رؤى

سر تفوق اليمين على اليسار في “الفيسبوك”

ترجمة وعرض: تامر الهلالي
طوال عام 2020 ، شجب الديموقراطيون الفيسبوك بشراسة متزايدة ووصفوه بأنه “غرفة صدى يمينية” ذات “تحيز محافظ” مما من شانه أن يعطي ميزة لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية في نوفمبر.

من جهته يزعم فيسبوك أن هناك أسبابا أخرى لزيادة التفاعل مع الشخصيات اليمينية. وترى الشركة أن الأمر ليس أن الخوارزمية الخاصة بها تفضّل أو تتحيز للمحافظين – فقد أكدت الشركة منذ فترة طويلة أن نظامها الأساسي محايد.

وتدعي الشركة أن اليمينيين والمحافظين أفضل في التواصل مع الأشخاص في مستويات عميقة.

ترامب والفيسبوك
ترامب والفيسبوك

شعبوية أكثر انخراطا

حين وُجِّه إليه سؤال عن لماذا تحظى صفحات المحافظين بمثل هذه التفاعلات العالية؛ قال مسؤول تنفيذي في فيسبوك، في مقابلة حديثة مع مراسلي بوليتيكو، إن الشعبوية اليمينية دائمًا ما تكون أكثر انخراطًا في مواضيع مثل “الأمة، الحماية، الآخر، الغضب، الخوف”.

وأضاف المدير التنفيذي: “كان ذلك موجودًا منذ الثلاثينيات. لم يتم اختراع هذا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي- يمكنك فقط رؤية ردود الفعل تلك التي انعكست في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يتم إنشاؤها بواسطة تلك الوسائل”.

ويضيف: “هذا هو السبب وراء أداء الصحف الشعبوية بشكل أفضل من صحف مثل فاينانشيال تايمز مثلاً”.

ويرى المدير التنفيذي أن ما يحدث في هذا الصدد شيء إنساني،  حيث عادة ما يستجيب الناس للانخراط في المشاعر أكثر بكثير مما يفعلون في حالة التغطية الجافة…. لم يتم اختراع هذا منذ 15 عامًا عندما بدأ مارك زوكربيرج فيسبوك”.

“في المرحلة الأخيرة من حملة 2020 الانتخابية ،.فإن منشورات Facebook التي تحظى بأكبر قدر من المشاركة في الولايات المتحدة في معظم الأيام – تقاس بالإعجابات والتعليقات والمشاركات وردود الفعل – تأتي من أصوات محافظة من خارج وسائل الإعلام الرئيسية مثل: دان بونجينو، بن شابيرو، ديفيد هاريس الابن، فرانكلين جراهام ومجموعة “Blue Lives Matter” ، وفقًا للأداة المملوكة لـفيسبوك  المعروفة باسم   Crowdtangle  والمعنية بتلك التقديرات .

كما أن صفحة ترامب الشخصية تتصدر القائمة بانتظام؛ مما يسمح له في الواقع بأن يصبح ناشرًا في حد ذاته ويتنقل عبر الوسائط التقليدية.

من ناحية أخرى يتراجع المحتوى اليساري، حيث المنشورات اليسارية تأتي يومياً بين ال 25 مركزاً الأدنى من حيث الانخراط والتفاعل والمشاركات .

من بين الصفحات التي تصل أحيانًا إلى مثل هذه المستويات من المشاركة وزير العمل السابق روبرت رايش و “احتلال الديموقراطيين” على الفيسبوك.

و أثار نمو المحتوى اليميني على المنصة غضب الليبراليين، الذين يتهمون عملاق وسائل التواصل الاجتماعي بالخضوع لليمين خوفًا من تصويره على أنه منحاز لليسار. كما أدت إلى تصعيد الشجار بين اليسار واليمين على مدار أسابيع الشبكة الاجتماعية قبل الانتخابات، حيث يحاول كلا الحزبين التأثير على سياسات المنصة.

وزير العمل السابق روبرت رايش
وزير العمل السابق روبرت رايش

مسرح محوري

بعد أن استفاد ترامب بشكل فعال من Facebook في عام 2016 للمساعدة في التغطية على الانتقادات الكثيرة، أصبح الموقع مسرحًا محوريًا في المعارك الانتخابية الأمريكية .

أنفق ترامب وبايدن أكثر من 173 مليون دولار على الإعلانات على المنصة حتى الآن، ومن المتوقع أن ينفقوا عشرات الملايين الأخرى، وفقًا لمتتبع الإعلانات السياسية للشركة (ترامب أكثر من 109 ملايين دولار وبايدن أكثر من 64 مليون دولار).

لكن الإعلانات ليست سوى ساحة معركة واحدة. يقاتل كلا الطرفان من أجل الحصول على معدلات مشاركة عالية فيما يسمى ب “المحتوى العضوي”، والذي يتم تداوله على نطاق أوسع، ويمثل في الأساس، الفرق بين “الإعلام المكتسب” – أو تغطية المرشحين من قبل قنوات ومواقع الأخبار – والإعلانات التلفزيونية المدفوعة.

هذا التركيز على المنشورات العضوية هو السبب في أن نجاح بونحينو وبنشابيرو قد تسبب في الكثير من الإحباط لدى اليسار، إلى جانب اتهامات بأن فيسبوك لديه تحيز للمتحفظين.

ترامب وبايدن والإنفاق على الفيسبوك
ترامب وبايدن والإنفاق في الفيسبوك

انتقادات يسارية

تقوم مجموعة “ميديا مانرز “Media Matters” الليبرالية، والمعروفة في الغالب بتتبع وسائل الإعلام التابعة للمحافظين، تقوم الآن بمراقبة 5250 صفحة ومجموعة على  Facebook، وخلصوا إلى أن تلك المجموعات إما مؤثرة أو مثيرة للقلق، وفقًا للمتحدث باسم المجموعة لورا كايتر.

و قال أنجيلو كاروسوني، رئيس الشركة: “هناك شيء ما على فيسبوك.. يلطِّف بشكل انعكاسي أو مقصود صورة الجناح اليميني”.

وقال آدم كونر، الذي عمل في فيسبوك في واشنطن من 2007 إلى 2014 وهو الآن نائب رئيس سياسة التكنولوجيا في المركز الليبرالي للعمل التقدمي الأمريكي، لـ ” بوليتيكو” إنه “من السخف أن يقول فيسبوك إن ما يحدث هذا مجرد شيء يتم تنفيذه بطريقة محايدة. هذا يبدو وكأنه تنازل عن المسؤولية.”

وأضاف أن” فيسبوك ليس مرآة، بل تعمل خوارزمية البث الخبري، newsfeed  كمُسرِّع لعملية وصول المحتوى.

من جهتها انتقدت حملة بايدن فيسبوك بسبب القول بأن نجاح اليمين على المنصة يعكس المجتمع ببساطة.

قال المتحدث باسم الحملة بيل روسو: “إن منصة فيسبوك.ك قد تكون مجرد مرآة ولكنها مرآة مثيرة.للضحك… هي مرآة  أدت إلى تحريف وتشويه عالمنا وسياساتنا إلى شيء بالكاد يمكن التعرف عليه، حيث تتفشى نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة وهو ما يجب علينا ببساطة قبوله. إنه خيار لإنشاء خوارزمية تغذي عدم الثقة والاستقطاب اللذين يمزقاننا”.

كان الجمهوريون ينتقدون فيسبوك بنفس القدر في الفترة التي سبقت الانتخابات. هذا الأسبوع ، تحدث ترامب إلى جانب تسعة مدعين عامين وقالوا إن الحكومة تراجع “خطوات قانونية ملموسة” ضد مواقع التواصل الاجتماعي للحد من وصول المحافظين” بناءً على حث اليسار المتطرف.

يقولFacebook  إن المحتوى الأكثر تفاعلًا ليس بالضرورة الأكثر مشاهدة – فالمواد السياسية، كما تؤكد الشركة، هي في الواقع نسبة صغيرة مما يراه الناس على المنصة. تمتلئ ملفات الأخبار الخاصة بالمستخدمين بمحتوى ثقافي غير حزبي أكثر مما توحي به قائمة المشاركة، وفقًا لرئيس قسم الأخبار في الشركة ، جون هيجمان.

لا يوفر فيسبوك بيانات عن المقالات والمشاركات التي تحقق أكبر قدر من الوصول للجمهور، لكنه يقول إنه يحاول إيجاد طريقة لجعل هذه المعلومات متاحة للجمهور.

بايدن وبيل روسو
بايدن وبيل روسو

مواجهة احتكار يساري

ورأى المسؤول التنفيذي في الشركة بأن الإحباط لدى اليسار، بشأن كيفية مواجهة الشعبوية اليمينية، هو مثال آخر على أن وسائل التواصل الاجتماعي تعكس ديناميكية قائمة، بدلاً من خلقها.

وقال المدير التنفيذي في فيسبوك: “إذا كنت من أنصار اليسار المتطرف فلماذا لا يمكنك محاربة النار بالنار؟” “هذا الجدل بين التقدميين – وأعتبر نفسي تقدميا من.يسار الوسط – قديم قدم التلال…. يسأل جميع الناشطين والسياسيين من يسار الوسط أنفسهم دائمًا، “لماذا لا يبدو أننا (نحن) نثير غضب مؤيديهم كما يفعل الشعبويون اليمينيون؟”

“يرى بعض المحافظين أيضًا بأنهم استثمروا في المنصة في وقت مبكر كحل بديل لوسائل الإعلام الإخبارية السائدة ذات الميول اليسارية”.

و قال جون بيكلي، رئيس تحرير موقع ذي دايلي واير The Daily wire المحافظ يوم الخميس: “ما يحدث حقًا هنا واضح لأي شخص منتبه: تريد وسائل الإعلام السائدة فرض رقابة على المحتوى من مصادر أخرى في محاولة لإعادة السيطرة على سرد الأخبار الذي فقدوه عندما فك الإنترنت احتكارهم”.

كان موقع The Daily Wire  أكبر ناشر إخباري على جميع صفحات فيسبوك في شهري يوليو وأغسطس من هذا العام عند قياسها من خلال عدد المشاركات، وفقًا لـموقعNewsWhip.

و أضاف بيكلي: “من المنطقي بالنسبة لي أيضًا أن يتفاعل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر مع المحتوى الذي يحتوي على منظور أوضح أو يتعامل بشكل أقوى مع القصص – وخاصة تلك التي تختلف أو تنتقدعن الروايات السائدة ذات العيوب الصارخة”.

وسجل بن شابيرو، رئيس التحرير المؤسس لـ The Daily Wire ، أكثر من 175 مليون مشاركة على صفحته على Facebook منذ 21 يونيو مقارنة بـ 27 مليون فقط لصفحة New York Times على Facebook ، بحسب CrowdTangle.

بن شابيرو ، رئيس التحرير المؤسس لـ The Daily Wire
بن شابيرو ، رئيس التحرير المؤسس لـ The Daily Wire

كراهية مزدوجة

بعد سنوات من اعتبار واشنطن فيسبوك مجرد وسيلة لتسلية ممتعة للفضول، يكافح مؤسسها ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرج لمواجهة في مواجهة وابل من الانتقادات حول دور فيسبوك في انتخابات عام 2016 والسياسة الأمريكية على نطاق أوسع.

ويهدد أعضاء كلا الحزبين بشكل متزايد بتفكيك ما يسمى بالمواد الدستورية المعروفة بمواد “الحماية 230”  والتي تحمي فيسبوك وشركات الإنترنت الأخرى من المسؤولية.

و قال جو بايدن المرشح الديمقراطي للانتخابات الأمريكية لهيئة تحرير نيويورك تايمز العام الماضي”لم أكن أبدًا من محبي فيسبوك، كما تعلمون على الأرجح. لم أكن أبدًا من أشد المعجبين بزوكربيرغ. أعتقد أنه يمثل مشكلة حقيقية. “يجب إلغاء القسم 230، ويجب إلغاؤه على الفور”.

من جهتها قدمت إدارة ترامب مؤخراً مشروع قانون لتقويض تلك الحماية.

ولا يزال الليبراليون يتألمون من الدور الذي لعبه فيسبوك في الهزيمة المفاجئة لهيلاري كلينتون، لكن الجمهوريين يردون بالقول إن الديمقراطيين لم تكن لديهم مشكلة مع الشركة في عام 2012 عندما سمح مهندسو فيسبوك لحملة أوباما بالالتفاف على بعض الضمانات الداخلية لحماية خصوصية المستخدم.

هيلاري كلينتون
هيلاري كلينتون

وقال ويل سانت كلير، الذي ساعد في كتابة برنامج حملة أوباما على فيسبوك، لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2013 ، إن فيسبوك “يتنهد ويقول: “يمكنك القيام بذلك طالما أنك تتوقف عن فعل ذلك يوم 7 نوفمبر”.

كانت الشركة، التي تمتلك قوى عاملة ليبرالية إلى حد كبير، في موقف دفاعي بشأن مزاعم الرقابة من الجمهوريين – كما اتُّهِمَت بأنها متساهلة في تطبيق قواعدها مع بعض الصفحات المحافظة الشعبية.

ويرى الديمقراطيون بأنه من السخف أن يزعم المحافظون أن فيسبوك يقمع المحتوى فيما العديد من صفحاتهم شائعة جدًا.

واجه موظفو فيسبوك زوكربيرج في الأسئلة والأجوبة على مستوى الشركة حول هذه الموضوعات، وقد عارض الرئيس التنفيذي قوته العاملة التقدمية.

قال زوكربيرج خلال أحد المنتديات في 18 يونيو، وفقًا لتقرير صدر موخراً  في موقع ذي فيرج The Verge: “المجتمع الذي نخدمه يميل إلى أن يكون، في المتوسط ، أكثر تحفظًا من الناحية الأيديولوجية، قليلاً من قاعدة موظفينا”.

وأضاف: “…. إذا أردنا فعلاً القيام بعمل جيد لخدمة الناس؛ علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هناك آراء مختلفة حول أشياء مختلفة، وأنه إذا كان شخص ما يختلف مع وجهة نظر ما، فهذا لا يعني بالضرورة أنهم يروِّجون للكراهية أو أن لديهم نوايا سيئة.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock