ثقافة

حسانين فهمي يكشف هموم الإنسان الصيني في ترجمة رواية «سرير الغرباء»

صدر مؤخراً ضمن إصدارات سلسلة “قراءات صينية” عن دار صفصافة للنشر الترجمة العربية لرواية “سرير الغرباء” للروائي الصيني المعاصر ليوجين يون،  ترجمة د. حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس.

تعد رواية “سرير الغرباء” أحدث أعمال الروائي الصين ليوجين يون، صدرت طبعتها الصينية في نوفمبر 2017، وطبعت منها دار اليانجتسي للفنون والآداب حوالي مليون نسخة، وعلى حد قول المترجم “حسانين فهمي”  واحدة من أهم الأعمال الروائية الصينية التي نالت احتفاءً جماهيرياً ونقدياً واسعاً داخل الصين وخارجها، وترجمت إلى أكثر من لغة أجنبية.

ويؤكد حسانين فهمي بان “سرير الغرباء” تعد علامة فارقة وبداية مرحلة جديدة في إبداع ليوجين يون، أو كما عبر عن ذلك بنفسه في حوار معه حول هذه الرواية قائلًا: “لقد بدأت بهذا العمل مرحلة جديدة في مسيرتي الأدبية”، وقوله أيضاً “الكتابة الأدبية تختلف عن أن يدير أحدهم مطعمًا، فزبائن هذا المطعم سيحرصون على ارتياده طالما حافظ على جودة الأطعمة المعروف بها، على العكس تماماً من الإبداع الأدبي الذي يتطلب أن يكون هناك فهم جديد للعلاقة بين الحياة والكتابة والكاتب، فأكثر ما يخيف الكاتب عجزه عن كتابة أعمال جديدة”.

سرير الغرباء ليوجين يون
سرير الغرباء ليوجين يون

 سرير الغرباء هي  أحد أهم الأعمال التي تعبر عن اهتمام ليوجين يون بموضوع العلاقات الإنسانية المتشابكة والمعقدة، والذي تناوله في عدد من أعماله بين القصة القصيرة والرواية، وعن اهتمامه بقضايا المرأة وهمومها على امتداد الصين والمرأة في مسقط رأسه مقاطعة خه نان وسط الصين على نحو خاص.

“وفي مطلع سبتمبر من العام نفسه، تصدر خبر سقوط سيدة واثني عشر مسؤولًا من مقاطعتي و  المواقع الإلكترونية على مستوى البلاد.  ونشرت المواقع أن هؤلاء المسؤولين مارسوا العلاقة مع نفس السيدة التي تدعى سونغ تساي شيا، واسمها الحقيقي نيوشياولي، وقد أطلقت على نفسها خلال العلاقة التي جمعتها بهؤلاء المسؤولين اسم سونغ تساي شيا، حتى عرفها الجميع باسم سونغ تساي شيا، ونسوا اسمها الحقيقي. كما تسببت العلاقة التي جمعتها بلي آن بانغ محافظ مقاطعة إلى انتشار الخبر بشكل هز الصين قاطبة بشكل يفوق انفجار قنبلة نووية، لينتشر اسم “سونغ تساي شيا” في المواقع الإلكترونية كانتشار النار في الهشيم، حتى غطت أخبارها على خبر قمة قادة مجموعة العشرين المنعقدة ببكين.”

الرواية  تروي سيرة “نيوشياولي” السيدة التي تسعى  لتزويج شقيقها وفي ذلك السياق تتعرف على فتاة وتختارها زوجة لأخيها، لكن مفاجأة غير متوقعة تضرب حياتها؛ حيث تهرب العروس بعد خمسة أيام فقط من الزفاف

الروائي الصيني ليوجين يون
الروائي الصيني ليوجين يون

يشير حسانين فهمي إلى أن القارئ العربي سيتعرف عبرهذه الترجمة على واحدة من أهم الروايات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة لليوجين يون المولود بمقاطعة خه نان وسط الصين عام 1958، والذي تخرج في قسم اللغة الصينية بجامعة بكين العريقة عام 1982، ثم حصل على الدراسات العليا في الكتابة الأدبية من معهد أدب لوشون بجامعة المعلمين ببكين عام 1991.

 يعمل حاليًا أستاذاً للأدب الصيني بجامعة الشعب الصينية. وهو أحد أهم الأصوات الأدبية في جيل الرواد الذين لمعت أسماؤهم على الساحة الأدبية الصينية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، والذي يضم أهم الكتاب في تاريخ القصة والرواية الصينية المعاصرة وعلى رأسهم: سوتونغ، قه فيي، مايوان، تسان شويه، يوهوا، خان شاوقونغ ومويان وغيرهم من الكتاب الصينين المعاصرين.

يلفت حسانين فهمي إلى أن الرواية  تعتمد على المادة الإعلامية والأخبار المتداولة والأحداث الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، لتعكس اهتمام ليوجين يون بالقضايا الواقعية التي تشغل الإنسان العادي في الصين، وتؤكد تلك السمة البارزة في كتاباته، والتي تتمثل في الاهتمام بالكشف عن هموم الإنسان الصيني المعاصر وقضاياه، خاصة ما يتصل بالفئات المهشمة، والتي تحتل مساحة كبيرة في أعماله، وتبرز تأثره الواضح بأديب الصين الأشهر لوشون.

 “وفي اليوم الثاني من انتشار الأخبار حول سونغ تساي شيا، تحدث رجل الأعمال الصيني الهارب إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاشتباه في علاقته بجرائم لي آن بانغ جاو بينغ فان في مقابلة له مع محطة تلفزيونية أمريكية، حول حقيقة القضية من وجهة نظره. فقال إن إلقاء القبض على لي آن بانغ لم يكن بسبب تهم الاختلاس والفساد الموجهة له فحسب، وإنما الأهم من ذلك أن الرجل كان ضحية لصراع سياسي”

 وتذكر القارئ بما عبر عنه لوشون في قصة “يوميات مجنون” من نقد شديد للشعب الصيني الذي كان يكتفي بموقف “المتفرج” على ما يدور حوله من أحداث، وهو ما عبر عنه ليوجين يون أيضاً في هذه الرواية من خلال نقده الشديد للفُرجة التي تسيطر على الإنسان الصيني المعاصر.

يوميات مجنون - لوشون
يوميات مجنون – لوشون

“كما أضاف جاو بينغ فان، أنه إذا تحدثنا عن الفساد، فإن الفساد متجذر في الصين، فهل مَن تم القبض عليهم هم الفاسدون، والبقية من أصحاب الأيدي النظيفة؟ تم تطرق إلى الحديث عن تجربته في مجال العقارات في الصين على مدار ما يزيد على ثلاثين عامًا، وعن العلاقات المتعددة التي كانت تربطه بكبار المسؤولين في بكين والمدن المختلفة على مستوى البلاد، كما أشار خلال حواره إلى العديد من الأسماء التي كانت تربطه بها علاقات متعددة، والذين كان من بينهم أسماء لا تزال تتبوأ مناصب كبيرة، كما تطرق إلى ظواهر التواطؤ والتلاعب والتهديد بين التجار في الصين، ضارباً المثل على ذلك بأحد كبار رجال الأعمال الذي كان يتمتع بشهرة كبيرة العام قبل الماضي، والذي تمكن من خلال استغلال أجهزة الدولة من الاستيلاء على مبلغ عشرة مليارات يوان منه، في الوقت الذي تشهد فيه تجارته حالياً رواجاً كبيراً، حتى إنه تمكن الشهر الماضي من شراء عدد من المؤسسات الأوربية…

واختارت هذه المحطة التلفزيونية بث اللقاء خلال وقت الذروة ولمدة ساعتين كاملتين من الثامنة إلى العاشرة مساءً. وتناقلته العديد من المواقع الإخبارية للصينيين المغتربين في الولايات المتحدة، وتابعه عدد كبير من أبناء الجالية الصينية بالولايات المتحدة”

 تعد “سرير الغرباء” في الوقت ذاته، علامة فارقة وبداية مرحلة جديدة في إبداع ليوجين يون، أو كما عبر عن ذلك بنفسه في حوار معه حول هذه الرواية قائلًا: “لقد بدأت بهذا العمل مرحلة جديدة في مسيرتي الأدبية”.

 عباءة لو شون

وهذا ما أكده مشروع لوجين يون وانتباه النقاد  لمسيرته الأدبية وقدرته على تناول الموضوعات التاريخية والمعاصرة من خلال حس ساخر ينبع من موقف نقدي أصيل تجاه التاريخ الصيني وواقع الحياة الصينية المعاصرة ومشكلات نماذج مختلفة من الفئات المهمشة والمطحونة في مجتمع مسقط رأسه بمدينة يانجين التابعة لمقاطعة خه نان وسط الصين خاصة وفي المجتمع الصيني بوجه عام. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن أعمال ليوجين يون حافظت إلى حد كبير على خصائص الواقعية النقدية التي اتسمت بها الأعمال القصصية الصينية منذ حركة الرابع من مايو عام 1919 التي أسست للأدب الصيني الحديث، مما يجعل هناك وجه شبه واضح بين أعمال صاحب “سرير الغرباء” وأعمال رائد الأدب الصيني الحديث لوشون (1881-1936)، خاصة ما يتعلق بنقد العقلية الصينية والنقد الاجتماعي والعزلة التي تعيشها شخصيات أعماله، إلى جانب نجاحه في تقديم عدد من الشخصيات المنبوذة والمهمشة التي تتشابه أفكارها ومصائرها مع شخصيات قصص لوشون، حتى أطلق عليه بعض النقاد لقب الكاتب الذي “خرج من عباءة لوشون”.

الأديب الصيني لوشون
الأديب الصيني لوشون

 ويستطرد حسانين فهمي يتميز ليوجين يون بغزارة الإنتاج وتنوع كتاباته التي تجمع بين القصة والرواية والسيناريو. وتتميز أعماله بالنقد الاجتماعي لعدد من الظواهر والقضايا في المجتمع الصيني المعاصر، وعلى رأسها الفساد والرشوة كما في روايتي “جهة العمل” و”سرير الغرباء”. وتتميز لغة أعماله بالحس الفكاهي الساخر الذي يعرف به بين أبناء جيله.

 توجت أعماله بحصوله على جائزة مادون الأدبية (نوبل الأدب الصيني) في دورتها الثامنة عام 2011، كما حصل على وسام فارس في الفنون والآداب عام 2018 من فرنسا. وحازت أعماله شهرة كبيرة داخل الصين وخارجها، وترجم عدد منها إلى لغات أجنبية عديدة من بينها العربية، كما تم تحويل عدد من أعماله الروائية والقصصية إلى أعمال سينمائية، وحصدت أعماله عددًا من الجوائز داخل الصين وخارجها.

 جدير بالذكر ان المترجم د. حسانين فهمي حسين أستاذ مساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس والمشرف على قسم اللغة الصينية بجامعة الملك سعود، صدر له عدد من الأعمال الأدبية الصينية المترجمة إلى العربية، من بينها “الذرة الرفيعة الحمراء، لمويان، “مختارات قصصية لكاتبات صينيات معاصرات”، “صيف حار وقصص أخرى” و”الماضي والعقاب وقصص أخرى” للصيني يوهوا. حصل على جائزة المركز القومي للترجمة عام 2013 وجائزة التميز في ترجمة الكتب الصينية عام 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock