منوعات

دراسة تنصف ربات البيوت.. العمل المنزلي للمرأة ربع الناتج المحلي في مصر

كانت أمي رحمها الله ربة منزل لا تعمل خارج البيت، فهل كانت أمي بهذا المعني لا تساهم بأي نشاط إقتصادي يمكن إحتسابه كقيمة مضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي؟.. الإجابة على هذا التساؤل تستلزم التعرف على يوم واحد فقط من حياة أمي والذي يشبه إلى حد كبير أيام كثيرات من الأمهات المصريات اللاتي لا يعملن خارج البيت.

المرأة المصرية.. والقيمة المضافة

كانت أمي تستيقظ مبكرا، تبدأ يومها بتقديم الطعام والشراب للطيور التي كانت تربيها بالبيت «الدجاج والبط» كي تضمن توفير البيض لوجبة الإفطار، إلى جانب توفير لحوم الدجاج والبط من حين لآخر، وهو ما كان يستغرق منها بعض الوقت كل يوم في رعاية تلك الطيور، ومن ثم تعد طعام الإفطار الذي كانت تحرص على إعداد كل مكوناته داخل المنزل «فول، طعمية» حتى أنها كانت تخبز العيش في بعض الأحيان، ومن ثم تجهيزنا للذهاب للمدرسة، ثم البدء في أعمال تنظيف البيت «كنس، مسح، غسيل مواعين، غسيل ملابس.. إلخ»، والذهاب للسوق لشراء الخضروات، والعودة لإعداد طعام الغذاء، ومع نهاية اليوم تجمعنا حولها كي نستذكر دروسنا، وهى بذات الوقت منشغلة ببعض الأعمال المنزلية «تنقية الأرز، العدس.. إلخ»، إضافة لرعايتنا جميعا في حالات المرض.. فهل كل تلك الأنشطة التي كانت تمارسها أمي لا تعد قيمة إقتصادية مضافة؟  

الدكتورة «سلوى العنتري» الباحثة المتخصصة في علم الإقتصاد والرئيس السابق لقسم البحوث الإقتصادية بالبنك الأهلي المصري في دراستها «تقدير قيمة العمل المنزلي غير المدفوع للنساء في مصر» الصادرة عن مؤسسة المرأة الجديدة، تطرح قضية تقدير قيمة العمل المنزلي غير المدفوع والذي تقوم به النساء المصريات ولا يتم إحتسابه أو تضمينه داخل منظومة التقارير الرسمية، وكيف أن عدم الإعتراف بمساهمة النساء في رفاهية المجتمع من خلال العمل المنزلي، يؤدي بذاته إلى التأثير سلبا على المكانة الإجتماعية للنساء ومدى قدرتهن على المشاركة في صنع القرار.

 استهدفت الدراسة «تقدير قيمة المساهمة الفعلية للنساء في النشاط الإقتصادي في مصر، وذلك بقياس وتقدير قيمة ساعات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر الذي تقوم به «المرأة المصرية»، والدراسة تعد أول محاولة لتقدير القيمة النقدية للعمل المنزلي للنساء في مصر، ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي.

العمل المنزلي.. رفاه للمجتمع

تستهل الدكتورة «سلوى العنتري» عرض دراستها بالإشارة إلى أن مفهوم العمل المنزلي غير المدفوع ينطبق على كافة الخدمات التي يتم إنتاجها واستهلاكها مجانا داخل الأسرة، أي تلك الخدمات التي يؤديها أفراد الأسرة بعضهم لبعض، سواء تعلق ذلك بأعمال العناية بالمنزل وتجهيزاته أو إعداد وتقديم الوجبات، أو شراء المستلزمات المنزلية ونقل أفراد الأسرة من مكان لآخر، أو رعاية وتربية الأبناء ورعاية أفراد الأسرة المرضى والمسنين، إلى غير ذلك من الأعمال التي تقع بشكل أساسي على عاتق النساء.

تضيف دكتورة «سلوى» أنه على الرغم من أن العمل المنزلي غير المدفوع يماثل العديد من الأعمال التي تؤدى في المجتمع بأجر، مثل أعمال الخدمة المنزلية وأعمال رعاية الأطفال والمسنين وبعض أعمال التمريض.. إلخ. إلا أنه على العكس من تلك الخدمات التي تؤدى بأجر فإن العمل المنزلي غير المدفوع لا يحتسب ضمن الناتج المحلي، وذلك وفقا لنظام الحسابات القومية الذي تعده الأمم المتحدة ويسري على بلدان العالم المختلفة.

المثير في الأمر أن نظام الحسابات القومية هذا يعترف بأن جميع أنشطة العمل المنزلي غير المدفوع هى أنشطة منتجة بالمعنى الاقتصادي، وأن الوقت المبذول فيها يزيد من رفاهية المجتمع، إلا أن هناك مجموعة من العوامل تجعل من الصعب إدراج تلك الخدمات ضمن الناتج المحلي الإجمالي، ويتمثل أهم تلك الأسباب في أن إنتاج واستهلاك هذه الخدمات لا يقترن بأي تدفقات نقدية، وبالتالي فهو لا يساعد على تحليل ما قد يطرأ على الاقتصاد من تضخم أو انكماش.

الدكتورة «سلوى العنتري»

تقديرات القيمة الاقتصادية للعمل المنزلي

تتوفر البيانات الخاصة باستخدام الوقت بالبلدان المختلفة منذ زمن بعيد، إلا أن مصر لم تبدأ بتوفير تلك البيانات إلا مع عام 1998 من خلال «المسح التتبعي لسوق العمل في مصر» والذي يجريه منتدى البحوث الإقتصادية بالمشاركة مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وقد بدأ المسح في 1998 ثم في 2006 بالتطبيق على النساء والأطفال دون الرجال، أما المسح التتبعي لسوق العمل في 2012 فقد أشتمل على كل من النساء والرجال والأطفال.

اعتمدت الدكتورة «سلوي العنتري» في دراستها لقيمة العمل المنزلي غير المدفوع للنساء في مصر ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي على نتائج المسح التتبعي لسوق العمل في مصر في سنة 2012 والذي كان يشمل أكثر من «12 ألف أسرة» تتضمن «49186 شخصا» ومن ثم توصلت إلى أن النساء في مصر يمثلن نحو 49% من السكان في الشريحة العمرية لقوة العمل، وأنهن يسهمن بنحو 46.2% على الأقل من إجمالي ساعات العمل المدفوع وغير المدفوع لتلك الشريحة، وهو ما يدحض مقولة انخفاض مساهمة النساء المصريات في النشاط الإقتصادي.

أما عن الأسلوب الذي يتم به تقدير القيمة النقدية لساعات العمل المنزلي، فتشير دكتور «سلوى» إلى وجود ثلاثة أساليب للتقدير، الأسلوب الأول يطلق عليه «تكلفة الفرصة البديلة» وهو يقوم على أساس أن الوقت الذي يتم إنفاقه في العمل المنزلي غير المدفوع كان من الممكن إنفاقه في عمل وظيفة بأجر، وبالتالي يمكن تقدير القيمة النقدية لساعات العمل المنزلي وفقا لأجر ساعات العمل البديل.

أما الأسلوب الثاني فيطلق عليه «تكلفة العمل المثيل المتخصص» ويفترض هذا الأسلوب أن كل خدمة من خدمات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر كان من الممكن الحصول عليها إما بشرائها من السوق أو تأجير شخصص للقيام بها، وللتغلب على صعوبة تماثل الإنتاجية واختلاف ظروف العمل في الأسرة عنها بالنسبة للعمل المحترف في السوق، تم اللجوء للأسلوب الثالث الذي أطلق عليه «تكلفة العمل المثيل غير المتخصص»

هذا وقد اعتمدت دكتورة سلوى في دراستها على متوسط الأجر القومي لكل من النساء والرجال كتعبير عن تكلفة الفرصة البديلة، إلى جانب الإعتماد على أسلوب تكلفة العمل المثيل غير المتخصص وقد تراوحت تقديرات قيمة العمل المنزلي للنساء المصريات بين «307.6 مليار جنيه» و«455 مليار جنيه» وبأخذ المتوسط لهذين التقديرين، يمكن إعتبار حجم مساهمة العمل المنزلي للنساء في مصر حوالي 380 مليار جنيه وهو ما يمثل نحو 25% من إجمالي الناتج المحلي لعام 2012.

من جانب آخر أبرزت نتائج الدراسة الفجوة الكبيرة بين عدد ساعات العمل المنزلي لكل من النساء والرجال، حيث يبلغ متوسط عدد ساعات العمل المنزلي الأسبوعية للنساء في مصر «30.25 ساعة» مقابل «4.19 ساعة» فقط للرجال في الأسبوع. وتستأثر أعمال الخدمة المنزلية بالجزء الأكبر من وقت النساء، حيث تستغرق أنشطة الخدمة المنزلية نحو 47% من إجمالي الوقت المخصص للعمل المنزلي غير مدفوع الأجر، بواقع 14 ساعة أسبوعيا، في مقابل أقل من نصف ساعة للرجال.

تلفت الدكتورة «سلوى» النظر إلى أن نتائج الدراسة قد أكدت على أن العمل بأجر -على أهميته البالغة- لا يمثل بذاته شرطا كافيا لتحرير المرأة وتعزيز مكانتها وقدرتها على المشاركة في صنع القرار، ذلك أن المرأة العاملة بأجر لديها دورتا عمل، إحداهما خارج المنزل، والثانية داخله، ويزداد الأمر سوءا إذا كان العمل يتم في ظل غياب أي حماية قانونية وأي تامينات إجتماعية أو صحية كما هو سائد بالقطاع غير الرسمي، حيث أظهرت نتائج الدراسة أن 47% من النساء يعملن بدون تأمينات إجتماعية وبدون تأمين صحي، وأن 17.5% منهن يعملن دون عقود عمل، كما أن مدة العقود تبلغ سنة فأقل في أكثر من 75% من الحالات، فضلا عن أن أكثر من 70% منهن لا تتمتعن بعضوية أية نقابة مهنية أو عمالية.

توصيات

تختتم دكتورة «سلوى» دراستها بتقديم مجموعة من التوصيات كان منها ضرورة تطوير مسوح استخدام الوقت بشكل عام، والتوعية المجتمعية بأهمية العمل المنزلي غير المدفوع في رفاهية المجتمع والمساهمة الحقيقية للنساء في النشاط الإقتصادي، إلى جانب العمل على تعديل الصورة الذهنية الخاصة بعلاقة كل من النساء والرجال بالعمل المنزلي ورعاية الأطفال، داخل الكتب المدرسية والإعلانات التجارية والأعمال الدرامية، كما أوصت الدراسة بضرورة تطوير معاش المرأة المعيلة ليخرج من مفهوم المساعدات الاجتماعية إلى مفهوم الحق في الحماية التأمينية، واستصدار التشريعات الخاصة باقتسام الثروة بين الزوجين في حالة الإنفصال مع الإسترشاد بتجارب بعض الدول الإسلامية مثل ماليزيا و العربية كتونس والمغرب في هذا الشأن.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

    1. المهم أن الدولة في إحصاءاتها هى إللي تراعي حساب جهد ووقت المرأة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock