رؤى

حركات الشبان البيض المعارضة تتعمد تحويل احتجاجات جورج فلويد نحو العنف والنهب

شهدت أكثر من 30 مدينة أمريكية احتجاجات عنيفة على خلفية مقتل جورج فلويد، الأمريكي من أصول أفريقية، على يد أفراد من الشرطة في مدينة مينيابوليس، بولاية مينيسوتا. لكن تصاعد الاحتجاجات لم يكن بفعل الملونين الذين أثار غضبهم وحشية ممارسات قوات الشرطة الرسمية والعنصرية المؤسسية في الولايات المتحدة. إذ تشير العديد من الدلائل على ضلوع جماعات أخرى شاركت في هذه الاحتجاجات في تحويل دفتها من السلمية إلى العنف واستغلالها لخدمة أهدافها الخاصة.

مقتل جورج فلويد، الأمريكي من أصول أفريقية، على يد أفراد من الشرطة في مدينة مينيابوليس

في هذا السياق، أكد جاكوب فراي، عمدة مدينة مينيابوليس، في مؤتمر صحافي يوم السبت (30 مايو) أن: «سكان مدينتنا مذعورين. لقد شهدنا انتهاكات صارخة لشركات مؤسسية عتيقة، وشملت الأعمال التخريبية إشعال النيران في مؤسسات مجتمعية… أريد أن أكون واضحا للغاية؛ الأشخاص الذين يقومون بذلك ليسوا من مينيابوليس».

وأضاف أن الاحتجاجات التي اندلعت في بداية الأسبوع الماضي على خلفية مقتل جورج فلويد كانت «سلمية في أغلبها»، وكانت قاصرة إلى حد كبير على سكان المدينة، لكن هذه «الدينامية تغيرت بصورة تدريجية، ورأينا مزيدا من الأشخاص يتوافدون على مدينتنا من الخارج. ورأينا أيضا مزيدا من الأشخاص يتطلعون إلى إشعال فتيل العنف، ويجب أن أقول إن هذا غير مقبول». كما أوضح عمدة سانت بول، ميلفن كارتر، أن جميع من ألقي القبض عليهم في هذه المدينة كانوا من خارج الولاية.

وشهدت مدينة ديترويت أيضا الظاهرة نفسها. فقد أشار جيمس كريج، قائد شرطة ديترويت، في فيديو مباشر على فيسبوك في مساء الجمعة (29 مايو) إلى أن «الأفراد الذين جاءوا من خارج ديترويت والتقوا في مكان الاحتجاجات ليسوا من هذه المدينة ولا يمثلونها في قليل أو كثير». وأضاف: «لذا، فإنني أطالب سكان ديترويت مواصلة دعمنا بالتمسك بسلمية الاحتجاجات. لكن، بعيدا عن ذلك، فإننا لن نتسامح مع أي أعمال إجرامية».

جيمس كريج، قائد شرطة ديترويت

وبينما كان الأشخاص الملونون في أغلبهم يحتجون على قتل جورج فلويد على يد عناصر من الشرطة، كانت أعمال النهب تتم في الغالب على يد مواطنين من البيض. إن اختراق الشرطة للاحتجاجات هو القاعدة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو مَن أو ما الجهة التي تقوم بإرسال أشخاص من خارج المدينة لتخريبها؟ من الذي وضع حاجزا من الطوب في إحدى محطات الحافلات بأحد الشوارع التجارية في مدينة دالاس أثناء الاحتجاجات؟

إحدى المجموعات التي يشتبه في ضلوعها في ’الاستيلاء‘ على الاحتجاجات المشروعة هي «حركة بوجالو بويس». ففي يوم الثلاثاء (26 مايو)، تجمعت الحشود في مينيابوليس، مينيسوتا للاحتجاج على مقتل جورج فلويد، البالغ من العمر 46 عاما، على يد عناصر من شرطة المدينة. كان فلويد من أصول أفريقية، لذا كان العديد من المحتجين من الملونين.

حركة بوجالو بويس

في هذه الأثناء، اندلعت علنا عبر الإنترنت نقاشات مستفيضة بين أعضاء من حركة يمينية متشددة أغلب أعضائها من البيض بشأن المخاطر التي يجب على أعضاء الحركة تحملها لدعم رجل أسود قتل على يد الشرطة.

وعلى صفحة الحركة على موقع فيسبوك «Big Igloo Bois»، التي كانت تضم في وقت كتابة هذا المنشور 30,637 متابعا، كتب أحد المسئولين عن هذه الصفحة: «إذا كان هناك أي وقت يمكن فيه لحركة بويس أن تتضامن مع جميع الرجال والنساء الأحرار في هذا البلد، فهو الآن». وأضاف: «القضية لا تتعلق بالعرق. لقد سمحنا لهم منذ وقت طويل أن يعملوا فينا أيديهم بالقتل في المنازل والشوارع. يجب أن نقف إلى جانب سكان مينيابوليس، وأن ندعمهم في هذه الاحتجاجات ضد نظام يسمح لوحشية الشرطة أن تمضي قدما دون رادع».

وكتب أحد المعلقين: «أبحث عن زملائي من سكان مينيابوليس لتشكيل ميليشيا خاصة مرخصة دستوريا لحماية السكان من شرطة المدينة التي قتلت كثيرين في غضون العامين الماضيين».

تقدم هذه المناقشات نافذة على آخر التحديثات التي تمت عبر الإنترنت داخل هذه الحركة في إطار استعداداتها للتفاعل مع الأحداث الساخنة التي يشهدها هذا الصيف الشمالي. وتتوقع حركة «بوجالو بويس» أو، بالأحرى، تأمل أن يحمل الطقس الدافئ معه مواجهات مسلحة ضد قوات إنفاذ القانون، وأن يشكل زخما باتجاه اندلاع حرب أهلية جديدة في الولايات المتحدة.

تنتمي حركة «بوجالو بويس» الميليشياوية إلى اليمين المتشدد، لكنها تضم بعض المجموعات الأفرو أمريكية. وتسعى هذه الحركة المسلحة إلى الدخول في صراع مع الدولة.

من جانبها، تتعامل الأوليغاركية (النخبة) الحاكمة في الولايات المتحدة مع شعبها بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الأجانب، حيث تقوم حاليا بنهب الأموال التي كان من المفترض أن تدعم بها الشعب في فترة الوباء، مثلما نهبت احتياطات الذهب في العراق بعد غزو بغداد، وهو ما تكرره حاليا مع النفط السوري.

ففي غضون عشرة أسابيع منذ بدء الإغلاق الذي عم جميع أرجاء البلاد، تشير تقديرات «معهد دراسات السياسة» Institute for Policy Studies إلى زيادة ثروة المليارديرات في الولايات المتحدة بمقدار 485 مليار دولار، أي بما يعادل 16.5%. ويمثل هذا الارتفاع الذي يقترب من نصف تريليون دولار بالنسبة إلى تشاك كولينز، مدير «برنامج معهد دراسات السياسة حول عدم المساواة والصالح العام» ما يقرب من نهب الاقتصاد بأكمله.

«الأثرياء يبتعدون اقتصاديا عن بقية المجتمع. والأسوأ من ذلك أن البعض يتربحون من الوباء، وينهبون برامج التحفيز الحكومية، ويستفيدون من احتكار السوق»، كما صرح كولينز لموقع MintPress News الإخباري.

وتمثل عمليات النهب التي يمارسها الأوليغاركيون أحد الأسباب التي جعلتني أتوقع اندلاع أعمال الاحتجاج والشغب في الولايات المتحدة كنتيجة لسوء إدارة أزمة وباء كورونا. لكنني توقعتها بعد 31 يوليو عندما ينفذ التأمين الفيدرالي ضد البطالة. بحلول ذلك الوقت سيكون حوالي 20 مليون، من أصل 40 مليون عاطل عن العمل، قد علموا أن وظائفهم قد ذهبت إلى الأبد، وأنهم لن يجدوا بديلا عنها. وعندئذ سيكون التخلف عن سداد الرهن العقاري وعمليات إخلاء المنازل قد بلغت ذروتها.

في هذا الوقت أيضا لن يكون أغلب المتضررين من الأقليات، وإنما من البيض المنتمين إلى الطبقة الدنيا ممن فقدوا وظائفهم وربما منازلهم. وستبلغ التوترات الاجتماعية أقصى درجاتها، وستتطلب عملية إنقاذ بطريقة أو أخرى. في هذا السياق يفسر كورنيل ويست الأسباب التي تجعل السياسات الحزبية في الولايات المتحدة غير قادرة على حل هذا الصراع، حيث سيكون أحد الطرفين مضطرا للتضحية، ولن يكون هذا الطرف هو الشعب.. «على الأقل ليس بدون مقاومة».

وطلب الرئيس ترمب من الجيش (قبل إبداء وزير الدفاع، مارك أسبر، رفضه قمع المتظاهرين عسكريا) الاستعداد لقمع الاضطرابات في مينيسوتا وأماكن أخرى. وتم وضع وحدات من الشرطة العسكرية في حالة تأهب، حيث صدرت الأوامر لجنود من فورت براج في نورث كارولينا، وفورت دروم في نيويورك للاستعداد للانتشار في غضون 4 ساعات في حال طلب منهم ذلك. كما طلب من الجنود في فورت كارسون في كولورادو وفورت رايلي في كنساس أن يكونوا مستعدين في غضون 24 ساعة.

ويعزم الرئيس الأمريكي نشر القوات بموجب «قانون التمرد» لعام 1807، الذي تم استخدامه آخر مرة في عام 1992 أثناء أعمال الشغب التي اجتاحت لوس أنجلوس في أعقاب محاكمة رودني كينج وهو الشاب الأسود الذي تعرض لضرب مبرح من قبل رجال الشرطة الذين حصلوا على أحكام بالبراءة ما أدى لاحتجاجات واسعة.

ومن المرجح أن يكون إطلاق النار على المتظاهرين السود غير المسلحين موضع ترحيب من قبل ناخبي ترمب الأساسيين. وقد يعمد ترمب إلى استخدام ذلك كدعاية في حملة إعادة انتخابه القادمة. لكن، ما الذي سوف تتكشف عنه الأحداث إذا تمكن ترمب من إرسال قوات عسكرية وأدرك أن الصراع سيكون في الغالب ضد البيض من أعضاء الطبقة العاملة الذين منحوه أصواتهم في عام 2016، ويميلون الآن إلى التصويت العقابي.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock