما على تنظيم البشر المنخرطين في مهنة ما حتى يصبحوا حقاً أصحاب العمل الذين يشترون رأس المال كسلعة في السوق بأقل سعرأتمنى أن يأتي اليوم الذي تؤول فيه منظمات العمل الكبرى إلى الرجال الذين يمنحونها حياتهم وجهودهمعندئذ سوف نتخلص مرة واحدة وإلى الأبد من اتهام المنظمات الصناعية بالاستبداد وعدم الديمقراطيةبإيجاز، سيكون الرجال أحرارًا في المشروعات التعاونية، وسوف يخضعون فقط لنفس القيود ويحصلون على نفس الفرص التي يخضع لها ويحصل عليها أقرانهم من ملاك الأعمال الفردية. عندئذ لن يكون لدينا رجال مأجورون. قد يكون هذا الهدف بعيد المنال، لكنه يستحق المشاركة بالبحث والجهد من قبل كلية هارفارد لإدارة الأعمال».

صورة مرسومة كلية هارفارد لإدارة الأعمال ١٨٩٥

صيغة شاملة للرأسمالية

يتطلب الأمر أزمة بحجم فيروس كورونا ليتكشف لنا مدى سوء تصميم الترتيبات الاقتصادية في الشركات الأمريكية المهيمنة فيما يتعلق بالمشاركة في الثروة العامة التي يساعد جميع العمال في تكوينها. برغم ذلك، هناك العديد من الترتيبات البديلة الخاصة بمشاركة الثروة لهياكل الشركات الأمريكية المهيمنة. بعض هذه الشركات – مثل الشركات المملوكة للعاملين فيها من خلال «خطط ملكية الأسهم للموظفين» «ESOPs»، والبالغ عددها 7000 شركة، وتنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة – استمرت وازدهرت على هامش هذا الهيكل السائد. وقد حان الوقت للوصول بهذه الأفكار إلى أعلى القيادات في الاقتصاد الأمريكي لتصميم صيغة شاملة للرأسمالية تنهي الاعتماد المطلق من قبل أغلب العاملين على الرواتب الأسبوعية.  

لقد انزعج الأثرياء في الولايات المتحدة بقوة من الأزمة التي سببها فيروس كورونا، لكنهم لا يزال بإمكانهم الخلود إلى مضاجعهم في الليل لأنهم على يقين أن لديهم احتياطات تمكنهم من تجاوز هذه الأوقات العصيبة. والآن، بات واضحا، وربما مؤلما، في هذه اللحظة أن نفس الشعور بالراحة الناجم عن إدخار الثروة من خلال العمل مدى الحياة يجب أن يكون فرصة تمتد ظلالها لتشمل سائر أمريكا العاملة.

وأخيرا، علينا أن ندرك قيمة هذه اللحظة التاريخية الفاصلة. فأوين يونج ليس هو القديس الوحيد الذي أهيل عليه التراب برغم تصاعد إرثه. لقد حان الوقت لأن يستمع العالم إلى المفكرين والنقاد الذين حذروا مرارا من مغبة النمو الاقتصادي غير المقيد، والزراعة الصناعية، وسلاسل التوريد عن بعد. كما حان الوقت أيضا لإتمام براءات الاختراع الخاصة المتعلقة بالتقنيات المنقذة للحياة، ولإنهاء – بشكل رسمي – عمليات إعادة شراء الأسهم القاصرة على الإدارات العليا.  

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock