رؤى

بيروت مدينة الرب .. ولن تكون ابدا منكوبة

«بيروت مدينة منكوبة!» ..  هكذا أعلن «مروان عبود» محافظ بيروت عقب إندلاع إنفجار المرفأ .. هل حقا باتت بيروت مدينة منكوبة؟ .. كيف لتلك المدينة -التي عشقتها حتي  قبل أن أخطو بقدمي أرضها – أن تصبح مدينة منكوبة! .. بيروت التي أحتضنتي وأنا حزينة على وفاة والدي -رحمه الله عليه-  خلال زيارتي الأولي لها في يناير عام 2010 كيف لها أن تصبح مدينة منكوبة .. هل حقا باتت بيروت مدينة منكوبة؟  .. هكذا أخذ ذهني يردد طوال الليلة الأولى التي أعقبت إندلاع إنفجار مرفأ مدينتي  الحبيبة.

 

شوارع بيروت

شاهدت فيديوهات  إنفجار المرفأ وتراكم الحطام والنوافذ المهشمة  وهلع الأم على فقيدها، تابعت أعداد الموتي والمفقودين والجرحى غير أن ذهني الذي عشش في مخيلته جمال شوارع بيروت المزينة بفن الجرافيتي على بعض حوائطها يرفض أن يتقبل مسمى بيروت مدينة منكوبة!.

زرت بيروت لأول مرة لمدة أربعة أيام فقط وكان سبب الزيارة المشاركة بمؤتمرعلمي عن التعليم العالي في الوطن العربي، سعدت للغاية بتلك الدعوة التي جاءتني وكأنها طبطبة الرب على قلبي المفعم بالحزن الشديد لوفاة والدي رحمه الله.

 

شاركت في أعمال المؤتمر بورقة بحثية عن التعليم العالي بمصر، وبهرني مدى تقدم الباحثات والباحثين اللبنانيين في مجال العلوم الإجتماعية شأنهم في ذلك شأن باحثي بلاد المغرب العربي «تونس والمغرب والجزائر» وخرجت من أعمال المؤتمر ببعض العلاقات الطيبة التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا.

 

أقمت بفندق بمنطقة الحمراء وسط بيروت ما أتاح لي الفرصة أن أتجول بشوارع بيروت، سعدت بزيارة الجامعة الأمريكية ببيروت التي تقبع بأحضان البحر، كما زرت  صخرة الروشة التي رأيت فيها وكأنها تجسيدا لرجل يسجد بعمق البحر للرب، استمتعت بفن الجرافيتي المنقوش على جدران بعض الحوائط بشوارع بيروت، والذي ظهر في مصر مع ثورة يناير 2011 واختفى مع خفوتها.

صخرة الروشة

الجامعة الأمريكية ببيروت

إحدى رسومات الجرافيتي بشوارع بيروت

 

رغم قصر مدة الزيارة الأولى إلا أنني أستطيع أن أجزم أنني تمكنت من الطواف بمعظم شوراع بيروت حتى أنني في الزيارة الثانية لها التي جاءت بعد حوالي أربع سنوات كنت أطوف بشوارع بيروت بسهولة ويسر وكأنني أسير  في شوارع  وسط القاهرة أو شوارع الأسكندرية.

 

حرصت على زيارة كنيسة (حريصة ) التي أوصتني إحدى صديقاتي بزيارتها، ركبت (التلفريك) لأول مرة بحياتي وكانت تجربة ركوب التليفريك مثيرة للغاية شعرت خلالها بفرح طفولي يشبه فرحي حين كنت صغيرة وكان والدي يصحبني بيديه لشراء عروسة المولد وركوب المراجيح.

 

التلفريك

وقفت فترة طويلة من الزمن أعلى قمة كنيسة (السيدة حريصة ) أتطلع لتلك الخضرة التي كست الجبل الذي سكنت الكنيسة قمته  وشعرت بذات الشعور الذي تملكني حين تسلقت جبل موسى بمدينة سانت كاترين، شعرت بأنني قريبة من حدود السماء حتى أنني أن مددت يدي قليلا ربما أتمكن من ملامسة نجوم السماء.

كنيسة “السيدة حريصة”

ثلاثة مدن للرب

 

علاقتي بمدينة بيروت تشبه علاقتي بمدينة الأسكندرية ومدينة القدس، ثلاثتهم يحملون عندي ذات اللقب: «مدينة الرب» .. أعلم أن الكثيرين يطلقون على بيروت لقب «ست الدنيا» .. لكنني ربما اكون وحدي  من أطلق على بيروت والأسكندرية والقدس على حدا سواء لقب «مدينة الرب» .. نعم فقد تجلى الرب ليطبطب على قلبي بمدينة بيروت حين زرتها  للمرة الأولى حزينة منكسرة الفؤاد هكذا شعرت حينها وهكذا باتت علاقتي بها .. فهى مدينة الرب التي تحنو على زوارها حتى وان لم يرها غيري كذلك.

 

فكرت في زيارة «مخيم عين الحلوة» بلبنان غير أن الوقت الضيق للزيارة في المرتين لم يسعفني لكنني استعضت عن عدم تمكني من زيارة المخيم بشراء عدد من الدلايات الفضية على شكل «حنظلة» أهديتها لبعض صديقاتي والبعض الآخر أهديتهن بعض المشغولات اليدية ذات الطابع الفلسطيني.

الإسكندرية – القدس – بيروت

لا أدري لماذا كانت تحضر القدس بكل بهائها حين كنت أزور بيروت  .. ربما كان لفيروز حين كانت تشدو «لبيروت من قلبي سلام» و«القدس مدينة السلام» هذا الدور الرائع في جعل بيروت والقدس يشغلان بقلبي ذات المكانة حتى أنني لا أستطيع التفريق بينهما.

 

هل حقا باتت بيروت مدينة منكوبة؟ .. وهل أطلقنا يوما على مدينة القدس رغم سيطرة الإحتلال الصهيوني عليها كل تلك السنوات أنها مدينة منكوبة؟ .. لا لم نطلق يوما على القدس لقب مدينة منكوبة .. فالقدس كما بيروت كما الأسكندرية أنهم «مدن الرب» ومهما تعرضت أي منهم لنكبات ستظل «مدن الرب» بهية بروحها وبهائها وقوة عزم أهلها، محمية بيد الرب الذي دأب على أن يحنو على زوار مدنه.

بيروت التي عشقتها قبل أن أخطو بقدمي أرضها ستعود سريعا عفية .. تنفض عن أرضها غبار حرائقها -أي ما كان من أشعلها، – معلنة عن قوتها الكامنة  في روح  شعبها الآبي الذي لم يخضع يوما ولم يستكن .. مرت على بيروت ضربات الإحتلال الصهيوني وحرب أهلية طالت لسنوات عدة، غير أنها كانت دائما وأبدا تعود .. سالمة تحتضن أهلها وزوارها بذات المحبة والحنو .. أنها «مدينة الرب» ولن تكون يوما «مدينة منكوبة!».

http://https://www.youtube.com/watch?v=bypUngzpf6w

أغنية جانا الهوى في أحضان بيروت 

“عبدالحليم حافظ ونادية لطفي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock