ثقافة

٦٨عاما على اغتيال سميرة موسى

هل ردت (راقية ابراهيم) الجميل لمصر بتسهيل قتل اول عالمة ذرة عربية ؟؟

 

في مثل هذا اليوم، الخامس أغسطس عام (1952) قتلت في ظروف غامضة بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية، وأول سيدة تنضم لهيئة التدريس بكلية العلوم، جامعة فؤاد الأول سابقا، (جامعة القاهرة ) حاليا.

جامعة القاهرة

 

أصابع الاتهام وُجهت إلى الموساد على استحياء، فلم تكن هناك أية أدلة قاطعة تشير الى ذلك. رغم انه كانت هناك قرائن مهمة تشير الى أن المستفيد الوحيد من مقتلها هو الكيان الصهيوني الذي كان يسعى منذ نشأته عام 1948 بكل جهد، متاح وغير متاح، إلى منع العرب عموما، ومصر تحديدا، من امتلاك وسائل القوة اذ كانت  العالمة د. سميرة موسى من ناحية في طريقها “لاكتشاف طريقة تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكلفة”، وهو ما لم يكن الكيان الصهيوني يقبل به. ..ومن ناحية اخرى فإن الطريقة التي قتلت بها د. سميرة موسى تشير إلى أنها كانت جريمة قتل مدبرة وليست حادثا عرضيا.

سميرة موسى في أحد الاحتفالات

حتى منتصف عام 2012 كانت الصحف تتناول قصة سميرة موسى على أن حادث مقتلها قيد ضد مجهول، إلى أن ظهرت من أعلنت على الملأ أن الموساد هو من دبر اغتيال العالمة المصرية.

 

البداية

كانت سميرة موسى الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن حصول الفتيات على هذا المركز مألوفا في ذلك الوقت، إذ لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل، حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، وهي أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر. وتقول الروايات، إنه “كان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يخرج منها الأول، مما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص، حينما سمعت يوما أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل. ويُذكر عن نبوغها أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.”

مدرسة الأميرة فايزة وهي أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر

 

اختارت الطالبة سميرة موسى أن تلتحق بكلية العلوم، حينما كانت أمنية أي فتاة في ذلك الوقت الالتحاق بـكلية الآداب. لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مصطفى مشرفة، وهو أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم، وقد تأثرت به تأثرا مباشرا، ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضا بالجوانب الاجتماعية في شخصيته. ولما كانت سميرة موسى الأولى على دفعتها ببكالوريوس العلوم، عُينت معيدة بالكلية، ورغم احتجاجات الأساتذة الأجانب (الإنجليز) !! فقد أصر د. مشرفة على تعيينها، ودافع عن ذلك بشدة،

كلية العلوم

 

وهنا تجدر الإشارة الى أن العالم المصري علي مصطفى مشرفة هو أحد عظماء علماء مصر، ويمثل في وقته واحدا من 7 علماء على مستوى العالم، في معرفة أسرار الذرة وكيفية تفتيتها، وأول من توصل إلى فكرة تصنيع قنبلة هيدروجينية، وتمنى ألا يتم تصنيعها، وكتكريم له أنشأت حكومة المملكة المتحدة منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسم منحة ( نيوتن – مشرفة ) للدكتوراه في المملكة المتحدة. وتقول  بعض الروايات عن مشرفة أنه : “تم اغتياله عام 1950، وان هذه العملية ربما كانت بداية أشهر عمليات الاغتيال لجهاز الموساد، ويعود سبب اغتياله إلى إصراره على تطبيق أبحاثه في علم الذرة في وطنه الأم مصر.”

 

العالم المصري علي مصطفى مشرفة

 

الذرة من أجل السلام

بعد تخرجها في كلية العلوم جامعة فؤاد الأول، حصلت سميرة موسى على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات، ثم سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة. وأصبحت تلقب ميس كوري الشرق (نسبة الى ماري كوري، عالمة الفيزياء والكيمياء  الفرنسية الشهيرة )، وقد شهد بنبوغها المشرف  الإنجليزي علي بعثتها فأرسل إلي جامعة فؤاد الأول خطابا يؤكد فيه أن تجارب سميرة موسي قد تغير وجه الإنسانية لو أنها وجدت المعونة الكافية.

مس كوري الشرق

 

أنجزت سميرة موسى رسالة الدكتوراة في سنة وخمسة أشهر وقضت المتبقي من السنة الثانية في أبحاث متصلة، وصلت من خلالها إلى معادلة هامة يمكن بواسطتها  تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، ولكن نتائج أبحاثها تلك لم تلق قبولا في أوروبا آنذاك، وأيضا لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها.

سميرة موسى أثناء إجراء أبحاثها

 

تقول -ليلى جبرائيل -في بحثها عن سميرة موسى: “كانت تؤمن بأن امتلاك الدولة لسلاح نووي هو واحد من طرق وعوامل تحقيق السلام، فحين تتحدث الدول عن السلام، لابد أن يكون ذلك من موضع قوة لا موضع ضعف. فقد عاصرت سميرة موسى بعض الحروب ومصائبها، ونتائج القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي سنة 1945، وقد لاحظت الاهتمام المبكر لإسرائيل في مجال التسليح، وسعيها لأن تتفرد بالسلاح النووي في المنطقة.

 

 

بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية سنة 1948، قامت سميرة موسى بتأسيس هيئة الطاقة الذرية في مصر، وكانت تدعو دائماً لأهمية امتلاك سلاح نووي ومجاراة هذا التقدم العلمي الكبير، كما حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في الذرة وعلومها.”

 

اغتيال إسرائيل للشخصيات الهامة العربية بدا مع إعلان الدولة الصهيونية

 

أما عن اهتماماتها الذرية في المجال الطبي فتقول ليلى جبرائيل: “كانت سميرة موسى تأمل في استخدام الذرة في المجال الطبي وتسخيرها لخدمة الإنسان حيث كانت تقول: (أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذَرة مثل الأسبرين). وقد كانت عضواً في لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية، كما كانت عضواً في العديد من اللجان العلمية المتخصصة.”

 

إلى أمريكا بلا عودة

استجابت الدكتورة سميرة موسى إلى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1951، حيث أتيحت لها الفرصة لإجراء أبحاث بمعامل جامعة سان لويس في ولاية ميسوري الأمريكية، وقد تلقت العديد من العروض للبقاء. لكنها رفضت العمل خارج موطنها، ورفضت توظيف معارفها ومكتشفاتها العلمية بالخارج بقولها: “ينتظرني وطنٌ غالٍ يسمى مصر”.. يقول -عبد الله بلال -في كتابه عن سميرة موسى: “لقد حاولت كل من بريطانيا وأمريكا احتواءها بتوجيه الزيارات لها وتقديم المغريات المادية حتى لا تعود إلي الوطن، كما أنها اعتذرت عن عدم قبول الجنسية الأمريكية.”.. كما أن الحياة الأمريكية لم ترق لها، وهذا ما يتضح من خطاب أرسلته لأبيها تقول فيه: “ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدأون كل شيء ارتجاليا.. فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئًا على الإطلاق، فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب”.

جامعة سان لويس في ولاية ميسوري الأمريكية

 

قبل عودتها إلى مصر بأيام، كتبت آخر رسائلها الى والدها تقول فيها: “لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة”، وعلق محمد حسن الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن ( وزير خارجية مصر فيما بعد ) وقتها أن كلمة “حاجات كثيرة” كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكاليف.

وفي رسائل سابقة لوالدها كتبت: “لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام.” وتقول الروايات إنها كانت تنوي إنشاء معمل خاص بها، فقد اشترى والدها فدانا في منطقة الهرم بـمحافظة الجيزة لهذ الغرض.

 

ضد مجهول

قبيل عودتها إلى أرض الوطن بأيام تم اغتيال سميرة موسى، في أحد أيام النصف الأول من شهر أغسطس (هناك اختلاف بيّن في تحديد يوم مصرعها في المصادر المختلفة، فبعض المصادر تحدد يوم 5 أغسطس، والبعض الآخر يحدد يوم 15 أغسطس)،  وهي في طريقها لتلبية دعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا.

 

تقول ليلى جبرائيل: “في طريق كاليفورنيا المرتفع الخطر، ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارة سميرة موسى، وقد قفز السائق الهندي من السيارة ليختفي إلى الأبد، وترك السيارة تنحدر بسرعة جنونية لأسفل، لتهوي في عمق منحدر جبلي لتموت سميرة موسى وتكتب نهايتها”.

 

وكان واضحا أن السائق المدرب كان يعرف بما سيحدث، فقد قفز من السيارة في الوقت المناسب، وأوضحت التحريات أنه كان يحمل اسما مستعارا، واتضح أن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها أصلا. وكما اختفى سائق سيارتها، فقد اختفت سيارة النقل التي صدمتها، وسائقها، ولم يستدل على أي منهم… وهكذا قيدت القضية ضد مجهول.

 

دور الموساد

ولكن في 30 مارس 2012، تطالعنا جريدة دنيا الوطن  بالخبر التالي:

حفيدة الفنانة راقية إبراهيم: جدتي اليهودية ساهمت مع إسرائيل في قتل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى

 

 راقية إبراهيم

وتتوالى المعلومات…

بعد 60 عاما من مقتل الدكتورة سميرة موسى، اعترفت ريتا ديفيد توماس، حفيدة راشيل إبراهام ليفي، التي عُرفت في مصر باسم الفنانة راقية إبراهيم، بأن جدتها تعاونت مع الموساد لاغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسي، مؤكدة أن جدتها كانت مؤمنة بإسرائيل، وأنها سهلت على الموساد أمر دخول شقة العالمة المصرية، بعدما سرقت مفاتيح شقتها ومنحتها للموساد للتجسس على أسرار أبحاث سميرة موسى. وذكرت ريتا، أن العلاقة بين الدكتورة سميرة موسى وراقية انتهت عام 1952، عندما قامت سميرة بطردها من منزلها بعدما تدخلت راقية كوسيط بينها وبين الولايات المتحدة لإعطائها الجنسية الأمريكية وأخذت تضغط عليها لقبول الجنسية، وعندما رفضت سميرة العرض، هددتها راقية إبراهيم بأن العواقب لن تكون طيبة، وهنا طردتها سميرة وانتهت العلاقة بينهما. وقد أكدت حفيدتها أن كل هذه التفاصيل وجدتها واطلعت عليها في مذكرات جدتها راشيل إبراهام ليفي، أو…. الفنانة راقية إبراهيم.

 

 

المصادر:

ليلى جبرائيل، موقع “معلومات ثقافية” على الإنترنت، بحث عن سميرة موسى جاهز للطباعة.

عبد الله بلال، اغتيال العقل العربي: سيرة ذاتية لأولى شهداء العلم، د. سميرة موسي

بوابة الأهرام على شبكة الإنترنت، أعداد متفرقة

موهوبون، موقع للمخترعين العرب، أعداد متفرقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock