منوعات

أغاني ودراما وصحبة من زمن فات.. رمضان أحلى مع الذكريات

يمثل شهر رمضان عند المصريين حالة خاصة يتجاوزون فيها فكرة الاستجابة لركن من أركان الإسلام –على أهميتها- إلى حالة وجدانية يمتزج فيها الجمال والروحانية مع لحظات فلكلورية وحنين غلاّب إلى  ذكريات الماضي بكل تفاصيلها.. رمضان الماضي عند البعض كان أكثر مرحاً وجمالاً ودفئاً من رمضان الحاضر، ويتخذ الحنين إلى ذكريات رمضان في الزمن الفائت، صوراً وأشكالاً مختلفة، كاشتياق النفس إلى صلاة بأحد المساجد العامرة، أو الحنين إلى لمة الأسرة والعائلة في ليالي عُرفت بالكرم والجود فـ «رمضان كريم»، أو الحنين إلى صحبة ورفقة الأصدقاء الذين فرق بينهم الزمن، وباعدت بينهم الأيام.

زينات وأنوار وفوانيس

في الأحياء الشعبية يبدو رمضان أكثر حضورا وألقا، حيث تُعلق الزينات والأنوار والفوانيس ابتهاجا بقدوم الشهر الكريم، أما في الأحياء العريقة والعتيقة كالسيدة زينب والحسين والجمالية وغيرها، فيكون للأمر مذاق أكثر خصوصية، إذ تنشط المساجد الكبرى استعدادا لصلاة التراويح، والاعتكاف وغيرها من العبادات في هذا الشهر المبارك، بينما تُزين مآذن وقباب تلك المساجد بحبال من نور لتعكس حالة من البهجة والفرح التي حلت في نفوس سكان الحي وزواره، وتنشط حركة البيع والتجارة والسياحة. فعلى مقربة من تلك المساجد تنصب من بعد انتهاء صلاة التراويح وحتى وقت السحور والإمساك موائد السحور في الشوارع والأزقة لزوار الأحياء الذين يحلو لهم تناول وجبة سحورهم في سهرة رمضانية وسط أجواء روحانية باذخة.

دراما خالدة

لكن الجانب الأكبر من الحنين عادة ما يتوجه – بفعل صعوبة ظروف الحياة والواقع وغلاء المعيشة- إلى تلك الدراما الرمضانية التي شكلت وجدان أجيال من الشباب والمثقفين العرب، بعدما ارتبطت مواسم إنتاج الدراما العربية بالشهر الكريم، فقد شاهد الجمهور العربي للمرة الأولى في رمضان أعمال ومسلسلات تركت أثرا عظيما وكانت حديث الناس، مثل «المال والبنون»، و«ليالي الحلمية»، «خالتي صفية والدير»، «جمهورية زفتى»، «رأفت الهجان»، «أحلام الفتى الطائر»، و«هوانم جاردن سيتي» وغيرها من الأعمال الدرامية المتميزة التي انتجت خصيصا لرمضان. بفضل هذه الأعمال علقت في أذهان المشاهدين العديد من شخصيات الدراما الرمضانية، وإذا كنت تريد على ذلك دليلا فدعنا نتساءل عما تثيره في نفسك تلك الأسماء «شٌهرت – سليم البدري – نازك السلحدار – عباس الضو – سليمان غانم – زهرة – سلامة فراويلة- السحت- القص» وهي شخصيات نجحت كوكبة من كتاب السيناريو كأسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبد القوي، ومنى نور الدين، ومحمد صفاء عامر في استخلاصها من تفصيلات الحياة اليومية للمواطن المصري وتجسيدها على شاشات الدراما.

 بالإضافة إلى المسلسلات الدينية كروائع الكاتب والسيناريست عبدالسلام أمين «عمر بن عبدالعزيز»، «هارون الرشيد»، ومسلسل «محمد رسول الله» عن قصة الكاتب الكبير عبدالحميد جودة السحار، ومن إخراج مخرج الروائع الدينية أحمد طنطاوي، الذي ساهم في الدراما الرمضانية بعدد كبير من المسلسلات الدينية مثل «القضاء في الإسلام» و«على هامش السيرة» و«الكعبة المشرفة» و«ملكة من الجنوب» وغيرها من الأعمال الدرامية التي لا تزال حاضرة في وجدان من شاهدوها.

واللافت في كل الأعمال الدرامية التي اشرنا اليه والتي تركت أثرا عظيما في نفوس ووجدان المشاهدين، أنها لم تكن – بحال من الأحوال – تنال من تلك الحالة الروحية والإيمانية التي يعايشها المقبلون على شهر العبادة والصوم.، فهي دراما على الرغم من حرص القائمين عليها على تحقيق عوامل نجاحها من تشويق وشغف وإثارة، إلا أن موضوعاتها كانت في أغلب الأحيان تعالج  قضايا اجتماعية من خلال رصد التحولات الأهم في المدينة والقرية المصرية على السواء، ونبهت إلى بعض الظواهر الاجتماعية المرضية قبل استفحالها وانتشارها وتحولها إلى خطر داهم كالرأسمالية المتوحشة، والتدين المغشوش، والتطرف الديني نتيجة تسرب بعض الأفكار الغريبة على البيئة المصرية منذ سبعينات القرن الماضي. أو أنها عالجت قضايا وطنية وسياسية من خلال إبراز قصص وحكايات بعض الشخصيات الوطنية التي اختارت خدمة الوطن والمساهمة في بناء انتصاراته بل والتضحية بالحياة في سبيله. فهي دراما عملت على زيادة الوعي بالذات، وإنعاش الضمير الوطني ومن ثم كان من الطبيعي أن تسمى من قبل البعض بالدراما الهادفة. أو هي كانت دراما دينية فمن يستطيع ان ينسى تتر مسلسل محمد رسول الله بصوت ياسمين الخيام،

أغاني رمضان

وربما يكون قدوم شهر رمضان مناسبة أيضا  للتعرض لبعض من تلك الأصوات الغنائية التي تثير في الآذان شوقاً إلى أجواء رمضان كصوت الشيخ محمد رفعت الذي ينطلق مصاحبا لصوت مدفع رمضان معلنا عن حلول فرحة الإفطار. ومن الذي يستطيع أن ينسى تلك الطَرقات – بفتح الطاء وتسكين الراء- التي تسبق كلمات أغنية سيد مكاوي «مسحراتي» التي كتبها الشاعر  الراحل فؤاد حداد.. مسحراتي أنادي أهل الزمن.. منقراتي أنادي أهل المدينة.. ألاقي منهم في الوكالة القديمة.. عمر الصنايعي ظهر خان الخليل.

وربما يكون صوت الفنان الجميل  والمطرب المنسي أحمد عبد القادر هو الأقدر على تلبس تلك الحالة التي يعايشها المصريون في رمضان في أغنيته التي ارتبطت بالشهر الكريم وارتبط بها.. وحوي يا وحوي إياحه.. رحت يا شعبان جيت يا رمضان إياحه.. هل هلالك والبدر أهو بان.. شهر مبارك وبقاله زمان، وهو أمر يتكرر بذات الشغف والاستمتاع مع المطرب الشعبي الجميل محمد عبد المطلب «رمضان جانا.. وفرحنا به بعد غيابه وبقى له زمان.. غنوا وقولوا.. شهر بطوله.. أهلا رمضان»

كما أن لصوت عبدالعزيز محمود حضورا خاصا ظل يحمل رونقا وبهجة خاصة بقدوم شهر الصوم والفضل وهو يشدو بأغنيته الماتعة «مرحب شهر الصوم مرحب.. لياليك عادت في أمان، بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان»

ربما كان لهذا الكم من التجاوب الوجداني والترجمة الفنية لمشاعر المصريين حيال الشهر الكريم، هو ما جعل لرمضان القاهرة مذاقاً خاصاً يصعب أن تجد له مثيلاً في أي عاصمة أخرى في العالم الإسلامي، باستثناء تلك الحالات القليلة التي يحاول المصريون هنا أو هناك استدعاءها في غربتهم.

الفيديو جرافيكس
تحريك ومونتاجعبد الله إسماعيل

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock