فن

فرقة رضا للفنون الشعبية.. ستون عاما من الغناء والرقص والبهجة

«حلاوة شمسنا .. وخفة ضلنا.. الشمس عندنا ربيع طول السنة» تلك واحدة من أشهر الأغنيات التى قدمتها  فرقة رضا بمصاحبة إستعراضاتها المبهرة، هذه الفرقة الاستعراضية الشهيرة ستظل

واحدة من الحالات الفنية الأكثر حضورا فى الوجدان الشعبى استطاعت أن تصنع البهجة بالرقص وإيقاع الجسد وأن تعيد إنتاج تراثنا الشعبى وتقدمه فى تابلوهات شديدة الروعة والسحر والجاذبية.

هى الفرقة التى جعلت للرقص الشعبى مكانة وإحتراما غير مسبوقيْن لدى المصريين. لم تكن فرقة رضا للفنون الشعبية مجرد فريق للرقص الشعبى، بل تجاوزت ذلك وتحولت إلى سفير مصرى للعالم يمارس التأثير والنفاذ إلى وجدان الشعوب المختلفة، ليتجلى عبر ما قدمته الفرقة مفهوم قوتنا الناعمة بشكل قوى.

البدايات والتأسيس

على مسرح الأزبكية في أغسطس عام 1959 قدمت فرقة رضا أولى عروضها، وقد بلغ عدد أعضائها 13 راقصة و13 راقصاً و 13 عازفاً، وصمم محمود رضا الرقصات التي استوحاها من فنون الريف والسواحل والصعيد، وقام بإخراجها تحت إشراف الدكتور حسن فهمي، والد راقصة الفرقة الأولى فريدة فهمى التى ستصبح زوجة شقيقه وشريكه فى تأسيس الفرقة علي رضا.

فقد فكر الأخوَان رضا في تكوين أول فرقة خاصة للفنون الشعبية كان راقصها الأول المصمم والمؤلف الموسيقي علي رضا، راقصتها الأولى فريدة فهمي بعد الرحيل المفاجئ للفنانة نعيمة عاكف التى بدأت مع الفرقة كراقصة أولى، لكن الموت باغتها مبكرا.

ولايمكن الفصل إطلاقا بين تاريخ فرقة رضا من جهة ومسيرة وحياة كل من على ومحمود رضا من جهة أخرى. فقد بدأ محمود رضا اهتمامه بالفنون مبكرا و تعلم رقص الباليه وبدأ يهتم بالرقص الاستعراضي، واشترك فى نادى «هليوليدو»، الذى كان يضم العديد من الجنسيات الأجنبية، و من المصريين من أصل أجنبى فى تكوين أول فرقة استعراضية، ضمت فى بداياتها خمس فتيات وخمسة فتيان من أعضاء النادي، وقدم من خلال تلك الفرقة الصغيرة عددا من الحفلات الشهرية بالنادي.

وفى عام ١٩٥٤، انضم رضا إلى فرقة «ألاريا» الأرجنتينية، وشارك معها فى عروضها التى قدمتها فى القاهرة والإسكندرية وروما وباريس، وهو  ما ساهم فى اكسابه خبرة فى تصميم الرقصات.

وقام «رضا» بعرض فكرة تكوين فرقة للفنون الشعبية على «فتحى رضوان» وزير الإرشاد القومى وقتها Jلثقافة حاليًّا» تكون تابعة للوزارة، ورحب «رضوان» فى البداية بالفكرة ووعد بتبنيها وبالفعل بدأ  محمود رضا فى خطوات لتأسيس الفرقة لكن المبادرة واجهتها معوقات عديدة أدت لتوقفها مما دفعه لتأسيس فرقته الخاصه بالتعاون مع على رضا وفريدة فهمى وحققت نجاحا كبيرا خاصة بعد مشاركتها فى مهرجان الشباب العالمى عام 1957 ولفتت الأنظار بقوة وقدمت عددا من الإستعراضات.

وقد دفع نجاح الفرقة الرئيس جمال عبد الناصر للإهتمام بها وأصدر توجيهاته لوزير الإرشاد القومى آنذاك «عبد القادر حاتم» لضم الفرقة الى الوزارة وبالفعل نقل الوزير إعجاب عبد الناصر وتوجيهاته بضم الفرقة لوزارة الإرشاد، لعائلة «رضا» وذلك فى عام 1961، لتبدأ الفرقة مرحلة جديدة من تألقها ونجاحاتها. وقد قامت الدولة بتوفير كافة الإمكانيات للفرقة، فتمكنت من زيادة الراقصين، والذين وصل عددهم إلى ما يقرب من ثمانين راقصًا وراقصة، ووصل عدد أعضاء الفرقة الموسيقية إلى ما يقرب من مائة عازف وكورال، وذلك بعد أن كان عدد راقصيها لا يتجاوز ١٥ راقصا، وعدد الموسيقيين نحو ٢٥ فقط.

معارك ضد الروتين

لم يتمكن محمود رضا طوال التاريخ الممتد من 1961 حتى 1990 وهو عام بلوغه سن المعاش أن يستوعب دوره كموظف حكومى وليس فنانا مبدعا، وظل فى حالة توتر دائمة مع كل وزراء الثقافة الذين مروا فى تاريخ مصر المعاصر منذ عبد القادر حاتم حتى فاروق حسنى.

وشهد هذا التاريخ العديد من الصدامات المعلنة والتى تناولتها الصحف المصرية، وربما كان أشهرها هذا الصدام العنيف الذى حدث بين «محمود رضا» و«فريدة فهمى» من جانب و«عبد الغفار عودة» رئيس قطاع الفنون الشعبية من جانب آخر، والذى بلغ حد التراشق عبر وسائل الإعلام، ودخل عدد من المثقفين على الخط دفاعا عن فريدة فهمى ومحمود رضا. لعل أبرز هؤلاء كان الراحل رجاء النقاش الذى كتب فى عدد الكواكب فى 19يناير 1993 قائلا «وسوف أقول لك ياعبد الغفار شيئا قد يزعجك، وانا أريد إزعاجك لتصحو وتعود إلى أصلك الحقيقى الذى نحبه فيك.. أقول لك فى بساطة: إن مصر لو اضطرت إلى الاختيار بينك وبين فريدة فهمى فسوف تختار فريدة، لأن فريدة فنانة لا يمكن تعويضها، أما أنت فإنك فنان (مؤجل) منذ سنوات بعيدة، وإدارى صارخ وزاعق وتريد أن تحل المشاكل بعصا سحرية فى وقت ليس فيه عصا ولا سحر».

لم يكن هذا هو الصدام الأول أو الأخير بين «عائلة رضا» وبين مسئولى وزارة الثقافة فى مصر، ربما لأن آل رضا لم يتمكنوا من استيعاب هذا الدور البيروقراطى فى العقلية الإدارية المصرية فى حين أنهم ظلوا يديرون الفرقة بروح وعقل الفنان.

وخلال 60 عاما من عملها قدمت فرقة رضا أشهر الاستعراضات وأهمها فى تاريخ الفن الشعبى، اوستطاعت أن تعبر عن الواقع المصرى بل والعربى بشكل مبهر وجذاب ومن بينها حرامي القفة وبائع العرقسوس والمراكبي وخمس فدادين والشاويش عطية والنوبة وبنت اسكندرانية وزينة البدو والشمعدان.

علي إسماعيل.. تأثير كبير

ويرجع الفضل لفرقة رضا فى خلق حالة شعبية واسعة تهتم بالفن الشعبى وتقدره، وجاء ذلك عبر سنوات قدمت الفرقة  خلالها عشرات من الإستعراضات التى تتحدى الزمن وتظل راسخة فى ذاكرة المصريين وكانت ألحان الموسيقار الراحل «على إسماعيل» (1922-1974) أحد عوامل نجاح فرقة رضا وتولى مسئولية الفرقة الموسيقية للفرقة منذ بدايتها و أضافت الموسيقى والألحان التى قدمها منذ تأسيس الفرقة وحتى رحيله قيمة جمالية هامة وحققت أغنياته التى تضمنتها الإستعراضات شهرة كبيرة وصار يرددها الناس كأعمال مستقلة وقدم للفرقة رقصات «رنة خلخال» و«رقصات صعيدية» وغيرها كما أن على إسماعيل هو صاحب الموسيقى والألحان للأعمال السينمائية التى شاركت فيها  الفرقة مثل «أجازة نصف السنة» عام 1962 وفيلم «غرام فى الكرنك» 1967 والذى حقق نجاحا كبيرا وهو من تأليف وإخراج علي رضا.

سفير الفن المصري

طافت فرقة رضا دول العالم أكثر من خمس مرات، واحتلت المراكز الأولى في معظم المحافل والمهرجانات الدولية والتي حضرها ملوك ورؤساء الدول، وقدمت حوالي أكثر من 3000 عرض في مصر والعالم على أكبر المسارح العالمية، منها مسرح هيئة الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف، ومسرح الأولمبيا بباريس ومسرح ألبرت هول فى لندن ومسرح بيتهوفن في بون، ومسرح ستانسلافسكي في الإتحاد السوفيتى. كما مثّلت فرقة رضا مصر فى عدد من المهرجانات الدولية منها «مهرجان القطن المصرى فى نيودلهى عام 1960 ومهرجان برلين السينمائى عام 1971 ومهرجان قرطاج عام 1973 ومهرجان الصداقة الدولى باليابان عام 1996» وغيرها من المهرجانات الدولية الكبرى.

ومن أهم مصممى الرقصات التى قدمتهم الفرقة الراحل حسن عفيفى والذى بدأ حياته راقصا بالفرقة وكذلك قدمت الفرقة الجداوي رمضان ونبيل مبروك وفاروق مصطفى وغيرهم.

و شارك عدد كبير من الملحنين فى عروض فرقة رضا، خاصة بعد رحيل على إسماعيل مثل بليغ حمدى وعبد العظيم عويضة وحلمى بكروكتب لها شعراء من منهم «نبيلة قتديل» – زوجة علي إسماعيل – وسمير الطائر وسمير محجوب وغيرهم.

ويرجع الفضل لفرقة رضا فى تقديم عدد كبير من الأصوات للساحة الفنية، من بينهم «عمر فتحى ومحمد رؤوف» إضافة إلى المساهمة فى إنتشار عدد من المغنين أمثال «محمد العزبى وكارم محمود».

كارم محمود، محمد العزبي

كيف حال فرقة رضا الآن؟

60 عاما من الفن والبهجة والتعبير عن الواقع المصرى تحول خلالها الرقص الشرقى على يد فرقة رضا إلى مساحة تعبير حقيقى عن الثقافة الشعبية، ليس فى مصر وحدها بل فى الوطن العربى.

ومن المؤكد أن شخصية محمود رضا قد ساهمت بالقدر الكبير فى تحقيق هذا النجاح الإستثنائى للفرقة.. هذا النجاح الذى امتد للعالم من شرقه إلى غربه، والذى جعل اليابان تستلهم التجربة وتكون فرقة على غرار فرقة رضا تقدم رقصات شعبية، بعضها يحمل نفس اسم الرقصات التى قدمتها الفرقة المصرية. هذا النجاح الذى تُرجم فى حصول الفرقة على تكريم فى مختلف دول العالم، إضافة إلى جماهيرية واسعة فاقت كل تقدير.

ورشة محمود رضا وفريدة فهمي

كل هذا النجاح إرتبط إلى حد كبير بمحمود رضا الذى اصطدم مع كل مسئولى الثقافة فى مصر وخاض العديد من المعارك معهم، انتصارا للرقص الشعبى والفن والإبداع، ضد كل أشكال البيروقراطية والروتين وضد أى محاولة للإساءة لأعضاء فرقته.

ولعل السؤال الذى يشغل الآن بال الكثيرين من النقاد والمتابعين لمسيرة فرقة رضا للفنون الشعبية.. كيف هو حال الفرقة التى ملأت العالم حضورا ورقصا وبهجة، وأضافت الكثير إلى قوة مصر الناعمة؟!

محمود رضا يرقص مع فرقته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock