رؤى

التجنيد عبر الإنترنت هل يكفي وحده لإغواء الشباب للانخراط في الإرهاب؟

كتبت: دني سبيكارد ، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف (ICSVE).

ترجمة و عرض: تامر الهلالي

هل التجنيد عبر الإنترنت وحده قوي بما يكفي لتجنيد فرد في جماعة إرهابية، فضلاً عن تحريضه على السفر عبر القارات للانضمام لجماعة إرهابية كما هو حال 40.000 مقاتل إرهابي أجنبي أو ما شابه وأفراد أسرهم الذين سافروا للانضمام في نهاية المطاف إلى خلافة داعش في سوريا والعراق؟ من المرجح أن يجيب معظم الخبراء بالنفي. حتى الآن، معظم الخبراء يؤكدون أن بعض العناصر المتعلقة بالحضور وجهاً لوجه ضرورية لإبرام الاتفاقات، إلا أن دراسة جديدة أجراها المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف (ICSVE) واستنادا إلى 236 مقابلة متعمقة أجراها الباحثون، تستنتج الدراسة أن هذا اليقين لم يعد صحيحا.

الإنترنت يكفي

استنادًا إلى هذه المقابلات، التي تساءلت عن تاريخ التجنيد وتجارب الجماعات الإرهابية، من بين العديد من الجوانب الأخرى لمسارات الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات، تشير البيانات والنتائج بوضوح إلى أن تجنيد الإنترنت وحده يكفي لإغواء شخص ضعيف.  

من بين المقابلات الـ 236 لـ ICSVE التي تمت ترجمتها وترميزها على 342 متغيرًا، أبلغ 117 عن بعض عناصر التوظيف عبر الإنترنت كجزء من عملية انضمامهم إلى المجموعة الإرهابية. بالنسبة للكثيرين، تضمنت تلك العملية التي انتهت بانضمامهم مشاهدة مقاطع فيديو أنتجها تنظيم داعش وجماعات متمردة أخرى تعمل في سوريا، علاوة على فيديوهات انتجها مدنيون سوريون يصفون طغيان الأسد، وكذلك في حالة من انتموا إلى تنظيم داعش.

بعد هذا تم وضع ذلك في صور لدولة إسلامية منتصرة وطوباوية، تلك الخلافة التي يزعمون أن جميع المسلمين ملزمون بالانضمام إليها و دعمها. كما أجرى آخرون اتصالات عبر الإنترنت مع مختصين في التجنيد من تنظيم الدولة الإسلامية، أو وسطاء تحدثوا معهم عن القدوم، أو على الأقل سهّلوا مرورهم إلى سوريا.

تواصل آخرون عبر الإنترنت، أو اتصلت بهم شبكة اجتماعية من العائلة والأصدقاء الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية قبلهم.

ومع ذلك، فإن الأهم من ذلك هو أن جزءًا كبيراً من عينة الدراسة سافر إلى سوريا والعراق ببساطة عبر اتباع التجنيد عبر الإنترنت وحده، أي عبر الدعاية أو المجندين أو المؤثرين على الشبكة العنكبوتية الذين حفزوهم على القدوم.

حدث هذا دون أي دور للتجنيد المباشر وجهًا لوجه كما كان يعتقد العديد من الخبراء حتى هذه اللحظة.

أفاد 17.7 في المائة من العينة من الرجال (العدد = 35) و 21.1 في المائة من النساء (العدد = 8)، أنهم سافروا إلى سوريا بمفردهم عن طريق التجنيد عبر الإنترنت وعبر الدعاية الإرهابية الرقمية دون الحاجة إلى وسيط أو صديق أو فرد من العائلة يراسلهم عبر الإنترنت.

إرهابيون يروون قصص تجنيدهم

من بين القصص التي رويت خلال المقابلات الآتي:

أبو وليد البالغ من العمر 24 عامًا، وهو مقاتل هولندي متعلم جيدًا ينتمي إلى تنظيم داعش، يتذكر اعتناقه الإسلام في سن التاسعة عشرة، ثم وقوعه بشكل كبير تحت تأثير الإنترنت السلبي في مشاهدة الأحداث التي تتكشف وسط الانتفاضة السورية. يقول أبو وليد: «شاهدت مقاطع فيديو على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة Facebook و Twitter ثم، بمرور الوقت، بدأت أتحدث إلى الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. غادر أبو وليد هولندا في نهاية المطاف للانضمام إلى داعش في عام 2016.

أبو وليد

في حالة أخرى يشرح جاك ليتس، البريطاني البالغ من العمر 24 عامًا حكايته قائلا: «لقد جئت بسبب ما كان يفعله بشار في عام 2015. كنت أجلس لساعات مع أعضاء تنظيم داعش على تويتر».

جاك ليتس

و مثل العديد من الذين تابعوا داعش على الإنترنت، يتذكر جاك كيف أمروه بالتركيز فقط على ما يخبروه به، مما سهل أيضًا اقتناعهم بالسفر إلى سوريا بعد أن نجحوا في إقناعه أن ما يسمعه في الأخبار عنهم ليس صحيحا»

ليزا سميث، حالة اخرى، وهي امرأة أيرلندية تبلغ من العمر 37 عامًا، تروي كيف أصيبت بالإحباط بعد اعتناق الإسلام حيث كانت المرأة التي أرشدتها صارمة للغاية ومتقلبة. لكن شغفها بدينها تجدد عندما التقت بشاب أمريكي عبر الإنترنت، يدعى أبو حسن.

ليزا سميث

وقالت ليزا أن الشاب شرح لها أساسيات القرآن و ما هو مسموح به وما لا يسمح به، ثم سافرت مرتين إلى سوريا، أولاً لمساعدة السوريين المحاصرين، ثم مرة أخرى للانضمام إلى داعش، في المرتين كانت تحت إشراف معلمها عبر الإنترنت. في المرة الثانية التي تتذكر فيها هي عندما سألت «أبو حسن» عن وحشية داعش التي كانت تشاهدها على الإنترنت. تقول ليزا إنها عندما سألته أجاب أن ما تشاهده ليس صحيحاً و ان الأمر كله مجرد دعاية و أن من يقومون بتشويه صورة داعش لا يريدون أن يقوم الناس بالهجرة للعيش تحت حكم الشريعة.

وتضيف ليزا أنها سألت معلمها أيضا هل البغدادي خليفة شرعي أم لا شرعي فرد بأنه شرعي و أنه يستوفي جميع الشروط وأي شخص لا يقوم بالبيعة للخليفة  إذا مات سيموت ميتة جاهلية.

و تضيف ليزا «بالنسبة لي كان أبو حسن على دراية كبيرة. لقد صدقت كل ما قاله. كان وديعاً جدًا ولطيفًا، وطيباً، ولم يكن غاضبًا أبدًا». 

حالة ثالثة: أبو إسلام، وهو رجل باكستاني يبلغ من العمر 40 عامًا، تم تجنيده في داعش في عام 2014 عبر الإنترنت وحده أيضا. يتذكر أبوإسلام الأمر قائلاً: «لم أكن مسلمًا ممارسًا للشعائر والفروض حتى سن 36 عامًا. كنت أبحث عن الإسلام واتصل بي أحدهم على الإنترنت. كنت أبحث لماذا يتجه الناس للجهاد. ثم تواصلت بشخص يدعى محمد من داعش».

أبو إسلام

و بحسب أبو إسلام،. عندما علم محمد أن شقيقه الباكستاني كان يعمل في صناعة البترول، «أصبح متحمسًا و قال له: «أنت مسلم، يا أخي، يجب أن تأتي وتساعدنا». قلت له، «هناك حرب مستمرة. رد عليه القائم على تجنيده»، «سنبقيك في مكان لا توجد فيه حرب. نحتاج إلى مهندسين».

و يتابع أبو إسلام «ثم أوضح أن الخلافة قد تم تأسيسها. إنه واجبك أن تأتي». ويتابع: «برهن الرجل على كلامه بالقرآن والأحاديث وواصلنا الحديث. استغرق الأمر مني شهرين على الأقل. كنت خائفاً، لكنه وضعني في اختبار صعب عندما قال لي: «أنت تفعل خطيئة كبيرة إذا لم تأت».

وفي حالة رابعة، يتذكر السويسري أبو علياء البالغ من العمر 29 عامًا، والذي ولد في الجزائر لكنه عاش في سويسرا، كيف اهتدى إلى الإسلام على الإنترنت في عام 2011 وكذلك تعرفه إلى أنور العولقي، الذي أقنعه أن الذي يدعو إليه داعش وجماعات أخرى من الهجرة والجهاد هي بمثابة أمر واجب عليه بشكل شخصي.

أبو علياء

بعد اعتناق الإسلام، يتذكر أبو علياء مشاهدة أحداث الانتفاضة السورية على موقع يوتيوب وفيسبوك وتويتر. ويقول «رأيت الكثير من مقاطع الفيديو وتفجيرات النظام السوري ورأيت الفيديوهات تنادي: أين المسلمون؟ لقد قتلنا على يد النظام السوري! وفكرت أن على المغادرة لمساعدة هؤلاء الناس، وبالفعل ذهبت عام 2013».

الإغواء العاطفي

في حالة خامسة تتذكر كيمبرلي بولمان، وهي كندية تبلغ من العمر 46 عامًا، كيف التقت على تويتر برجل ينتمي لداعش وكيف تزوجته عبر الإنترنت. تقول كيمبرلي: «بعد عام من الزواج، بعد مجيئه إلى سوريا.. سألني: «أنت لست حقًا من النوع الذي يتم تطليقه. لماذا حدث لك هذا؟». و تذكر كيمبرلي كم كانت غارقة في مشاعر الخجل والكراهية الذاتية بسبب الاعتداءات الجنسية والزواج الذي هربت منه عندما تحول إلى سلسلة من العنف. وتتذكر كيمبرلي أنها كانت مندهشة عندما وعدها زوجها الجديد من داعش باستعادة شرفها. «هذا شيء لم اكن أعتقد انه لازال موجودا. كان هذا النقاء والتطهر شيئاً أريده بشدة».

كيمبرلي بولمان

مثلها مثل غيرها كان لدى كيمبرلي دوافع أخرى لهذا التحول في حياتها، إضافة إلى الإغواء عبر الإنترنت، فقد تمت محاكمة واحد من المغتصبين لها وظهر ذلك في الأخبار، مما تسبب في تحسنها الكبير بعد الصدمة والمشاعر الانتحارية التي عانتها. بدلاً من الانتحار، قررت أن تصدق زوجها على الإنترنت عندما قال لها: «تعال إلى حيث ستكونين محبوبة. أطفالك لا يرونك حتى. لديك مهارات. لا يجب أن تكوني بمفردك».

ترى كيمبرلي أن دعاية داعش لم تجذب الأفراد إلى الجماعة، بل «الألفة الحقيقية عبر الإنترنت هي التي جعلتهم يتخلون عن منازلهم ويسافرون عبر القارات. الكثير منا لم ير الفيديوهات التي تبثها داعش».

لطالما استخدم الإرهابيون الإنترنت لتسويق أيديولوجياتهم الخبيثة وتجنيد الأفراد الضعفاء في مجتمعاتهم. ومع ذلك، فقد تصاعد هذا الاستخدام للإنترنت الآن إلى درجة أنه من الممكن تجنيد الأفراد في الإرهاب عن طريق الاتصال بالإنترنت وحده.

لماذا ينجح التجنيد؟

ثمة العديد من الأسباب التي تجعل من تجنيد التنظيمات المتطرفة لعناصر جديدة أمرا ممكنا؛ أولها أنه في حالة الجماعات الجهادية المتشددة، أمضى تنظيم القاعدة وآخرون عقودًا في نشر أيديولوجية خبيثة وإقناع الكثيرين بأن الإرهاب الانتحاري هو نوع من الاستشهاد الإسلامي، وأن بناء الخلافة هو هدف يجب السعي إليه، وأن الهجرة – أي السفر إلى الأراضي التي تحكمها الشريعة – والمشاركة في الجهاد المسلح هي واجبات تقع على جميع المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، تطورت شبكة الإنترنت إلى درجة تسمح فيها آليات التغذية الراجعة الفورية لوسائل التواصل الاجتماعي للإرهابيين بملء الإنترنت بدعايتهم والتجنيد عبر بث الرسائل ثم الجلوس والانتظار لمعرفة من يرد ويستجيب. تلك الآليات ذاتها مكنتهم من حشد طاقتهم في شحذ أولئك الذين يبدون اهتمامًا – ثم إيهامهم بأنهم سيحصلون على الحب المتدفق والاهتمام.

وعلى الرغم من أن عرض صور وفيديوهات للمعاناة في أنحاء الأمة الإسلامية لتحفيز المشاهدين على العمل كان لفترة طويلة من اختصاص المجندين الجهاديين المسلحين، فإن التأثير قد تزايد مع القدرة الحالية لمجندي الإنترنت على تحريك عواطف المجندين المحتملين من خلال عرض فيديوهات لهم خلال الأحداث في الوقت الحقيقي الذي تحدث فيه، في جميع أنحاء العالم، بينما يقنعونهم بأن لهم دور يلعبونه في إنهاء هذه المعاناة. يمثل هذا الأسلوب الجديد إضافة جديدة في المزيج المستخدم لتجنيد الإرهابيين في الوقت الراهن.

وبالمثل، فإن العلاقة الحميمة الجديدة التي توفرها اتصالات الإنترنت إلى جانب إمكانية الاتصال المشفر من خلال تطبيقات مثل WhatsApp و Telegram تجعل علاقات تجنيد الإرهابيين المستندة إلى الإنترنت حقيقية وحيوية بينما تكون مخفية في نفس الوقت.

خيارات المواجهة

لمواجهة تزايد حالات التجنيد الإلكتروني، ستحتاج المنظمات العامة والخاصة على حد سواء إلى فضح حقيقة الأيديولوجيات الإرهابية وكذلك الجماعات التي تمثلها. في ICSVE، نعتقد أن استخدام القصص الداخلية من الأعضاء الإرهابيين الفعليين هو أحد الطرق الفعالة للقيام بذلك. ومع ذلك، نحن كمجتمع نحتاج أيضًا إلى معالجة عوامل الجذب التي يستغلها الإرهابيون: المظالم المتصورة والمظالم الفعلية التي تؤدي للتمييز ضدهم وتهميشهم وتوظيفهم وعدم توظيفهم وإحباطهم. الأهم من ذلك، ينبغي على الدول والمؤسسات توضيح أن هناك خيارات أفضل بكثير من الانخراط مع جماعة إرهابية لوضع حد لمعاناة المسلمين في جميع أنحاء العالم. لقد كان الإرهابيون دائما أمامنا ويسبقوننا بخطوة واحدة. أما الآن بعد أن علمنا أنه يمكنهم التوظيف عبر الإنترنت وحده، نحتاج إلى أن نكون مبدعين وقادرين علي التواصل كما يفعل الإرهابيون وأن نوقف ذلك المد الخطير.  

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock