الحدث

النزاع بين أرمينيا وأذربيجان: التاريخ والأسباب

ترجمة وعرض: تامر الهلالي
اندلع العنف في منطقة صراع طويل الأمد على الحافة الشرقية لأوروبا هذا الأسبوع حيث اشتبكت أرمينيا وأذربيجان حول منطقة ناغورنو كاراباخ .

أسفر القتال،الذي استمر يوم الاثنين، عن مقتل العشرات – وهو أخطر تصعيد تشهده المنطقة محل النزاع منذ سنوات.

اشتبكت الجمهوريتان السوفييتيتان السابقتان حول منطقة ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة تسيطر عليها أرمينيا عملياً، لكنها معترف بها دوليًا كجزء من أذربيجان، منذ ثلاثة عقود.

يعد الصراع أكثر من مجرد بقايا من حقبة الحرب الباردة، حيث يتمتع كلا الجانبين بدعم حلفاء أقوياء، ومع احتلال جنوب القوقاز موقعًا استراتيجيًا في سوق الطاقة العالمية، يمكن أن يمتد القتال بين أرمينيا وأذربيجان إلى ما يتجاوز المنطقة.

ماذا حدث؟

تزعم أرمينيا إن أذربيجان شنت صباح الأحد الماضي غارات جوية ومدفعية على ناغورنو كاراباخ، فيما تقول باكو إنها شنت “هجوما مضاداً ردا على استفزاز عسكري”.

مع تحول القتال إلى تصعيد دموي، أعلنت أرمينيا الأحكام العرفية والتعبئة العامة، فيما أعلنت أذربيجان حالة الحرب في بعض المناطق.

عدد القتلى متنازع عليه

أكدت أرمينيا يوم الأحد مقتل 16 شخصا وإصابة أكثر من مائة. وذكرت تقارير إعلامية صباح الاثنين أن إجمالي عدد القتلى بلغ 39.

من جانبها، زعمت أذربيجان أنها قتلت 550 أرمنيًا، وهو ما نفته يريفان. في غضون ذلك ، زعمت أرمينيا أنها قتلت 200 أذربيجاني، كما اتهم الجانبان بعضهما البعض بقتل المدنيين، بما في ذلك عائلة أذربيجانية مكونة من خمسة أفراد وامرأة وطفل واحد على الجانب الأرمني، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

وخلال ما يسمى بحرب الأيام الأربعة في عام 2016 – ما يعد حتى الآن أسوأ خرق لاتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1994 – قُتل أكثر من 200 شخص.

الصورة الأكبر

من المحتمل أن تجتذب اشتباكات ناغورني كاراباخ قوى أكبر -لا سيما روسيا وتركيا عضوا حلف شمال الأطلسي – وهما دولتان تدعمان بالفعل الأطراف المتصارعة في سوريا وليبيا.

تعد تركيا حليفاً تاريخياً قويًا لأذربيجان، حيث تربط أنقرة وباكوعلاقات ثقافية وثيقة، نظرًا لتراثهما التركي المشترك.

على الجانب الآخر، لدى تركيا وأرمينيا تاريخ طويل من التوترات، والتي تفاقمت بسبب رفض أنقرة الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 علاوة على النزاع التاريخي حول منطقة ناغورنو كاراباخ.

إقليم ناغورنو كاراباخ
إقليم ناغورنو كاراباخ

دفع ذلك النزاع الحدودي تركيا إلى إغلاق حدودها مع أرمينيا في عام 1993، والتي ظلت مغلقة منذ ذلك الحين. علاوة على ذلك، لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين.

في المقابل، تلعب روسيا دورًا أكثر غموضًا في المنطقة، حيث تحافظ على علاقات اقتصادية وثيقة مع أرمينيا وأذربيجان وتزود كلاهما بالأسلحة. رغم ذلك، فإن علاقتها مع يريفان أعمق، حيث تستضيف أرمينيا قاعدة عسكرية روسية وهي جزء من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة موسكو.

ثمة دوركبير للمنطقة في تجارة الطاقة العالمية، حيث تعتبر خطوط الأنابيب التي تربط أذربيجان بتركيا ضرورية لإمدادات النفط والغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، وتمر تلك الخطوط بالقرب من ناغورنو كاراباخ.

لماذا؟

طالما كانت بين أرمينيا ذات الأغلبية المسيحية وأذربيجان ذات الأغلبية المسلمة خلافات لعدة قرون، لكن الدين لا يلعب دورًا رئيسيًا في صراع العصر الحديث.

يقع الكثير من اللوم في التسبب في هذا الصراع على جوزيف ستالين، حيث وضع الزعيم السوفيتي السابق منطقة ناغورنو كاراباخ ذات الأغلبية الأرمنية (المعروفة باسم آرتساخ للأرمن) في أذربيجان بعد أن غزا الجيش الأحمر القوقاز في أوائل عشرينيات القرن الماضي. لم يكن أي من الجانبين راضياً عن ذلك القرار، رغم أن الأمر لم يشكل اهمية للطرفين للعديد من العقود، ولكن عندما بدأ الاتحاد السوفياتي في الانهيار في أواخر الثمانينيات، حولت القوى القومية القوية على كلا الجانبين ناغورنو كاراباخ إلى برميل بارود.

أعلن الأرمن العرقيون في الجيب الحدودي استقلالهم في عام 1991، واندلعت الحرب مع أذربيجان ، التي أصرت على حرمة حدودها، وتلقى أرمن ناغورنو كاراباخ ، الدعم من أرمينيا نفسها.

بحلول عام 1994، نجح الأرمن في طرد الجيش الأذربيجاني من الجيب والمساحات الشاسعة المحيطة به واضطر مئات الآلاف من الناس إلى الفرار من المنطقة.

ردود الفعل الدولية

دعا منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي ، جوزيب بوريل، إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية” وهي دعوة كررتها وزارة الخارجية الأمريكية و منظمة الأمم المتحدة.

ساندت تركيا أذربيجان بقوة، حيث وصف الرئيس رجب طيب أردوغان أرمينيا بأنها “أكبر تهديد للسلام” في المنطقة.

في الجانب المقابل، اتخذت روسيا نهجًا أكثر حذراً. في مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه من المهم “وقف العمليات العسكرية”، وفقًا لرواية الكرملين للمحادثة.

عرضت إيران – حليفة أرمينيا – التوسط قائلة إن طهران “مستعدة لاستخدام كل قدراتها للمساعدة في بدء المحادثات بين الجانبين”.

جهود وساطة سابقة

لأكثر من ربع قرن ، حاولت مبادرة سلام دولية، تُعرف باسم “عملية مينسك”، وفشلت في إيجاد حل للصراع حول ناغورنو كاراباخ بعد وقف إطلاق النار في المنطقة في عام 1994.

سعت مجموعة مينسك التي ترأستها فرنسا وروسيا والولايات المتحدة ، تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إلى منع الاشتباكات العسكرية والتوصل إلى تنفيذ تسوية سلمية، لكن سنوات من الجهود الدبلوماسية والبعثات المختلفة إلى المنطقة ، وكذلك إلى عاصمتي أرمينيا وأذربيجان ، ذهبت سدى.

كان هناك بصيص أمل قصير بعد لقاء باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف رسميًا لأول مرة في مارس 2019 ، وفي وقت لاحق في فبراير 2020 لإجراء مناقشة عامة في مؤتمر ميونيخ للأمن.

لسنوات ، رفض القادة الأرمنيون والأذربيجانيون الظهور معاً، وأوقفت جائحة الفيروس التاجي الجهود الدبلوماسية في وقت سابق من هذا العام.

ويوم الأحد الماضي، أصدر الرؤساء المشاركون في مجموعة مينسك بيانًا يدين أعمال العنف الأخيرة.

ماذا بعد؟

من السابق لأوانه تحديد المدة التي سيستمر فيها القتال أو ما إذا كان يمكن أن يتصاعد إلى حرب شاملة.

استمرت اشتباكات عام 2016 والمناوشات في يوليو / تموز بضعة أيام فقط، لكن الصورة ستتغير بشكل كبير إذا دخلت قوة عظمى الصراع ، لكن حتى تركيا اقتصرت مشاركتها حتى الآن على الحديث.

من جهتها، تزعم أرمينيا أن أنقرة قامت بنشر مقاتلين من شمال سوريا إلى أذربيجان ، لكن باكو أصدرت نفيًا سريعًا للمزاعم الأرمينية.

مصدر الترجمة

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock