رؤى

هجوم بينساكولا الإرهابي.. التأثير المستمر لتنظيم القاعدة والجماعات الموالية له (1 – 3)

كولين كلارك – زميل أول في «برنامج الأمن القومي» في «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، وكبير باحثين في «مركز صوفان»، وباحث سياسي في «مؤسسة راند».

عرض وترجمة: أحمد بركات

في يوم الجمعة 6 ديسمبر 2019، قام محمد سعيد الشمراني، الضابط بسلاح الجو السعودي برتبة ملازم ثان، والذي كان يبلغ حينها من العمر 21 عاما، بقتل ثلاثة بحارة من البحرية الأمريكية وإصابة ثمانية آخرين في هجوم مفاجئ وغير مبرر في محطة بينساكولا الجوية البحرية بولاية فلوريدا. وقد وقع إطلاق النار في المبنى الخاص بحجرة الدراسة.

 »في أثناء الهجوم، أطلق الشمراني عدة طلقات نارية على صور للرئيس الحالي ورئيس سابق للولايات المتحدة، وقد أخبر شاهد عيان أنه تلفظ بعبارات تنتقد العمل العسكري الأمريكي في الخارج»، بحسب نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ديفيد بوديش.

 

وقد قُتل منفذ العملية، الذي ينتمي إلى مدينة الإحساء بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، على يد أحد نائبي رئيس الشرطة المحلية، وكان قد تعرض لمواجهة من قبل اثنين من مشاة البحرية غير المسلحين، إضافة إلى طيار بحري أمطره الشمراني بوابل من الطلقات على خمس دفعات، وقد استمرت عملية إطلاق النار لمدة 15 دقيقة تقريبا.

ضحايا الهجوم الإرهابي

وفي منتصف يناير 2020، وصف المدعي العام الأمريكي، وليام بار، عملية إطلاق النار بأنها «عمل إرهابي»، وبعد العملية تبين للسلطات أن الشمراني كان متابعا للدعايا التي يبثها تنظيم القاعدة، بما في ذلك محاضرات أنور العولقي، القيادي السابق في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقبيل الهجوم بوقت قصير، كان الشمراني قد نشر رسالة مناهضة للولايات المتحدة على حسابه الخاص على موقع تويتر، أعاد فيها استخدام كلمات العولقي وكلمات مؤسس التنظيم وقائده لفترة طويلة، أسامة بن لادن. في هذه التغريدة، أدان الشمراني صراحة وبشدة سياسات كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أعاد أيضا قبل الهجوم نشر مقالات عن المعاملة الوحشية التي يسومها الإسرائيليون للفلسطينيين، وتغريدة عن قرار إدارة الرئيس ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل 

المدعي العام الأمريكي، وليام بار

بعد حوالي شهرين من الهجوم، في 2 فبراير 2020، نشر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقطع فيديو يتبنى فيه الهجوم. وتضمن الفيديو رسالة كان قد سجلها قاسم الريمي، أمير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، قبل أن يلقي حتفه في غارة أمريكية على اليمن بطائرات مسيرة في يناير 2020، وفقا لبيان رسمي صدر عن البيت الأبيض. في هذه الرسالة أكد الريمي أن «الشمراني نفذ عمليته الاستشهادية في أحد معاقل الشر … محطة بينساكولا الجوية البحرية الأمريكية».

«تنقل بطلنا على مدى سنوات عديدة بين العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في الولايات المتحدة لتحديد هدفه من بينها. وبحث بعناية ودقة عن فريسته بما أنعم الله عليه من نعمة الصبر»، بحسب الريمي.

قاسم الريمي، أمير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشمراني منفذ الهجوم

 لم يوضح الفيديو على الإطلاق طبيعة العلاقة بين الشمراني وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكنه عرض لقطة شاشة لوثيقة من جهاز iPhone Notes يعود تاريخها إلى 6 سبتمبر 2019، تحتوي – على ما يبدو – على وصية الشمراني إلى عائلته.

«إذا وصلتكم هذه الرسالة وأنا سجين فاصبروا ولا تهنوا … وإن أكرمني الله بالقتل، فأسأل الله أن يقبلني شهيدا في سبيله … أؤكد لكم أن القضية ليست عقلية مراهقة، وليست تطرفا أو غلوا في التكفير، وإنما هي وسيلة للخروج من الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية منذ ما يقرب من قرن من الزمان»، حسبما ورد في الوثيقة.

الشمراني، ووصيته لعائلته

لكن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لم يقدم في هذا المقطع دليلا على أن الشمراني هو من كتب هذه الوصية، كما لم يشر الشمراني قط إلى التنظيم في هذه الوثيقة. ومع ذلك، فإن تزوير وثيقة كهذه يمثل مخاطرة من الناحية الدينية حتى بالنسبة لتنظيم إرهابي. ويُظهر المقطع المصور الذي بثه التنظيم أيضا عبارة «مراسلات الشهيد»، التي ظهرت مكتوبة على الشاشة.

«في الشهر الأخير كنت أستعد لهذا البرنامج، وبدأت الاختبارات في يوم الجمعة الماضي، واجتزتها جميعا بفضل الله، وبدءا من يوم الإثنين سيكون هناك اختبارات سباحة لمدة أسبوع، ثم تُجرى بعدها الاختبارات الأكاديمية لمدة خمسة أسابيع، ويُخَرٍج البرنامج دفعة كل أسبوع». إن مجموعة الاختبارات البدنية تمثل جزءا شائعا من التدريبات الخاصة بالبرنامج الذي كان الشمراني مسجَلا فيه، وهو أمر يصعب أن يكون لدى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية معلومة محددة بشأنه إذا كانت هذه المراسلات ملفقة.

ومن ثم، فإذا أخذنا بظاهر الأمر، فإن هذا يؤكد أن الشمراني كان على اتصال وثيق بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. رغم ذلك، لم تذكر الجماعة صراحة أن الرسالة وصلت إليهم من قبل الشمراني نفسه، ولم تعرض أي صور أصلية للمراسلات.

ويتضمن شريط الفيديو الذي بثه التنظيم أيضا صورا للشمراني، تم التقاط أحدها على ما يبدو بفلاش فوتوغرافي لرسالة كانت موجهة إلى الشمراني من مكتب السفارة الملكية للقوات المسلحة السعودية تفيد بمستواه في تعلم اللغة الإنجليزية، وصورة لشهادة إتمام «دورة تلقين مبادئ ما قبل الطيران» من قيادة كليات الطيران البحري الأمريكية. ويمثل هذا جانبا آخر من الفيديو يصعب تلفيقه من قبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكنه لا يزال غير مستحيل.

في بحث العلاقة بين منفذ الهجوم وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كانت إحدى الطرق المحتملة التي سلكها مكتب التحقيقات الفيدرالي هي التأكد من صحة هذه الوثائق، وما إذا كانت موجودة بالفعل في المجال العام قبل أن ينشرها التنظيم في مقطع فيديو. وبرغم أن صاحب هذه الوثائق والصور ليس في وضع يسمح له بتأكيد صحتها، إلا أن إجمالي ما عرضه التنظيم في مقطعه المصور يشير على الأقل إلى وجود علاقة ما بين التنظيم ومنفذ الهجوم.

 

من المهم هنا أن نلاحظ أنه إذا كان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو من وجه هذا الهجوم، ولم يكن مجرد ملهم له، فإنه بذلك سيكون أول هجوم ناجح داخل الولايات المتحدة موجه من قبل منظمة إرهابية أجنبية منذ أحداث 11 سبتمبر.

وصل الشمراني إلى الولايات المتحدة في أغسطس 2017 بتأشيرة A-2 للتدريب العسكري. في البداية، تم إلحاقه بقاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو بولاية تكساس لتعلم اللغة الإنجليزية. وبعد لاكلاند، انتقل الشمراني إلى تدريبات الطيران في بينساكولا، وأخيرا إلى تدريب مقاتلي الضربات الجوية المتقدم في خريف عام 2019. وعلى الرغم من أن الشمراني قد حرر شكوى ضد أحد معلميه لتعمده مناداته بسخرية وبشكل متكرر باسم Porn Stash (وكر الإباحية)، وهو ما أثار غضب الشمراني، إلا أن المحققين يعتقدون أن الهجوم كان مع سبق الإصرار والترصد، وليس نتيجة لهذا الحادث، كما يتضح ذلك أيضا من صفة ’الإرهاب‘ التي وسمت بها الحكومة الأمريكية الحادث. هناك أيضا ادعاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بأن الشمراني كان يخطط للهجوم منذ سنوات، ويستكشف أهدافا متنوعة. في الواقع كان الشمراني شغوفا بالفيديوهات والأدبيات ومنشورات مواقع وسائل التواصل الاجتماعي المتطرفة منذ عام 2015. وفي أثناء وجوده في الولايات المتحدة في عام 2019، استخدم الشمراني رخصة صيد لشراء مسدس 9 مم من نوع «جلوك 45».

في الأسبوع السابق على الهجوم، سافر الشمراني وثلاثة متدربين عسكريين سعوديين إلى نيويورك، وقاموا بزيارة العديد من المتاحف ومركز روكفلر. في هذه الرحلة، قام الشمراني بزيارة نصب 11 سبتمبر التذكاري بمدينة نيويورك. وقبل شهور من هذه الزيارة التي قام بها في ديسمبر 2019، نشر الشمراني رسالة مشفرة على الإنترنت في 11 سبتمبر 2019، مشيرا إلى أنه «بدأ العد التنازلي». وفي الليلة السابقة على الهجوم، أقام الشمراني حفل عشاء عرض فيه فيديوهات لحوادث إطلاق نار جماعي. وبناء على ذلك، أوضح المدعي العام، وليام بار، أنه بينما التقط العديد من ضباط القوات الجوية السعودية الموجودين في مبنى التدريب فيديوهات لما بعد الهجوم، إلا أن التقارير التي أفادت بأنهم صوروا الهجوم كانت زائفة، وأنهم تعاونوا بشكل كامل مع المحققين. وكان ضابط واحد على الأقل ممن حضروا حفل العشاء من بين هؤلاء الذين التقطوا فيديوهات لما بعد الهجوم.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية ومراجع الدراسة من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock