رؤى

«الإرهاب الأبيض» ينتحل اسم القاعدة وأساليبها لإشعال حرب عرقية

دافيد جارتنشتاين روس – الرئيس التنفيذي لشركة «فالنس جلوبال»

صامويل هودجسون – محلل في شركة «فالنس جلوبال»

كولين كلارك – زميل أول في «برنامج الأمن القومي» في «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، وكبير باحثين في «مركز صوفان»

عرض وترجمة: أحمد بركات

مع ما مُني به العالم من شلل على كافة المستويات جراء تفشي فيروس كورونا، رحبت بعض القوى الفاعلة العنيفة الخارجة عن دولها بالوباء العالمي كفرصة لدفع عجلة الأيديولوجيا والدعاية الخاصة بها، ولضرب أعدائها المزعومين.

الأيدولوجيا التسريعية.. ونظريات المؤامرة

في هذا السياق ينظر «أعضاء حركة تفوق الجنس الأبيض» White Supremacists المتطرفة – التي تنتشر في أمريكا وكندا ودول أوربية مثل المانيا وبريطانيا – إلى الوباء باعتباره تأكيدا للكثير من معتقداتهم الراسخة مسبقا، وفرصة لتحقيق أهدافهم العنيفة في الوقت الذي يثير فيه الفيروس الكثير من القلق المتعلق بالاقتصاد وسياسات الهجرة وضبابية المستقبل.

حركة تفوق الجنس الأبيض

وقد عمدت مجموعة تعرف باسم «التسريعيون» (Accelerationists) – على وجه التحديد – إلى استغلال الفرصة التي أتاحتها لهم ظروف تفشي وباء «كوفيد – 19»، حيث عكفت هذه المجموعة عبر الإنترنت على تقديم حزمة من نظريات المؤامرة، والمعلومات المضللة، والدعايات المثيرة للكراهية التي تتهم بعض الأقليات الدينية والمهاجرين بمسئولية نشر الفيروس. ويعتقد التسريعيون أن الاضطرابات الاجتماعية التي يروجون لها، والتي ينظرون إليها على أنها مقدمة ضرورية لإعادة بناء المجتمع على أساس «القوة البيضاء»، قد باتت مقبولة من خلال مشاهد المرض والموت التي تهيمن على التغطيات الإخبارية في جميع وسائل الإعلام.

«التسريعية» هي أكثر الأيديولوجيات العنيفة والخطيرة التي تنتشر داخل «حركة تفوق الجنس الأبيض» العالمية المتطرفة. ويعتقد التسريعيون أن نشوب حرب إثنية ليس فقط أمرا حتميا، وإنما أيضا مرغوبا فيه ويجب التعجيل به باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق القوة البيضاء عن طريق إسقاط أنظمة الحكم الحالية. تشكلت هذه المعتقدات إلى حد كبير من خلال كتاب Siege (الحصار) (1993) للكاتب الأمريكي جيمس ماسون، الذي استلهم أفكاره من تشارلز مانسون، وأدولف هتلر، وويليام بيرس، النازي الجديد الأمريكي ومؤلف رواية The Turner Diaries (يوميات خراط) (1978). ويدعو التسريعيون إلى طرد أو إبادة اليهود وغيرهم من الأقليات الدينية والإثنية، و«الخونة العرقيين» البيض، وهي فئة تضم النساء والأكاديميين والصحافيين والسياسيين البيض المهجنين (مختلطي الأعراق). ويؤمن التسريعيون بأن المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض بوجه عام ليسوا متحمسين لفكرتهم بما يكفي، وأن العنف الموجه ضد النظام السياسي هو وحده القادر على بناء القوة البيضاء. 

وتكمن خطورة هذه المجموعة تحديدا في الاعتقاد السائد بين أعضائها بأن عملا واحدا من أعمال العنف الجماعي يقوم به أحد الأفراد (ذئب منفرد)، أو تنفذه خلية صغيرة، يمكن أن يشعل فتيل الحرب الإثنية التي يطمحون إليها ويرغبون في التعجيل بها. وتهدف هذه الهجمات إلى إجبار البيض على إدراك عدوهم «الحقيقي» كما يزعمون، والمشاركة في عمل ثوري، وتدمير النظام السياسي. وينظم التسريعيون أنفسهم لتسهيل هذا النوع من الهجمات من خلال اتباع مبادئ «المقاومة بلا قيادة»، ودعوة الأفراد، أو خلايا صغيرة، إلى القيام بأعمال عنف ثورية دون وجود قيادة مركزية. وتتألف الشبكات التسريعية من خلايا صغيرة للتدريب على هذا النوع من الهجمات وتنسيقها. وعادة ما يتم تنظيم هذه الخلايا على أسس جغرافية، سواء بحسب الدولة أو المنطقة، لتسهيل أداء أنشطتهم، مثل تدريبات اللياقة البدنية والتدريبات شبه العسكرية. وقد تم تشكيل هذا التنظيم المقسم إلى فصائل أو فئات – حيث يتحرك أعضاء حركة «تفوق الجنس الأبيض» بناء على رؤية مشتركة، وليس على أساس توجيهات صادرة عن قيادة مركزية، أو قائد أوحد – بحيث يكون قادرا على مقاومة اختراق قوات إنفاذ القانون.

وقد تمخضت دعوة التسريعيين إلى المقاومة المسلحة من قبل عناصر الذئاب المنفردة من أجل تعجيل الانهيار المجتمعي المحتوم عن نتائج دموية. فقد تبنت البيانات الصادرة عن كل من برينتون تارانت وجون إرنست – اللذين ارتكبا عمليات إطلاق نار جماعي في عام 2019 في مسجدين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، ومعبد يهودي في مدينة بواي، كاليفورنيا، على التوالي – مفاهيم أساسية لدى التسريعيين في وصفهم لدوافعهم، أو دعوتهم إلى تنفيذ مزيد من الهجمات. وبرغم أنه تم إحباط مؤامرات أخرى كان يجري الإعداد لتنفيذها من قبل خلايا تابعة للحركة، إلا أنها عبرت بجلاء عن عزم ماض لدى هؤلاء على العمل من أجل تحقيق أهداف عنيفة مشابهة. 

هجوم على مسجدين في نيوزيلندا أثناء صلاة الجمعة

أنشطة الشبكات التسريعية

ظهرت العديد من الشبكات التسريعية، لكن أكثرها ذيوعا ونشاطا هي «شعبة الأسلحة النووية» (Atomwaffen Division) (AWD)، التي انبثقت في عام 2015 عن المنتدى الفاشي عبر الإنترنت (المنحل الآن) «المسيرة الحديدية» (Iron March). تتمتع هذه المجموعة باتساع نطاق عملها، وتضم أعضاء وخلايا نشطة يعملون بدرجة كبيرة من الاستقلالية في العديد من الدول. وتسعى هذه المنظمة إلى إشعال فتيل حرب إثنية تقود إلى إسقاط الأنظمة السياسية الحالية. وقد أبدى أعضاؤها التزاما عميقا بتعزيز الانهيار المجتمعي من خلال أعمال العنف، وذلك من أجل تحقيق أهداف القوة البيضاء. وتنشر المنتديات ومجموعات الدردشة الخاصة بهذه الشعبة مجموعة أساسية من النصوص، أبرزها كتاب Siege (الحصار).

صورة لأعضاء Atomwaffen Division يقفون في الصحراء في مقاطعة نيفادا، في أواخر يناير 2018

وتمتلك مجموعة «شعبة الأسلحة النووية» حضورا قويا في الولايات المتحدة. فمنذ تشكلها، تم تحديد الأعضاء في العديد من الولايات، وتكشف وسائل التواصل الاجتماعي وماكينة الدعاية الخاصة بهم أنهم أقاموا على الأرجح معسكرات تدريب شبه عسكرية في تكساس ونيفادا وإلينوي وواشنطن. وقد تضمنت هذه المعسكرات تدريبات على استخدام الأسلحة بالذخيرة الحية، وتدريبات على الاشتباك بالأيدي، وتعليم مهارات البقاء على قيد الحياة في الظروف العصيبة، وغيرها من أنشطة اللياقة البدنية. وقد خطط الأعضاء لتنفيذ هجمات في الولايات المتحدة، بما في ذلك خلية في فلوريدا كانت قد حصلت على مواد متفجرة وربما عزمت على استهداف شبكة كهرباء أو محطة للطاقة النووية في عام 2017. وتضمنت الأنشطة الأخرى التي قام بها الأعضاء قتل رجل مثلي يهودي في كاليفورنيا، وحملة ترهيب استهدفت صحفيين وعددا من الرموز السياسية.

إحدى تدريبات مجموعة «شعبة الأسلحة النووية»

وإضافة إلى نشاطاتها في الولايات المتحدة، يبدو أن منظمة «شعبة الأسلحة النووية» تتمتع بحضور قوي في ألمانيا، ولديها أعضاء في كندا. وتفيد تقارير أن الأعضاء الذين كانوا متمركزين في الولايات المتحدة قد سافروا إلى إنجلترا وبولندا وجمهورية التشيك وأوكرانيا وألمانيا. وفي حين أن الغرض من هذه الرحلات يشوبه قدرا غير قليل من الغموض، إلا أن المجموعة أظهرت في دعايتها صورا لأعضاء يرفعون علم المنظمة أمام قلعة فيفلسبورج – وهو موقع ذو أهمية تاريخية خاصة لمجموعات النازيين الجدد – بما في ذلك في الإعلان عن فرعها الألماني AWD Deutschland (شعبة الأسلحة النووية دويتشلاند).

أعضاء Atomwaffen في الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع جيمس ماسون

وقد ألهمت منظمة «شعبة الأسلحة النووية» مجموعة أخرى من المنظمات ذات الصلة التي تتبنى أيديولوجيات مشتركة، ويتداخل أعضاؤها في بعض الأحيان. لا ينطبق هذا فقط على «شعبة الأسلحة النووية دويتشلاند»، وإنما أيضا على «شعبة حرب الحرائق» (Feuerkrieg)، و«شعبة الحرب الشمسية» (Sonnenkrieg).

وقد تأسست «شعبة حرب الحرائق» في منطقة البلطيق، وتضم أعضاء في العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة. وتكشف الدعاية الخاصة بالمجموعة عن تبنيها – على غرار «شعبة الأسلحة النووية» – استراتيجية توظيف العنف بغرض إشعال فتيل حرب إثنية. وقد تورطت «شعبة حرب الحرائق» في أعمال ومؤامرات إرهابية في كل من الولايات المتحدة وأوربا. وبينما لا يتسم نطاق حضور هذه المجموعة في الولايات المتحدة بالوضوح، إلا أن أحد أعضائها السابقين، كونور كليمو، قد اعترف بمناقشة هجمات على بعض المواقع الخاصة باليهود والمثليين في لاس فيجاس ونيفادا، وإجراء مراقبة لدعم خطط محتملة. كما قام كليمو أيضا بتجميع مواد لصنع القنابل في منزله. 

أما «شعبة الحرب الشمسية» فتتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، وقد قام أعضاؤها بالترويج لمواد دعائية تشجع على تنفيذ هجمات إرهابية، كما تدربوا على صنع القنابل. وعلى غرار «شعبة الأسلحة النووية»، دعا أعضاء «شعبة الحرب الشمسية» إلى ممارسة العنف الجماعي عبر الإنترنت. وتضم قائمة أعضاء هذه المجموعة أعضاء سابقين في «منظمة العمل الوطني» (National Action)، وهي إحدى منظمات النازيين الجدد الإرهابية التي تم حظرها مؤخرا في المملكة المتحدة. وفي فبراير 2020، أعلن وزير الداخلية البريطاني أنه سيتم حظر «شعبة الحرب الشمسية» باعتبارها جماعة إرهابية. وفي منتديات خاصة ناقش أعضاء «شعبة الحرب الشمسية» السفر إلى الولايات المتحدة للاجتماع بأقرانهم في «شعبة الحرب النووية».

اشتباكات بين اليسار واليمين المتطرف ببريطانيا

مجموعة القاعدة

وتمثل الولايات المتحدة أيضا موطنا لمجموعة «القاعدة» The Base، وهي مجموعة أمريكية أخرى تأسست في عام 2018، وتضم أعضاء من جميع أنحاء العالم. وقد قام فرد يشير إلى نفسه باسم Norman Spear (الرمح النورماندي) وأيضا Roman Wolf (الذئب الروماني) بتشكيل المجموعة لتتبنى أهدافا مشابهة لأهداف مؤسسي «شعبة الأسلحة النووية»، وهي إعداد  الملتزمين بأيديولوجيا تفوق الجنس الأبيض المتطرفة لارتكاب أعمال إرهابية والمشاركة في حرب أهلية متوقعة. وبينما حاول «الرمح النورماندي» التنصل من العنف في العلن، واصفا مجموعة القاعدة بأنها «شبكة تهدف إلى البقاء على قيد الحياة والدفاع عن النفس»، إلا أنه أقر بأن أعضاء جماعته «مقاتلون»، وأنهم يسعون إلى إثارة تمرد. كما برر مؤسس «القاعدة» استخدام الإرهاب، وانهم سيستخدمونه إذا هزموا حيث علق في منشور على موقع التواصل الاجتماعي Gab في يونيو 2018 قائلا: «لن يكون هناك إرهابٌ إلا إذا هُزمنا، أما في حال انتصرنا فسوف ننصب تماثيلنا في الحدائق». وقد كشفت تحقيقات مستقلة أجرتها صحيفة «الجارديان»، و«بي بي سي» أن مؤسس «القاعدة» مواطن أمريكي يعيش في سانت بطرسبرغ في روسيا، مما يثير تساؤلات حول العلاقات الخارجية المحتملة للمجموعة. 

رينالدو نازارو مؤسس مجموعة «القاعدة» The Base

وتمثل الولايات المتحدة مسرحا لأغلب أنشطة «القاعدة»، حيث تم تحديد الأعضاء والخلايا في ماريلاند وجورجيا ونيو جيرسي وميشيغان وويسكونسن. وأقامت المجموعة معسكرات «كراهية» شبه عسكرية في جورجيا وأماكن أخرى في الولايات المتحدة، وتسعى – وفقا لتقارير – لإقامة معسكرات مماثلة في كندا.

ويدعو أعضاء «القاعدة» صراحة إلى العنف الجماعي في اتصالاتهم عبر الإنترنت. وبينما لم تفلح المجموعة في تنفيذ هجوم إرهابي واحد، فقد تم اتهام أعضاء من ماريلاند وكندا في يناير 2020 بتهم حيازة أسلحة نارية وجرائم إيواء ونقل أجانب فيما يتعلق بمؤامرة لتنفيذ هجوم إرهابي ضد مسيرة حقوقية في ريتشموند، فرجينيا. كما تم اتهام ثلاثة أعضاء في جورجيا في الشهر نفسه بالتآمر لارتكاب جريمة قتل تتعلق بمخطط لقتل نشطاء مناهضين للفاشية، وتم أيضا اتهام أعضاء آخرين بتخريب معابد في ميشيغان وويسكونسن عبر مخطط قام بتنسيقه أحد أعضاء المجموعة في نيو جيرسي.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock