فن

مسلسل النهاية: الحروب في المستقبل قد لاتكون بين الدول وإنما بين الإنسان والروبوت

تشهد العديد من الأحداث التي مر بها العالم على تحول الخيال إلي واقع, فقد تخيل ويليم جيبسون وجود شبكة عالمية تجمع العالم في فضائها، وقد تحقق مع ظهور شبكة الإنترنت، وقد فاض جناح الخيال للوصول إلي الفضاء، ووطأ الإنسان الفضاء، كما حكي الخيال عن الطائرات التي تحلق دون طيار، ونراها بأم أعيننا فوق رؤوسنا، وقد تحدث الخيال عن روبوت يشبه الإنسان ويتحدث بلغته، وسمعناه في ذهول غير مطمئنين

قاد الذكاء الاصطناعي إلي تطوير تكنولوجيا الروبوت، وتحول الروبوت من مجرد إنسان آلي يؤدي مهمة معينة سواء في الصناعة أو غيرها إلي محاور متفاعل مع الأحداث، وجميعنا شاهد الروبوت سوفيا وهي تتحدث في منتدي شباب العالم. والمحاكاة كانت الفيصل في هذا السبيل؛ فقد قام العقل بمحاكاة ذاته. فهل يستطيع الإنسان أن يتحكم فيما صنعت يده وعقله؟ أم أن الروبوت سيتطور ويخرج عن طواعية من صنعه؟ وربما يدخل في صراع مع الإنسان في المستقبل! فمن المنتصر في هذا الصراع الإنسان أم الآلة التي صنعها؟ يجيب مسلسل النهاية الذي ينتمي إلي الخيال العلمي عن هذه التساؤلات في دراما مستقبلية. وسوف أحاول في السطور التالية تحليل بعض القضايا الاجتماعية التي تعرض لها مسلسل الخيال العلمي بطريقة سوسيولوجية, ولن أتطرق بطبيعة الحال إلي أوجه النقد الدرامي، فلهذه المهمة متخصصوها.

المسلسل فكرة الفنان يوسف الشريف، ومن تأليف عمرو سمير عاطف، وإخراج ياسر سامي. وتدور أحداثه في القدس الشريف عام 2120، ويحكي عن قصة روبوت تم تصنيعه بواسطة روبوت آخر، يحاكي مهندسا متخصصا في الطاقة، وخلال المسلسل أصبح للمهندس وجهان أحدهما حقيقي، والآخر روبوت، الأول مسالم، والثاني مخادع شرير، فُقدت السيطرة عليه وصار يتحرك من تلقاء نفسه ويسعي إلي تدمير العالم، ويستمر الصراع بينه وبين البشرية. و قدم المسلسل مجموعة من القضايا المستقبلية يمكن تناولها في العناصر والسطور التالية. 

استنساخ الوعي

شغلت قضية الوعي بال العديد من المفكرين عبر العصور، وتم تناولها بمصطلحات مثل تشكيل الوعي، وتزييف الوعي، وغياب الوعي… وغيرها؛ إلا أن قضية استنساخ الوعي هي قضية مركزية في صناعة الروبوت. فالذكاء الاصطناعي يسير علي درب الطريقة التي تعمل بها الخلايا المخية بشكل فسيولوجي، بل تجاوز الأمر إلي دراسة طريقة التفكير والوعي الإنساني. ولقد برزت من خلال المسلسل القدرة علي استنساخ وعي الأفراد البارزين العاملين في مجال الطاقة، والتعامل مع الهندسة التقنية التي تعتمد عليها البشرية بشكل أساسي في عالم المستقبل. وثمة أجهزة تسلط علي الدماغ بإمكانها الحصول علي نسخة من الوعي وطريقة التفكير لدي الشخص المراد استساخ عقله. إن هذه النسخ قابلة للزرع والانتقال إلي الروبوت، واستنساخ الوعي يعني استنساخ الإنسان. وسرقة وعي العباقرة واستنساخه في أجهزة الروبوت قضية محورية في المسلسل، بل قضية محورية في الذكاء الاصطناعي برمته، فهل المستقبل سينبئ بالتحول من قتل واغتيال العباقرة إلي محاولة استساخ وعيهم وطريقة تفكيرهم لزرعه في وعي روبوت؟

الفجوة الطبقية الرقمية

تدور أحداث المسلسل في القدس الشريف، وتدور في مكانين مختلفين، أحدهما يعتمد بشكل كبير علي التقنية العالية، وتبدو التقنية في كل شئ، ويشتمل المكان علي كل سبل الراحة، وأن البشر الذين يعيشون فيه بينهم تجانس كبير في المهارات التقنية، والقدرة علي التعامل مع التكنولوجيا، وجميعهم مبدعون ليس في استهلاك التكنولوجيا بل في صنعها أيضاً.

وعلي الجانب الآخر نجد من يعيشون خارج الواحة التكنولوجية التي ابتدعها المؤلف، وهم أفراد لديهم من الفاقة والفقر، ليس فقر المعيشة فقط ولكن فقر القدرات والإمكانيات، فليس لديهم تطور أو قدرة علي التعامل مع التقنية والتكنولوجيا، ولايمتلكون إنتاجها، ولا استخدامها، ويبدو من صور بعض الناس الفقر وصراعات الحياة اليومية التي لا تنتهي.

إن الذين يبرزون في الحياة الفقيرة البائسة و يمتلكون مهارات تقنية ووعيا عاليا يتم استقطابهم إلي الواحة التكنولوجية ليس للحياة بل لاستغلال قدراتهم من أجل صالح الأغنياء. وبين الحياة التكنولوجية والقدرة علي إنتاجها واستهلالكها، وبين الحياة البائسة التي تبعد عن التقنية يدور سؤال مستقبلي، هل ستعمق التقنية والتكنولوجيا الفروق الطبقية والمعيشية في المستقبل أم ستخلق مزيدا من التقارب؟

الطاقة التقنية مستقبل العالم

شهد العالم صراعات عديدة مع الثورة الصناعية الأولي من أجل الحصول علي المواد الخام، وتسويق المنتجات، ودخل العالم نحو مرحلة الاستعمار، وتعد الثروات التي تمتلكها الشعوب وخصوصاً الشعوب الضعيفة قبلة للدول القوية لاستنزاف هذه الموارد والاستفادة منها. وقد دخل العالم مرحلة صراع من أجل الحصول علي البترول والغاز الطبيعي لكونهما مصادر أساسية للطاقة. إلا أن الأمر في المسلسل يبدو مختلفا، ففي الواحة التكنولوجية لا مجال للموارد الطبيعية كمصدر أوحد للطاقة. إن الطاقة التقنية من خلال شرائح يطلق عليها EC هي الأهم لاستمرار الحياة، واستمرار وجود الواحة، بل المعتقد أن الطاقة التقنية هي سبيل وجود العالم، وأن طبيعة الحياة واستمراها متوقف علي الطاقة التقنية، وإن استنزافها سيؤدي إلي توقف الحياة، لذا فإن الواحة تحتاج في انتاج الطاقة إلي عقول بشرية قادرة علي التعامل مع التقنية وإنتاجها، فهل ستصير الصراعات المستقبلية القادمة علي الطاقة التقنية وينصرف العالم عن الصراع حول الموارد الطبيعية؟

تكتلات عالمية جديدة

تطرق المسلسل إلي تغير خريطة وموازين القوة في العالم عام 2120، وأشار إلي حرب تحرير القدس والتي ستهزم فيها دولة إسرائيل فقد جاء في مقدمة المسلسل «انتهت الحرب سريعاً، وأدت إلي تدمير دولة إسرائيل قبل مرور 200 عام علي إنشائها، ولعل هذا الأمر قد قوبل برد فعل من الخارجية الإسرائيلية مما دفعها إلي إصدار بيان تهاجم فيه المسلسل، جاء فيه أن «ما جاء في مسلسل النهاية أمر مؤسف، وغير مقبول علي الإطلاق، خاصة بين دولتين أبرمتا اتفاقية سلام منذ 41 عاماً».  كما تنبأ المسلسل بصعود عربي، وبتفكك الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، فهل يحمل المستقبل تكتلات جديدة ويشهد علي انتهاء تكتلات قديمة؟

الروبوت ومحاولات التخلص من البشر

يحكي المسلسل قصة روبوت  قام باختراع روبوت آخر باستخدام نسخة من وعي أحد المهندسين المتخصصين في الطاقة، وأن الروبوت المخترع اعتمد علي مساعد من البشر، وحرص علي أن يكون مساعده أميا وجاهلا بحيث يستطيع أن يسيطر عليه. في حين اعتمد الروبوت الثاني علي المرأة التي أحبها من البشر لتساعده، فالجهل والعشق هما العاملان اللذين اعتمد عليهما الروبوتان من أجل تسخير البشر.

 وتثبت الأحداث أن الروبوت الجديد خرج عن سيطرة مخترعه، وبات الصراع بينهما قائما. وتصف أحداث المسلسل نوعين من الصراع أحدهما صراع بين الروبوتات. والثاني صراع بين الروبوت والبشر؛ حيث قرر الروبوت المستنسخ التخلص من البشر، وذلك من خلال استخدام الطاقة المشحونة في إنتاج جيش من الروبوتات يعينه علي التخلص من البشر حتي يمكنهم أن يعيشوا وحدهم في العالم دون إزعاج البشر. فما مستقبل الصراع بين الروبوت وبين البشر؟ وهل يستطيع الإنسان التحكم في الروبوت أم سيخرج عن سيطرته في القادم؟

الأمن التكنولوجي ونهاية الحياة الخاصة

تدور الصراعات علي أرض الواحة التكنولوجية، كما تدور علي أرض الواقع الفقير البائس؛ ونجد أن الأمن في الواحة التكنولوجية يعتمد بشكل مكثف علي التكنولوجيا، ونرى حضور الدرونز بشكل أساسي، وأدوات التجسس علي الأفراد، بل وعلي وعي الأفراد، بحيث يتم الكشف عن ما يفكرون في حدوثه قبل أن يحدث بالفعل، إن التحول إلي الأمن السيبراني المتطور في المراقبة، يشير إلي انتهاك الخصوصية للأفراد، مع العلم أنه كلما كان الإنسان في الواحة أكثر قدرة ومهارة علي استخدام التقنية كلما استطاع بدهاء التحرر من المراقبة قدر المستطاع، في حين نجد أن الأمن الواقعي يعتمد علي الذكاء والدهاء وبعض التقنية في محاربة الروبوت والخارجين علي القانون، ويبدو السؤال المنطقي، هل التحول نحو التقنية في الأمن التكنولوجي سيقضي علي خصوصية الأفراد والمجتمعات؟ 

لمحات من الحياة عام 2120

يقدم المسلسل لمحات من طبيعة التكنولوجيا في الحياة عام 2120، فننجد أن معظم الآلات تخاطب الإنسان لأنها تعتمد علي برامج الذكاء الاصطناعي، فالسيارة تنفذ أوامر قائدها وتخاطبه في حالة إغلاق الطريق، وتتحكم في الطريق الذي يسير فيه، وتساعد الهواتف المحمولة في تدبير أمور حياة البشر، بداية من الاستيقاظ حتي العمل مرورا بكل تفاصيل الإنسان اليومية، حتي ساعة النوم. تعتمد الحياة علي إنترنت الأشياء، فجميع الأشياء تقوم عليه، أنت لاتحتاج أن تضئ الغرفة، أو تعمل علي تشغيل المكيف، أو تقوم بالتحكم في طهي طعامك، وجميع الأبواب تفتح أمامك دون طرقها إذا كان مصرحا لك بالدخول، هويتك التكنولوجية أساسية في فتح جميع الأبواب الموصدة بمستشعرات ذكية، الحياة شكلها مختلف، والتقنية متطورة، فهل سيقودنا إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي إلي صياغة هوية تكنولوجية يتحرك بها الأفراد في مجتمعاتهم وغيرها من المجتمعات؟

وليد رشاد زكي

أستاذ مساعد علم الاجتماع - المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock