ثقافة

الحركة النسوية المصرية.. أربع موجات اقترنت بهموم الوطن

‎تمكنت الحركة النسوية المصرية على مدى ما يزيد عن قرن من الزمان من تحقيق العديد من الإنجازات والمطالب التي غيرت بشكل جذري من نمط حياة النساء بمصر عبر رحلة تقاطعت فيها مطالب النساء الوطنية من أجل تحرر الوطن من المستعمر مع نضالهن من أجل حقوقهن السياسية والإجتماعية. 

‎الدكتورة هالة كمال أستاذ الآدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة، في دراستها «لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها» الصادرة ضمن سلسلة «أوارق الذاكرة» عن مؤسسة المراة والذاكرة تتبع تاريخ الحركة النسوية المصرية ما بين ثورتي 1919 ويناير 2011 من حيث المطالب والإنجازات وطبيعة التحديات التي واجهتها في سياقاتها الإجتماعية والسياسية، عبر تقسيم الحركة النسوية المصرية إلى أربع موجات تاريخية، اتسمت الموجة الأولى بالتركيز على المطالبة بحق النساء في التعليم والتمثيل السياسي، وشهدت الموجة الثانية حصول النساء على العديد من الحقوق الدستورية والقانونية في سياق مدعوم من قبل الدولة، أما الموجة الثالثة فقد تميزت بتطور العمل النسوي في إطار التنظيم المدني والعمل الأهلي، وجاءت ثورة 2011 لتطلق العنان للموجة الرابعة من الحركة النسوية المصرية للتأكيد على مجمل ما قد حققته الحركة النسوية المصرية من مكتسبات عبر رحلتها على مدي قرن من الزمان مع محاولة اقتحام مساحات جديدة تخص قضايا التنظيم النسوي وعلاقة النساء بالمجال العام.

بذور الوعي النسوي والموجة الأولى

‎تستهل الدكتورة هالة كمال تقديمها للموجة الأولى من تاريخ الحركة النسوية المصرية بلفت النظر إلى كتاب «النهضة النسائية في مصر» للمؤلفة بث بارون الذي تتبعت فيه دور الصحافة النسائية في بث الوعي النسوي منذ صدور أول مجلة نسائية وهى مجلة «الفتاة» الصادرة سنة 1892 والتي أعقبها صدور عدد أخرمن المجلات النسائية منها مجلة «أنيس الجليس» سنة 1898، و«فتاة الشرق» سنة 1906، و«الجنس اللطيف» سنة 1908 وغيرها.

‎ترصد بث بارون في كتابها عدد من المؤشرات الدالة على تزامن تنامي حركة التحرر الوطني في مصر مع الإزدياد في طرح الرؤى الثقافية حول المجتمع وهويته وذلك عبر إعادة التفكير في الأدوار الإجتماعية والثقافية الأمر الذي انعكس على صفحات الصحف والمجلات الصادرة آن ذاك عبر فتح النقاشات العامة حول قضايا الزواج والطلاق وتعدد الزوجات وحضانة الأطفال والتعليم والعمل.

‎من جانب أخر ترصد الدراسة الدور الفاعل الذي لعبته بعض نساء الطبقات العليا عبر عقدهن لما عرف بالصالونات الثقافية ولعل أشهرها صالون الأميرة نازلي فاضل وصالون مي زيادة، حيث أتاحت تلك الصالونات مساحة للتواصل الفكري والحوار الثقافي المباشر ما بين النساء والرجال حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية.

‎كما ساهمت محاضرات الفرع النسائي في الجامعة المصرية التي عقدت بانتظام خلال الفترة من سنة 1909 حتى تم إيقافها في سنة 1912 في طرح العديد من قضايا النساء، وبعد توقف تلك المحاضرات انتشرت ظاهرة المحاضرات العامة للنساء التي تزامنت مع تزايد اقتحام النساء للمجال العام عبر الإنخراط في العمل الأهلي من خلال الجمعيات الخيرية التي أسستها وأدارتها نساء من الطبقة الوسطى بدعم مادي من نساء الأرستقراطية المصرية، والتي اتسمت بالتركيز على تقديم الخدمات الطبية والاجتماعية للنساء والأطفال الفقراء وتوفير ملاجىء آمنة لليتامى وللنساء المشردات، وهو ما مكن النساء من بناء شبكات للتعارف والتقارب ساعدتهن على التواصل مع المثقفين المصريين أفرادا وجماعات.

‎أما عن مطالب الحركة النسوية الأولى فقد تم صياغتها لأول مرة من خلال المطالب العشرة التي صاغتها ملك حفني ناصف وطرحتها على النساء ضمن محاضرة ألقتها بحزب الأمة وتم نشرها بصحيفة «الجريدة» التي كان يصدرها أحمد لطفي السيد، وتم إعادة نشرها في كتابها «النسائيات» وقد ركزت تلك المطالب على الحق في التعليم وحقوق النساء في إطار الزواج.

‎تواصلت جهود النساء المصريات اللاتي شاركن بثورة 1919 حتى صدر دستور 1923 مستجيبا لمطالب النساء في الحق في التعليم مع استمرار حرمانهن من حقوقهن السياسية، الأمر الذي أدي إلى خروج مجموعة من النساء من لجنة نساء حزب الوفد المركزية ومن ثم قمن بزعامة هدى شعراوي بتأسيس الاتحاد النسائي المصري الذي طالب بحقوق النساء في التعليم والانتخاب والقوانين المنظمة للزواج.

‎مثل التأكيد على حق النساء في التعليم أهم إنجازات الموجة الأولى من الحركة النسوية والذي نجم عنه بداية التحاق النساء بالتعليم الجامعي وكانت أول دفعة من خريجات الجامعة المصرية سنة 1933 خير شاهد على هذا الإنجاز.

أول دفعة من خريجات الجامعة المصرية سنة 1933

‎تبع تزايد اعداد النساء المتعلمات والتحاقهن بالعمل تصاعد مطالبهن بالحق في التساوي مع زملاء العمل من الرجال وحين تأسست اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946 في سياق انتفاضة الشعب المصري ضد الإحتلال البريطاني ضمت اللجنة في عضويتها الفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون والكاتبة لطيفة الزيات التي انتخبت كرئيسة للجنة لتواصل النساء المصريات رحلتهن نحو دمج مطالب تحرر الوطن بتحرر النساء.

الكاتبة لطيفة الزيات

الموجة الثانية المساواة مع الرجل في حقوق العمل والسياسة

‎جاءت المادة 31 من دستور 1956 لتنص على: «المصريون لدى القانون سواء، وهم متساون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أول الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة» وهنا حصلت المراة المصرية علي حق الانتخاب والتصويت بشكل متساو مع الرجل ليس فقط قبل معظم دول المنطقة ولكن حتي قبل بعض الدول الغربية، أعطت ثورة يوليو المرأة حق المساواة التامة في الأجر والراتب والمساواة التامة في التعليم والتعيين في القطاع الحكومي والعام وقتها ماجعلها تتدفق علي سوق العمل و تصل إلى منصب الوزيرة (حكمت أبوزيد)  والنائبة في البرلمان (راوية عطية) نقلة جبارة في حقوق المرأة حدثت مع الموجة الثانية خاصة لدي المرأة الفقيرة التي تعلمت بالمجان وتم تشجيعها علي بناء منظمات مجتمع مدني مثل الرائدات الريفيات والأسر المنتجة في الريف والمناطق الحضرية الشعبية.. علي أن الكاتبة تلتقط في الدراسة ما أسمته بعدم تكافؤ المسار التقدمي في مجال العمل والتعليم والحقوق السياسية في المجال العام بالتحول البطيء والمحافظ» فيما يتعلق بقوانين الأسرة والأحوال الشخصية المتحكمة في المجال الخاص.

‎أشارت الدراسة إلى أن أزمة الفترة الناصرية في تعاملها مع قضايا النساء تمثلت في سيطرتها علي ملف العمل النسوي، وقد واصلت الدولة المصرية سيطرتها على هذا الملف خلال فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين، ومع حرمان النسويات المصريات من التنظيم النسوي المستقل لجأت بعضهن بشكل مباشر إلى أجهزة الدولة للمطالبة بعدد من التعديلات التشريعية فيما يتصل بقوانين الأسرة والأحوال الشخصية.

الموجة الثالثة وحضور المجتمع المدني

‎شهدت ثمانينيات القرن العشرين تصديق الدولة المصرية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيدوا» في سنة 1981، كما شهدت تغيير قوانين الجمعيات الأهلية ما فتح المجال أمام النسويات المصريات نحو تأسيس منظمات نسوية على رأسها مركز دراسات المرأة الجديدة ورابطة المرأة العربية وما تبعها من مراكز ومؤسسات حقوقية مساندة لقضايا المرأة.

‎جاء المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة سنة 1994 ليقدم دفعة قوية للحركة النسوية المصرية، حيث برزت مؤسسات المجتمع المدني المصري باعتبارها طرف أصيل في طرح قضايا النساء، ومن ثم شهدت الموجة الثالية من الحركة النسوية المصرية حالة من تبلور المطالب النسوية في إطار المبادرات المستقلة وضمن أنشطة المؤسسات الحقوقية.

‎دخلت النسويات المصريات العديد من المعارك الخاصة بالقوانين المنظمة لمؤسسات المجتمع المدني وحق النساء في المشاركة السياسية والتمثيل النيابي وقد أدت استجابة النظام للحملات الداعية إلى تطبيق نظام الحصة «الكوتا» إلى إضافة 64 مقعد للنساء من مجموع 518 مقعدا في برلمان 2010، غير أن تلك المقاعد لم تأتي معبرة عن نساء المجتمع المصري، حيث احتلها عضوات الحزب الوطني والمجلس القومي للمرأة، الأمر الذي دفع الحركة النسوية إلى التشكيك في جدوى نظام حصة النساء في التمثيل السياسي.

‎غير أن أبرز ما قد ميز الموجة الثالثة من الحركة النسوية المصرية قد تجسد في تلك الطفرة التي شهدها الفكر النسوي على المستوى البحثي الذي شهد طرح لرؤية بديلة لتاريخ النساء في مصر مع محاولة ربط المعرفة النظرية بالممارسة العملية، من خلال طرح التعريف بالفكر النسوي وتاريخ النساء ومناهج البحث النسوي.

الموجة الرابعة حقوق المرأة.. حقوق الوطن

‎جاءت الموجة الرابعة من الحركة النسوية المصرية وليدة لإندلاع ثورة يناير 2011 حيث شاركت النساء بصورة مبهرة بأحداث الثورة بشكل تلقائي وفردي ومع استقرار الأمور بشكل نسبي عقب سقوط مبارك، اجتمعت ممثلات بعض المنظمات النسوية يوم 16 فبراير للتباحث ومن ثم اتفقن على إصدار بيان اعلن فيه كمنظمات دعمهن للثورة ومطالبهن للتغيير.

‎تعرضت النساء المشاركات بثورة يناير 2011 للعديد من أحداث العنف ما دفع المؤسسات النسوية إلى إصدار العديد من التقارير الخاصة برصد تلك الوقائع، غير أن أبرز ما قد شهده العمل النسوي في أعقاب الثورة قد تمثل في محاولة المشاركة في كتابة الدستور الجديد حيث قامت مجموعة من المنظمات والمؤسسات النسوية بتشكيل تحالف المنظمات النسوية في مارس 2011، واتفقت بعض عضوات ذلك التحالف على تشكيل مجموعة «النساء والدستور» في مايو 2011 ضم  ممثلات عن بعض المنظمات النسوية والمؤسسات الحقوقية المصرية وباحثات متخصصات في مجال قضايا النساء.

‎خلال مرحلة كتابة الدستور ركزت الحركة النسوية على تمثيل النساء في اللجان القائمة على كتابة الدستور وصياغة المطالب التي تسعى إلى إدراجها في الدستور، كما شهدت الفترة التالية لإنطلاق ثورة يناير 2011 تزايد الإهتمام بالتمثيل السياسي للنساء وذلك عبر دعم ترشيح النساء في الانتخابات البرلمانية والمطالبة بتحسين مواقع النساء داخل الأحزاب السياسية الناشئة وهو ما نجم عنه انتخاب هالة شكر الله كرئيسة لحزب الدستور واختيار هدى الصدة كنائبة لرئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وكريمة الحفناوي كأمينة عامة للحزب الاشتراكي المصري

كريمة الحفناوي، وهالة شكر الله، وهدى الصدة

تحرر الوطن وتحرر النساء

‎ارتبط تاريخ الحركة النسوية المصرية على إمتداد تاريخها بسياقها السياسي والوطني وقد استعانت الحركة النسوية بأدوات العمل السياسي من صياغة البيانات وتنظيم المسيرات وتشكيل التحالفات والإنضمام للأحزاب وتنظيم الإضرابات فضلا عن الإستعانة بمختلف وسائل الإعلام لخلق رأي عام داعم ومساند.

‎كما كشف تاريخ النضال النسوي عن حالة من الوعي بأهمية الإصلاحات والتغييرات التشريعية والقانونية إلى جانب أهمية التمثيل السياسي، إضافة للدور الفاعل للحملات المجتمعية المناهضة لبعض العادات مثل ختان الإناث والعنف المنزلي والجسدي ضد النساء وذلك مع إدراك مساحات التلاقي بين مطالب النساء والبعد الطبقي الإجتماعي ومن ثم حرصت الحركة النسوية على المطالبة بالحق في التعليم والعمل والتأكيد على حماية الحق في مجانية التعليم بمختلف مراحلة التعليمية.

‎خلصت الدراسة: إلى وجود حالة من التواصل ما بين أجيال الحركة النسوية المصرية أو ما أطلقت عليه الدراسة الموجات الأربع للحركة، من حيث المطالب المرفوعة وأدوات العمل المستخدمة، ذلك أن كل موجة كانت تأتي وهى حريصة على الحفاظ على مكتسبات الموجة السابقة عليها ومن ثم البناء عليها بما يجعل المتتبع لتاريخ الحركة النسوية المصرية أمام مجموعة من المطالب النسوية ذات الطبيعة السياسية والإجتماعية المتصلة والمنطلقة من طبيعة واقع المجتمع المصري بكل ما يحمله من سمات اجتماعية وسياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock