فن

وداد حمدي: حياة (كوميدية) وموت (تراجيدي)

أكثر من 600 فيلم ظهرت فيها الفنانة القديرة وداد حمدي بطول مشوارها، منذ الأربعينيات إلى التسعينيات من القرن الفائت، لعبت باستمرار دور الخادمة المرحة الضحوك التي هي همزة الوصل بين البطلين الحبيبين، غلبها ذلك الدور وطغى عليها، ربما كان اختيار المنتجين والمخرجين لها، لكنها قبلته دوما وأخلصت له إخلاصا جعلها سيدته الأولى في زمنها بلا منافس.

لا يعيب الممثل في النهاية أن يلعب دورا واحدا طوال الوقت، ولا يعيبه أن يكون دوره قصيرا قياسا بشركاء التمثيل، لكن يعيبه بلا ريب ألا يجيد ما يؤديه وأن يجتهد في الأداء بلا تميز ولا خلود، وقد أجادت وداد حمدي أداء دورها المذكور واجتهدت فيه حتى تميزت به وخلدت في إطاره.

كانت من سيدات المدرسة التلقائية في التمثيل، كسابقتها المدهشة زينات صدقي، وكلتاهما نجحتا فيما أوكل إليهما نجاحا منقطع النظير، حتى أن المتلقي البسيط قد يكون اعتقد أنهما خفيفتا الظل عفويتان في حياتهما العادية بعيدا عن عيون الكاميرات (يرحمهما الله).

وداد حمدي وزينات صدقي

الميلاد والرحلة الفنية

ولدت السيدة وداد حمدي في محافظة كفر الشيخ، وعاشت في مدينة المحلة لأن والدها كان يعمل بإحدى شركات الغزل والنسيج هناك. بعد خروج الوالد على المعاش ومروره بأزمة مالية طاحنة أثرت على الأسرة بأكملها؛ كان طبيعيا أن تبحث الفتاة عن عمل يكفيها شر الحاجة وتساعد منه بيتها في الوقت نفسه، خصوصا وقد كانت موهوبة في الغناء؛ فسافرت إلى عمها في القاهرة وأقامت عنده في منطقة السيدة زينب، وبدأت تسعى سعيها الحثيث إلى عالم الفن، حتى حصلت على فرصتها في التمثيل، بعد أن جربت الغناء في المسارح ولم يكن مجديا.. توترت العلاقة بينها وبين عمها بسبب عودتها متأخرة من التصوير؛ فاستقلت في السكن وبعدها بدأ مشوارها الفني يتضح شيئا فشيئا، وبدأت الصغيرة تكبر على الشاشات وتنضج نضوجا هائلا، بل تصير علامة فارقة في الأعمال التي تشارك فيها، وتصير ذات جماهيرية؛ فهي مشعة بالمرح الضاحك والجماهير في عطش كبير للممثل الذي يبهج أرواحهم ويحسن وضعهم في خانة نفسية أفضل..

زيجات وداد حمدي

الثابت أنها تزوجت من الفنان محمد الطوخي، لكن قيل إنها ارتبطت بالموسيقار الكبير محمد الموجي أيضا، وقيل إنها تزوجت من الفنان صلاح قابيل وأنجبت منه لكن نجله نفى الأمر نفيا قطعيا.. والطريف أنهم جميعهم فنانون كبار تغلب عليهم الجدية. شهير أن زواجها من الفنان محمد الطوخي كان سببا في تركها للفن وعزلتها، لكن الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية هي من كانت سببا في إخراجها من العزلة لتشاركها مسرحية “تمر حنة”.

الفنان «محمد الطوخي» زوج الفنانة «وداد حمدي»

أشهر أعمالها عبر السنين (الأربعينيات- التسعينيات)

في الأربعينيات: لمن يكون الانتقام، الخمسة جنيه، أحمر شفايف،الشاطر حسن، طلاق سعاد هانم، عاشت في الظلام، فتح مصر، الستات كده، أجازة في جهنم، العيش والملح.

في الخمسينيات: المليونير، قمر 14، معلش يا زهر، الأفوكاتو مديحة، أنا الماضي، حماتي قنبلة ذرية، لك يوم يا ظالم، ورد الغرام، تعال سلم، يا حلاوة الحب، ابن للإيجار، أربع بنات وظابط، العمر واحد، كدبة أبريل، فتوات الحسينية، قصة حبي، أم رتيبة، حسن ونعيمة، قلب يحترق، نساء محرمات. كانت فترة الخمسينيات، بالمناسبة، هي فترة صعود وداد حمدي وازدهارها وشروق مجدها الكوميدي في خانتها المحببة.

في الستينيات: الليالي الطويلة، عنتر بن شداد، العملاق، عاصفة من الحب، قصة ممنوعة، المصيدة، هارب من الأيام، شقاوة رجالة، النصف الآخر، إشاعة حب.

في السبعينيات: نساء الليل، في الصيف لازم نحب، على من نطلق الرصاص، أفواه وأرانب، الأزواج الشياطين.

في الثمانينيات: حسن بيه الغلبان، الهلفوت، علي بيه مظهر، ولاد الإيه، يا عزيزي كلنا لصوص.

في التسعينيات: الفرقة 12، الراقصة والحانوتي، وتمت أقواله، اللي رقصوا على السلم، الحقيقة اسمها سالم.

مشهد من مسرحية سيد درويش

وفاتها المأساوية بعد مشوارها الفكاهي الطويل

في السادس والعشرين من مارس من عام 1994 لقيت وداد حمدي ربها بصورة كارثية فاجأت الناس والوسط الفني كله؛ فقد كانت صورة نقيضة لحياتها السلسة البسيطة في التمثيل بمدى رحلتها الطويلة الزاخرة.

القصة كاملة: ريجيسير بائس يدعى “متى باسيليوس”، ظهر بعد ذلك أنه كان مديونا لأشخاص كثيرين ويمر بضائقة مالية شديدة، فكر في سرقة أحد الفنانين بحكم أنهم الأقرب إليه من غيرهم، فاختار الفنانة يسرا، كما كان اعترف بعد ذلك، لكنه لم يعثر عليها، وحينذاك فكر في السيدة وداد حمدي، وقد يكون تصور أن السيدة العجوز (مواليد 3 يوليو 1924) ملكت عبر مشوارها الحافل مالا كثيرا تحتفظ به أو ببعضه في بيتها.. المهم هاتفها عارضا عليها دورا في أحد المسلسلات، واتفق معها على الموعد، وفي الموعد المحدد ذهب إليها، وكان اشترى قفازا وسكينا ورسم الخطة لتنفيذ جريمته النكراء البشعة، وأحسنت هي استقباله بالمودة الصافية المعهودة فيها، وسألته عن طبيعة الدور، وبدأ يسرد أوهامه المرتبة، وفي أثناء الحديث طلب منها استعمال دورة المياه، فسمحت له، وفي طريقها إلى غرفة نومها لإحضار منشفة له، فوجئت به خلفها بالضبط مشهرا سكينه، ذهلت طبعا، وأسكتها ذهولها برهة، لكن تماسكت وحاولت أن تعرض عليه المال راجية أن يتركها، إلا أنه رفض طبعا وبادرها عندئذ بطعنات متتالية في الصدر والبطن، بلغت خمسا وثلاثين طعنة دفعة واحدة، وسقطت على الأرض غارقة في دمائها البريئة، وحملها الجاني الأثيم، ووضعها على السرير، وغطاها بالملابس، وبدأ يبحث في الغرفة عن الكنز الذي تخيَّله، فلم يجد سوى 250 جنيه، أخذها وحمل بعض المتعلقات لبيعها، وفر هاربا متخلصا من القفاز والسكين، لم يمض وقت كبير حتى جاءتها شقيقتها ليلى للاطمئنان عليها؛ فصدمها المنظر الفظيع، وأبلغت الشرطة التي حضرت فورا وعاينت مسرح الجريمة وعثرت على خصلة من شعر القاتل في يد الفنانة القديرة، كما وجدوا بصمة تخصه في صالون المنزل، وتم القبض عليه بحصر الاشتباه فيه، واعترف تفصيليا، وأحيلت أوراقه إلى المحكمة التي أحالتها إلى المفتي، وجرى تنفيذ إعدامه شنقا بعد ذلك لثبوت القتل العمد.

عبد الرحيم طايع

شاعر وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock