رؤى

الكتب العشرة المؤسسة للعنف.. «رسالة الإيمان» لصالح سرية.. «قوائم التكفير تضم الجميع» (٣) 

حددت آلية الإبلاغ

مؤلف “رسالة الإيمان” هو الفلسطيني “صالح عبد الله سرية” من مواليد 1936، أي أن عمره كان 37 عاماً وقت قيامه بتأليف هذه الرسالة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد صفحاتها ستين صفحة، حيث ألفها عام 1973م .

يُعد مؤلف الرسالة من الشخصيات القلقة، متعددة العلاقات والمشارب الفكرية، فقد كان على علاقة بجبهة التحرير الفلسطينية ومنظمة فتح، كما كان على علاقة بالإخوان المسلمين في العراق، وكان على علاقة بحزب التحرير الإسلامي الذي أسسه ” تقي الدين النبهاني ” عام 1953.

جاء سرية إلى مصر عام 1971 والتقى بالمرشد العام للإخوان حسن الهضيبي عن طريق ” زينب الغزالي “، وعرض على المرشد مذكرة ذات طابع انقلابي على النظام السياسي في مصر، ومن غير المعروف إن كانت هذه المذكرة هي نفسها رسالة الإيمان أم غيرها.

زينب الغزالي وحسن الهضيبي
زينب الغزالي وحسن الهضيبي

تعرف صالح سرية في بيت زينب الغزالي على اثنين من القيادات الإسلامية الشابة الأكثر تأثيراً وهما طلال الأنصاري وكارم الأناضولي، واللذان سيكون لهما دور كبير في التنظيم الذي حاول السيطرة على الكلية الفنية العسكرية ضمن محاولة انقلابية فاشلة في مصر.

كان للأنصاري – دور أساسي في تحقيق الارتباط بين سرية و بين طلبة الكلية الفنية العسكرية الذين كان يقودهم الأناضولي، كما كان هو الرابط بينه وبين بقية المجموعات المدنية التي تشكل منها تنظيم الفنية العسكرية والتي كان أغلبها طلاب في الجامعة بكليتي الطب والهندسة وغيرها من الكليات، ففي يوم 18 إبريل 1974 وقعت مذبحة الكلية الفنية العسكرية التي كانت أولى محاولات صالح سرية للانقلاب العسكرى ضد السادات، وأسفرت عن مقتل 17 وإصابة 65، ووقعت بعدما اقتحم عدد كبير ممن أقنعوا أنفسهم بأنهم يعلون كلمة الله، مستودع الكلية الفنية العسكرية، واستولوا على أسلحة بقيادة سرية، وكان هدفهم النهائي قتل الرئيس أنور السادات من أجل إعلان ولادة جمهورية مصر الإسلامية.

محاكمة تنظيم الفنية العسكرية
محاكمة أعضاء تنظيم الفنية العسكرية

في العام 1977م طبع اتحاد طلاب كلية دار العلوم بجامعة القاهرة “رسالة الإيمان” لصالح سرية ، وتم توزيعها علي نطاق واسع بين طلاب الجامعة في ذلك الوقت ، حيث كان التيار الإسلامي قد بدا يستحوذ علي قسم كبير من الاتحادات الطلابية في جامعة القاهرة وجامعات مصر آنذاك.

الرسالة بأسلوبها الجاف وقصرها وبساطة وجذرية ما تضمنته من أفكار تبدو أقل بكثير مما كان متوقعاً من شخصية مثل مؤلفها الذي كتبها وقد اكتمل بناؤه العلمي فحصل علي الماجستير والدكتوراه في التربية، وكان ضليعاً بعلم الحديث – وفق شهادة زينب الغزالي في تحقيقات القضية – كما لا تظهر “رسالة الإيمان” تألقاً فكرياً يتناسب مع ما ذكره المتهمون من الكارزيما التي كان يتميز بها سرية، فأغلب الرسالة إعادة لأفكار المودودي وقطب، بل وحتي لأفكار شكري مصطفي، حيث دأب سرية على استخدام  مصطلح ” التكفير ” واعتبره الأساس الرئيسي في بناء أفكاره أكثر من استخدام مصطلح ” الجاهلية ” الذي كان يمثل المفهوم الأساسي لكل من ” المودودي ” و” قطب.

سيد قطب والمودودي
سيد قطب والمودودي

الردة الجماعية وأسس العقيدة الجديدة

1- مفهوم جديد للعقيدة

يستهل سرية رسالته بقوله: ” أبادر إلي القول بإنني لا أميل لاستخدام مصطلح العقيدة وأفضل عليه مصطلح الإيمان “، وعليه فإنه يضع مفهوماً وركائز وأسس جديدة لمعني الإيمان مختلفا عن ذلك الذي ورد في كتب العقيدة القديمة التي كتبها العلماء المسلمون السابقون منذ العصر العباسي وحتي محمد بن عبد الوهاب مرورا طبعا بابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية.

لم يكن سرية يحب استخدام مصطلح ” العقيدة ” التقليدي الذي يناقش  مباحث أصول الدين وعلم الكلام والفلسفة الإسلامية القديمة، حيث كان يعده نوعاً من الترف العقلي والنظري في مسائل قديمة مثل مسألة أسماء الله وصفاته أو الانشغال بما في الجنة والنار وهل هو حقيقي أم أنه محض ترغيب وترهيب  وتقريب للمعنى… فكلها مسائل نظرية لا ينبني عليها عمل لتغيير أحوال المسلمين وأوضاعهم الراهنة.

كما أن هذه الجدالات المرتبطة بالعقيدة بالمعنى القديم لا تعبر عن التطورات التي حدثت بعد سقوط الدولة العثمانية والقضايا الفكرية والسياسية والعملية الجديدة التي لم تُعرف في تاريخ الإسلام .

وتعتبر “رسالة الإيمان” لصالح سرية بمثابة التأسيس للعقيدة وللحركة التي قادها للقيام بأول انقلاب عسكري إسلامي جذري وشامل يستخدم القوة العسكرية للإطاحة بنظام الحكم والقبض علي رئيس الجمهورية وإعلان الدولة الإسلامية.

2- الكفر الجديد

تشخص هذه الرسالة ما يمكن أن نطلق عليه “الكفر الجديد” الذي وقع فيه المسلمون – عن علم أو عن جهل – بسبب الظروف الجديدة التي عايشوها في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.

ويرى سرية أن كل الأنظمة والبلاد الإسلامية اتخذت مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة، وأنها تكون بذلك قد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا من دون الله، وكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له رباً سوي الله، وهذا الكفر الجديد هو أشد من كفر مشركي الجاهلية.

ويطالب سرية في رسالته بأن يٌقدر المسلم الله حق قدره، فهو أصبح يضعه في مقام أقل من مقام رئيس الدولة أو الوزير أو الضابط أو أقل من الشرطي ومن المباحث، ولو عُرض عليه أمر الله مع أمر أي أحد من هؤلاء فكثيراً ما يُنفذ أمر هؤلاء تاركاً أمر الله. وحساب البشر مهما كان إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان، وإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود في الأفراد والمجتمع والدولة خوفاً من السلطة وسجونها وأحكامها  ولم أحسب حسابا لعذاب الله فإنني لا أؤمن بأن الله أكبر

3- القرآن خطة عمل واجبة التنفيذ

القرآن ناسخ لكل الكتب السابقة وهو الكتاب واجب الاتباع وهو منهاج للتطبيق والتنفيذ وليس فقط للتلاوة والتبرك، واتخاذ المسلمين له كذلك دون اتخاذه خطة عمل ومنهج للحياة كفر بلا شك مهما أظهر من التقديس له حتي لو كان ظاهراً وباطناً ،فآيات القرآن بسيطة لا تحتاج تفسيراً ولا وسيطاً.

4- أهمية إحياء الحديث

محمد هو خاتم الأنبياء والإيمان به يوجب اتّباعه، واتّباعه يفرض معرفة علم الحديث، ومن المصائب التي وقع فيها العلماء منذ القرن الثالث الهجري عدم اهتمامهم بعلم الحديث وملء كتبهم بالأحاديث الموضوعة مثل الغزالي في كتاب “إحياء علوم الدين”، ولا عودة للإسلام الحق إلا بالعودة للحديث النبوي الشريف .

إحياء علوم الدين للغزالي
إحياء علوم الدين للغزالي

5- الشهادة طريق الجنة الوحيد

الشهادة هي العمل الوحيد الذي يضمن لصاحبه الجنة والخلاص من النار، ومن يهرب من الشهادة لا يمكن أن يكون مؤمناً، ويجب أن تركز التربية الإسلامية على الشهادة.

ويشير سرية إلى أن معظم المتدينين اليوم كافرون عملياً بالإيمان بالقدر، إذ لو كانوا مؤمنين به لشمروا لتغيير المنكر غير مبالين بقطع الأرزاق والسجن ولم يبالوا بالإعدام والمتردد في ذلك كافر بالقدر مهما فلسف القضية .

نظام الحكم والمجتمع والديار والولاء والجهاد

1- الحكم كافر والمجتمعات جاهلية

الحكم القائم اليوم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر ، ولا تكون الحكومات مسلمة بالنص الشكلي في دستورها على ذلك أو ببنائها للمساجد وتدريس الدين في المدارس، وإذاعة القرآن والحديث.

 أما الاشتراكية والديموقراطية  والقومية والوطنية فهى عند سرية كفر صريح لأنها ” منهاج للحياة مخالف لمنهج الإسلام”. كما أن النص  على أن التشريع الإسلامي مصدر من مصادر التشريع هو كفر صريح، والحكام الذين يقصرون الدين علي شكل الشعائر دون التشريع والحكم  ويحاربون من يدعون لذلك ويسجنونهم ويضربونهم فهم كفار ومن ساندهم فهو كافر .

2- المجتمعات جاهلية

المجتمعات المسلمة الحالية جاهلية كلها، حيث تشهد بذلك المظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين علناً والمجاهرة بعدم أداء  الفرائض ووجود الخمر والزنا والقمار ونشر الكذب والفسق والخداع  والرذيلة، ويرى سرية أن كل ذلك ” يجعلنا نقول ونحن مطمئنين أن هذه المجتمعات جاهلية “.

ويرى سرية أن الإسلام السائد في المجتمعات الإسلامية المعاصرة هو كلام فقط ، حيث تم قصره على الشعائر التعبدية فقط ليطابق مفهوم الدين في أوروبا، والمتدينون في هذا الزمان غفلوا عن هذا المعني فتجد الواحد منهم في غاية التدين ولكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر ولا شك . الكافرون من الأفراد في هذه المجتمعات هم المؤمنون بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل، أو يقتصر على قضايا العبادة، أو كان لا مبالياً سواء جاءالإسلام أم لم يأت، أو كان ناقماً على هذه الحكومات لكنه يرو الإصلاح بطريقة أخرى غير طريقة الإسلام .

3- غير المسلم للمسائل الفنية فقط

الدولة الإسلامية هي التي تحمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها  والجهاد في سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك. ويكون ذلك في جميع مرافق الدولة وفي جميع شئون الحياة في الإعلام والتعليم والسياسة الداخلية والخارجية ووظائفها القيادية تكون لدعاة الإسلام، أما في المسائل الفنية غير التوجيهية فيمكن الاستعانة بغير المسلم .

4- جواز العمل في مؤسسات الدولة الكافرة والمشاركة في الانتخابات

يجوز للمسلم  أن يعمل في مؤسسات الدولة الكافرة  ويكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان يعمل لإقامة الدولة الإسلامية، وفي الدول الديموقراطية يجوز له المشاركة في الانتخابات والأحزاب والبرلمانات والوزارات، بشرط أن يكون واضحاً في عقيدته مصرحاً بها، أو يكون داخلاً في ذلك بأمر الجماعة المسلمة، أو يدخل انتظاراً لنصرة تلك الجماعة حين تأتي .

5- الجهاد ضد الحكومات الكافرة فرض عين

الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية، والذين يموتون دفاعاً عن الحكومات الكافرة فهم كفار إلا لو كانوا مكرهين فإنهم يُبعثون على نياتهم ،ودار الكفر هي التي تحكم بالكفر حتى لو كان كل أهلها مسلمون، ودار الإسلام هي التي تحكم بالإسلام حتى لو كان كل أهلها كفار، وكل من كان ولاؤه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار .

6- السياسيون والمثقفون كلهم كفار

المشتركون في الأحزاب العقائدية كالبعث والشيوعية والاتحاد الاشتراكي والقومية، وجمعيات الليونز والروتاري والماسونية، ومعتقدو الفلسفة الوجودية والمادية والبراجماتية ومبادئ الديموقراطية والرأسمالية والاشتراكية والوطنية والقومية، كل هؤلاء كفار .

7- القضاة والضباط والمحققين والصحفيين والمخبرين والمصوتين لغير مرشحي الجماعة الإسلامية في الانتخابات ومعدو القوانين والمشاركين في إعدادها والمنفذين لها بلا اعتراض عليها ولذا فكل أعضاء البرلمانات والحكومات والرئيس والمستشارين والقضاة والنيابة ومحققو الشرطة والمباحث كلهم كفار، وكل أفراد الشعب الراضين بالقوانين المخالفة للإسلام، والمعارضون لأحكام الإسلام ووصفها بالتخلف والتحجر ، والمعتزون بتراث الكفر كالفرعونية والقومية العربية الجاهلية ومن يقولون بفصل الدين عن السياسة، ومن يتركون الصلاة فرادي أو جماعات، ومن يسبون الدين أو الله ومن أنكر أحد العقائد كوجود الله أو النبي محمد كل أولئك وهؤلاءكفار بلا شك.

8- هناك مظاهر جديدة للشرك كتحية العلم والسلام الجمهوري وتحية قبر الجندي المجهول، وهذه كعبادة الأصنام وفاعلها كافر.

خاتمة

نحن أمام ترسانة مروعة من الأفكار والمعتقدات القاتلة، اقتحمها إنسان أصابته لوثة عقلية فذهب يأخذ من تلك الترسانة أشد أسلحتها فتكاً، ليطلقه بلا تحسب أو تبصر وبشكل عشوائي على الجميع بدون تمييز. إنني وأنا أتابع حجم قائمة التكفير التي أصاب بها المؤلف الناس بلا روية أو عقل أو خشية أو تأدب مع  الله شعرت بأنني غير قادر علي الاستمرار معه في ضم فئات وطوائف من المسلمين إلى القائمة السوداء التي أعمته عن رحم الولاء للمسلمين وسد ذرائع التكفيرعنهم وفتح أبواب الإسلام لهم.

إن خطر قوائم التكفير التي أطلقها مؤلف الكتاب أنها تكفير للمعينين من الناس، أي تكفير أفراد الناس بأعيانهم وليس وصف المجتمع أو الحكم أو حتي الطائفة بالكفر دون التطرق لتكفير أعيانها أو وصف الأفعال دون الأعيان.

شكري مصطفى
شكري مصطفى

المؤكد أن مؤلف هذه الرسالة قد التقى شكري مصطفي مؤسس جماعة التكفير حين قدم إلى مصر من بين من التقاهم في سعيهم الحثيث للقاء كل من كان على الساحة الإسلامية المصرية التي كانت في طور التشكل وقتها، وأنه تأثر بأفكاره تأثراً عميقاً خاصة فيما يتصل بقواعده في التكفير وفيما يتصل بمصادر التلقي والموقف من التراث؛ وحتي  فيما يتصل بوضعه هو كمرشد لتلك الجماعة وانتصابه ليجعل من نفسه موجهاً دينياً وهادياً لشباب غض لم يهتد بعد إلى سواء السبيل، بينما لم يكن يملك من المؤهلات ما يمكنه من ذلك.

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock