فن

١٠٠وش يوجه ١٠٠صفعة علي «وش» الدراما الفاشلة

من حسن الطالع أن عادت المخرجة كاملة أبو ذكري إلي دراما رمضان هذا العام لتنتشلنا من الغيبوبة التي استدرجنا الي متاهاتها صناع الدراما المصرية طوال شهر كامل بمسلسلات «فقدان الذاكرة» و«ألعاب النسيان» وحواديت القتل والانتقام. 

‎جاءت كاملة لتوجه «١٠٠ صفعة» علي «وشوشهم» ليفيقوا من غيبوبتهم التي توشك ان تجهز علي ما تبقي في عالم الدراما التليفزيونية من ابداع.

سحر اللصوص الظرفاء

مفتاح نجاح مسلسل «١٠٠ وش» هو ببساطة التوليفة المحكمة لمجموعة من العناصر والمواهب المختارة بعناية وعلى رأسها نص متقن تدور احداثه البوليسية في اطار كوميدي خفيف مع كثير من الحبكة والتشويق وضعتهم كاملة في خلاط موهبتها وخبرتها الطويلة لتصنع وجبة فنية ممتعة لم نشاهد مثلها منذ سنوات.

‎منذ الحلقات الاولي خلق المسلسل تعاطفاً واسعاً مع افراد العصابة التي رسم ملامحها مؤلفا العمل احمد وائل وعمرو الدالي.

‎لقطة من الحلقة الاولي

‎هذه المفارقة ليست مستجدة، فلطالما حظي اللصوص الصغار – خاصة اذا كانوا ظرفاء – بالإعجاب والتعاطف في كثير من الاعمال السينمائية والمسرحية والتليفزيونية، فمن منا لم يتعاطف مع ليوناردو دي كابريو في دور المزور المحترف في فيلم «catch me if you can» «امسكني لو تقدر» او روبرت ردفورد في دور سارق البنوك في فيلم «the old man and the gun» «العجوز والطبنجة».

‎كما تحتفظ ذاكرة ماسبيرو بمسرحيات كبار نجوم الكوميديا في الستينيات وكيف كانت ضحكات الجمهور تدوى في جنبات المسرح عندما كان فؤاد المهندس يصول ويجول في مسرحية «السكرتير الفني» حين تحول من مدرس «كحيتي» بسيط الحال لكن شريف الي رجل شديد الثراء بعد ان انضم عن طريق التحايل والنصب الي نادي «اللصوص الكبار».

ومن منا لم يضحك اعجابا وانبهارا بمشهد نجيب الريحاني وهو يلقن عباس فارس في فيلم «ابو حلموس» درسا في اصول الغش والنصب والتزوير في فواتير حسابات «الدايرة».

تأكد نجاح «١٠٠ وش» عندما توجه قطاع واسع من الجمهور الي الله تضرعاً علي مواقع التواصل الاجتماعي -في ظاهرة لم تحدث من قبل- أن يبعد عيون الشرطة عن افراد العصابة بعد ان اقتربت من الكشف عن هوياتهم.

‎تصاعدت حالة التماهي في الحلقات الأخيرة عندما اقترب الأمن من الامساك بهم بعد القبض على الممرضة «نجلاء»، خشية وقلقاً على مصير العصابة من ناحية ومن ان تنتهي رحلة الملايين التي جمعوها بالتخطيط المحبك في جعبة القط السمين ذي النفوذ الواسع الذي استولي فعليا على الاموال الطائلة في النهاية.

‎اتسقت الخاتمة المرحة للمسلسل مع روحه الكوميدية، فلا اختتموه بهزات درامية عنيفة مثل القاء القبض على العصابة ولا افلتوهم نهائيا من العقاب.

‎ترك صانعو المسلسل للمشاهد تخيل ما يمكن أن يفعلوه في سويسرا التي هربوا إليها، كالتخطيط لعمليات نصب جديدة وما يمكن أن تكون عليها حياتهم هناك. كان ذلك خياراً درامياً موفقاً لإنهاء الحلقات وهو ما لا يجيده معظم كتاب السيناريو خاصة في مسلسلات هذا العام حيث جاءت نهاياتها مثل أحداثها كارثية وتفتقد لأي منطق او اي حس درامي وعلى رأسهم مسلسلا «فرصة تانية» و «لما كنا صغيرين».

‎تعامل صناع «١٠٠ وش» بذكاء ايضا مع اشكالية العقاب الاخلاقي لأفراد العصابة او الـ moral، اذ عوقبوا بدرجات مختلفة، وكانت عقوبة سامح «احمد عبد العظيم» هي الأشد فهو الموظف العمومي االفاسد، وعوقبت نجلاء «دنيا ماهر» لخيانتها الامانة فقد خانت العجوز المريض الذي آواها وتعاونت بلا تردد مع العصابة وسهلت لهم نهب امواله. ومثلما كانت نجلاء هي من أرشد العصابة وسهل لهم سرقة امواله كانت هي ايضا اول خيط يقود الشرطة الي الوصول لأفراد العصابة.

‎عاقب السيناريو ايضا ورثة الرجل المريض الذين أتوا على عجل عند سماع نبأ وفاته طمعا في تركته وهم الذين لم يعودوه او حتى يستفسروا عن احواله لسنوات طويلة وهو طريح الفراش. هؤلاء بالذات لم نشعر تجاههم بأي شفقة وتمنينا ان ينجو افراد العصابة بسرقتهم عن ان ينال الورثة ولو جنيها واحدا من تركة الرجل.

‎كتيبة الموهوبين

عناصر متعددة وجذابة ساهمت في ان «يقش ١٠٠ وش» الموسم الرمضاني هذا العام كالملابس والديكور والمكياج والفريق الذي صنع بمهارة ادوات التنكر او الـ special effects.

‎كما جاء على لسان «ماجي» خبيرة المكياج والتنكر في المسلسل والتي قامت بدورها علا رشدي التي وظفت المخرجة كاملة ابوذكرى امكانياتها الكوميدية في هذا الدور.

‎ المخرجة التي عرفناها في الدراما التليفزيونية «القاتمة» نراها لاول مرة في عمل كوميدي تؤكد فيه تمكنها كمخرجة كبيرة ذات خبرة تجيد كعادتها اختيار فريق الممثلين «casting».

كاملة أبو ذكري

تألقت نيللي كريم في دور «سكر» التي تحاول في السنوات الأخيرة الفكاك من ادوار «النكد» التي تطاردها و تكشف عن خفة دم وقدرة علي الاداء الكوميدي الخفيف. آسر ياسين بلغ قمة تألقه في دور البرجوازي النصاب والتي اكسبته شعبية ربما لم ينلها من قبل.

‎مجموعة الممثلين التي يكتشفها المشاهد على مر الحلقات اغلبهم قادمون من المسرح وأسماؤهم غير معروفة الا ان نجاحهم كان لافتاً.

‎استطاعت كاملة بهذه الكتيبة من الممثلين الموهوبين مع نص متماسك ان تحقق نجاحاً كبيراً بخلاف ما رأينا في مسلسلات أخري أخفقت نصوصها الضعيفة في رسم الشخصيات والحبكة والتطور الدرامي ولم يساعد حشد النجوم في انقاذها من الفشل.. وقد اشفقت علي سبيل المثال علي نجم بحجم خالد النبوي من ان يشارك في بطولة مسلسل بوليسي «لما كنا صغيرين» افتقد لأي منطق مقنع أو نص محكم. بدا خالد النبوي تائها وغير مقتنع بالدور خاصة ان معظم مشاهده كانت مع البطلة «ريهام حجاج» التي استماتت لتسرق منه الكاميرا بالمكياج وتسريحات الشعر والملابس والاكسسوارات Brands وبالغت الكاميرا في التركيز عليها بلقطات مقربة close up.

‎وفي حين لم تنج هذه المسلسلات من التندر والسخرية علي السوشيال ميديا كانت شخصيات «١٠٠ وش» تحظي بالترحيب والاعجاب علي صفحات انشئت خصيصا لها علي فيسبوك وتويتر.

في بعض هذا الصفحات قارن المتابعون للمسلسلات الغربية بين «١٠٠ وش» ومسلسل La Case De Papel «بيت المال» ‎الاسباني الناجح والذي يعرض منه الآن حلقات الموسم الرابع ورصدوا علي مواقع التواصل الاجتماعي اوجه التشابه بين العملين رغم ان المسلسل الاسباني ليس كوميديا وذهبوا الي تسمية المصري «كازا دي بولاق». 

تركيب وجوه ابطال «١٠٠ وش» على بوستر مسلسل La Case De Papel

ففكرة الحلقات الاسبانية تشبه الي حد كبير الحلقات المصرية في ان العصابة مكونة من مجموعة افراد لا يعرفون بعضهم البعض ولم يسبق ان حدث اي تعامل بينهم وتحولوا الي اسرة صغيرة شديدة الترابط.

‎لقطة من مسلسل La Case De Papel

وهذا لا يعيب مسلسل «١٠٠ وش» بل بالعكس يحسب للمخرجة والمؤلفيْن انهم انطلقوا من فكرة ‎بسيطة لصنع مسلسل كوميدي ناجح وأضع تحت كوميدي ١٠٠ خط لان الكوميديا عندنا تعاني منذ فترة من انيميا حادة وهزال بعد ان وصلت في الموسم الرمضاني هذا العام الي مستوى مزر من السماجة والسخافة والاسفاف.

‎عادت كاملة ابو ذكري لتحرك مياه الدراما والكوميديا الراكدة و لتثبت انها مخرجة ب «١٠٠ وش» قديرة وقادرة علي صنع دراما راقية علي اختلاف اشكالها وقوالبها وتابعناها كلها بشغف من «ذات» الي «سجن النساء» الي  «واحة الغروب» حتي وصلنا الي «١٠٠ وش.. تحية واجبة لكاملة أبو ذكري التي منحتنا بهجة استثنائية  افتقدناها في أغلب مسلسلات رمضان».

سلوى سالم

صحفية وناقدة فنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock