رؤى

العقدة التي جعلت من هدى شعراوي زعيمة وطنية

نجحت نور الهدى محمد سلطان الشهيرة بـ (هدى شعراوي)، نسبة إلى زوجها علي شعراوي باشا- أحد الثلاثة الذين قابلوا المندوب السامي البريطاني مطالبين باستقلال وطنهم، يوم 13 نوفمبر 1918، في تقديم نفسها  كواحدة من أهم القيادات النسوية والوطنية في مصر، سواء من خلال دفاعها عن قضايا وحقوق وتعليم المرأة، أو لمشاركتها القوية في قيادة وتوجيه التظاهرات النسائية بجوار كل من صفية زغلول ونبوية موسى إبان ثورة 1919.

أكبر مظاهرة نسائية

في أعقاب نفي سعد زغلول ورفاقه إلى مالطا، عملت هدى شعراوي بجانب زوجها – على شعراوي باشا، الذي عين نائباً لرئيس الوفد- في الكفاح الوطني من خلال حشد عدد كبير من النساء، والمساعدة في تنظيم أكبر مظاهرة نسائية مناهضة  للاحتلال البريطاني.

احتشدت النساء في الشوارع لأول مرة تنديداً بالعنف والقمع الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد الشعب المصري، واحتجاجاً على القبض على الزعماء الوطنيين. كانت المظاهرة التي قادتها هدى شعراوي أول تظاهرة نسائية مصرية، ثم أعقبها العديد من المظاهرات التى انتقلت إلى مختلف شرائح المجتمع في خضم ثورة 1919. وفي عام 1920، قامت النساء اللاتي شاركن في تلك المظاهرات، والمتزوجات من زعماء وفديين بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات وانتخبت هدى شعراوي رئيسة له.

زواج مبكر وسفر سريع

أما عن سيرتها الذاتية، فقد وُلدت هدى شعراوي في مدينة المنيا بصعيد مصر في 23 يونيو 1879، وتلقت تعليمها في منزل الأهل على عادة فتيات ذلك الزمان، وتزوجت مبكرا في سن الثالثة عشرة من ابن عمها «علي شعراوي باشا» الذي كان يكبرها بما يقارب الأربعين عاما، وغيّرت لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى «شعراوي». تقليدا للغرب، وكان أحد شروط عقد زواجها منه أن يطلق زوجته الأولى.

وعلى الرغم من سعادتها بانتسابها إلى الزعيم الوطني علي شعراوي باشا- إلا أن زواجها منه حرمها من ممارسة هواياتها المحببة في عزف البيانو وزراعة  الأشجار، وحد من حريتها بشكل غير مبرر؛ الأمر الذي أصابها بالاكتئاب لفترة استدعت  سفرها لأوروبا للاستشفاء، وهناك تعرفت على قيادات فرنسية نسوية؛ وما أن عادت حتى حملت على عاتقها مهمة الدفاع عن قضايا المرأة، والمطالبة بحقوقها، ولتمثل المرأة المصرية في العديد من المؤتمرات العالمية، ما أتاح لها لقاء عدد من الزعامات والقيادات العالمية مثل مصطفى كمال أتاتورك، وموسوليني.

هدى شعراوي تدافع عن والدها

غير أن ثمة جانبا آخر من شخصية هدى شعراوي تكشفه القراءة المتأنية في مذكراتها، هو دفاعها عن وطنية والدها الذي اتهُم بالخيانة والعمالة لصالح المحتل البريطاني أثناء وفي أعقاب الثورة العرابية. هذا الاتهام الذي روج له بشكل أساسي أبناء الزعيم الوطني أحمد عرابي، والذين استندوا في رواياتهم إلى  مذكرات عرابي وحكاياته لهم.

فقد خصصت هدى شعراي الفصلين الأول، والثاني من مذكراتها الشخصية للدفاع عن وطنية والدها، محمد سلطان باشا الذى شغل العديد من المناصب الإدارية والسياسية، حيث كان وكيلا لمديريات بني سويف، والفيوم، وأسيوط، والغربية، ثم مفتشا عاما للوجه القبلي، ثم رئيسا لمجلس النواب، ومجلس الشورى ،فقائم مقام الخديوي في عهد الخديوي توفيق. وقد وُجه إليه الاتهام أثناء الثورة العرابية بمعاونة الإنجليز على دخول البلاد، ومؤازرتهم ضد هذه الثورة.

في مذكراتها قدمت شعراوي العديد من الحجج والبراهين التي تؤكد –من وجهة نظرها- وطنية والدها، منها المقال الذي كتبه قليني باشا في جريدة المقطم ليرد على ما ساقه عبدالسميع بن أحمد عرابي من اتهامات، ومنها أن عبد السميع طلب طباعة مذكرات والده على نفقتها في مقابل حذف الجزء الخاص بالتعرض لخيانة محمد سلطان باشا، ومحاولة تفسير صرف عشرة آلاف جنية لوالدها في أعقاب انتهاء الثورة العرابية-  كتعويض عما لحق بمزروعات وغلال الوالد من أضرار ومصادرة على يد قوات عرابي.

وعلى الرغم من ذلك تؤكد هدى شعراوي أنها لا تدافع عن وطنية والدها التي تراها من قبيل البداهة حيث تقول: (أريد أن أؤكد على حقيقة هامة، وهي أنني في هذه المذكرات لا أحاول أن أدلل على وطنية أبي محمد سلطان باشا، فهذه في رأيي قضية واضحة لا تحتاج إلى كثير من المناقشة، ولو كنت أعرف أنها موضع شك، لاخترت منذ زمن طويل أن التقي بكل الذين عرفوا والدي وعرفهم، وأبحث في أوراقهم، وأنقب في ذكرياتهم. ومع ذلك، فإنني إزاء ما يثار هذه الأيام من أقاويل رأيت أن أضع النقط على الحروف).

عقدة ذكورية

أما القضية أو (العقدة) الثانية التي أثرت في التكوين النفسي والشخصي لهدى شعراوي فكانت تتعلق بما  لمسته في حياتها الأسرية من تفضيل لإخوتها الذكور، وإيثارهم عليها فقط لمجرد النوع بحجة أن الذكور يحملون لقب العائلة. ففي مذكراتها تتحدث نور الهدى عن زوجة أبيها القريبة من قلبها فتقول:( وقد لاحظت ما كنت أحاول أن أخفيه من آلام نفسية نتيجة تفضيل أخي عليّ، سواء من جانب والدتي أو أهل البيت جميعا، فكانت تحاول أن تقنعني بأن هذا ليس تفضيلا، ولكن لأن الولد هو الذي يحمل اسم الأسرة، وهو الذي يحمل مسؤوليتها).

وقد كان مرضها بالحمى من أبرز المواقف التي أثرت فيها بشكل سلبي، خاصة وأن اهتمام أمها بها في مرضها لم يكن أبدا بمثل اهتمامها  بشقيقها – و كانت إحدى  الصدمات التي جعلتها تكره أنوثتها – بحد وصفها –  فاهتمام أمها بشقيقها  أكثر منها  فقط لأنه ولد.

وهكذا كان لدى هدى شعراوي هدفان سعت لإثباتهما: الأول وطنية أسرتها التي باتت على المحك بفعل بعض الحاقدين – على حد توصيفها-،

والثاني إثبات قدرتها غير المنقوصة كأنثى على المساهمة بفاعلية في خدمة قضايا وطنها، والدفاع عن حقوق المرأة.

وقد انعكس ذلك كله على مواقفها الحياتية سواء من خلال مشاركاتها الفاعلة في مظاهرات ثورة 1919، أو في تمثيلها للمرأة المصرية في العديد من المحافل الدولية، وعملها على تأسيس العديد من الكيانات النسوية التي تبنت قضايا المرأة، كتأسيس الاتحاد النسائي المصري، والاتحاد النسائي العربي، ورئاسة الوفود النسائية في العديد من المحافل والمناسبات الدولية.

الفيديو جراف

نص: بلال مؤمن

تحريك ومونتاجعبد الله إسماعيل

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock