فن

ست الحبايب.. درة أغاني الأم

هي من تلك الأغنيات التي شكلت الوجدان العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، فبالرغم من كثرة الأعمال الغنائية التي صدحت بمديح الأم وحنانها على أبنائها، وشدا بها عدد من كبار مطربينا، نذكر منها: أمي الحبيبة، وأمي يا ملاكي لفيروز، ودويتو أحن قلب لمحمد فوزي ونازك، وماما يا حلوة لشادية، وأمي يا كلمة حب لوديع الصافي.. إلا أن “ست الحبايب” احتلت مكانة أيقونية بين أغنيات الأمومة جميعا، وصارت عنوانا على يوم عيد الأم، لا نكاد نتصور اليوم بدونها.

اجتمعت للأغنية كل عناصر النجاح، من كلمات حسين السيد العامية البسيطة التي تدخل القلب مباشرة، ولحن شجي سهل مطرب من محمد عبد الوهاب، وأداء متمكن حساس من فايزة أحمد.

الأغنية بصوت فايزة أحمد

       ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحي ودمي

يا حنينة وكلك طيبة.. يا رب يخليكي يا أمي

يا ست الحبايب يا حبيبة

زمان سهرتي وتعبتي.. وشلتي من عمري ليالي

ولسة برضو دلوقتي.. بتحملي الهم بدالي

أنام وتسهري.. وتباتي تفكري

وتصحي من الآدان.. وتيجي تشقري

يا رب يخليكي يا أمي يا ست الحبايب يا حبيبة

تعيشي ليا يا حبيبتي.. يا أمي ويدوم لي رضاكي

أنا روحي من روحك انتي.. وعايشة من سر دعاكي

بتحسي بفرحتي.. قبل الهنا بسنة

وتحسي بشكوتي.. من قبل ما احس أنا

يا رب يخليكي يا أمي يا ست الحبايب يا حبيبة

لو عشت طول عمري أوفي.. جمايلك الغالية عليا

أجيب منين عمر يكفي.. والاقي فين أغلى هدية

نور عيني ومهجتي.. وحياتي ودنيتي

لو ترضي تقبليهم.. دول هما هديتي

يا رب يخليكي يا أمي يا ست الحبايب يا حبيبة

يستخدم الشاعر الغنائي الكبير حسين السيد مفردات سهلة، يستخدمها الناس في الواقع عندما يريدون أن يعبروا عن امتنانهم لأمهاتهم، ويصوغ الكلمات في عبارت قصيرة رشيقة، لا تحتاج إلى أي جهد لإدراك لاستيعاب معناها: أغلى من روحي وقلبي.. زمان سهرتي وتعبتي.. يا رب يخليكي يا أمي.. تعيشي لي يا حبيبتي.. يدوم رضاكي.. ولعل هذا هو السر الأول في انتشار وخلود هذه الأغنية.

وأما محمد عبد الوهاب، فقد استند إلى خبرته الكبيرة بالجمهور، ووضع لحنا يجمع بين السهولة والشرقية، والطرب، والتعبير في آن واحد، وابتعد عن الإسراف الآلى، واختار أكثر المقامات شعبية وقربا من قلوب الناس “البياتي”، وبعد جملة قصيرة تعزفها الوتريات، يدخل الناي مصحوبا بإيقاع المقسوم، تمهيدا للغناء.

وتعمد عبد الوهاب إخلاء اللحن من الانتقالات النغمية المعقدة على غير عادته، فاللحن كله على مقام البياتي، مع تحويلة إلى الحجاز عند “أنام وتسهري وتباتي تشقري”، ثم ما يلبث أن يعود إلى البياتي مع “يا رب يخليكي يا أمي”، وهو ما يتكرر في كل أغصان الأغنية، التي التزم خلالها أيضا بإيقاع المقسوم دون تغيير.. ومن المؤكد أن هذا اللحن كان له الدور الأكبر في المكانة التي نالتها هذه الأغنية.

عبد الوهاب يغنيها على عوده

يوم 21 مارس عام 1958، انطلق صوت فايزة أحمد عبر الأثير يغرد بست الحبايب، وقد جاء غناء فايزة للأغنية جميلا أخاذا متمكنا، يتبدى إحساسها بالكلمة في كل ألفاظ الأغنية، كما تُظهر سيطرتها على مخارج الحروف بدرجة كبيرة، لاسيما حرف “الحاء” الذي تكرر كثيرا في الأغنية، وركزت عليه مطربتنا الكبيرة، كما يلاحظ المستمع تلك التنهيدات الخاطفة التي تنفذها فايزة في ابتدائها لبعض الكلمات، مما زاد في شحنة الشجن الذي تفيض به الأغنية.. لقد عاشت “ست الحبايب” ستين عاما، محتفظة بالمكانة الأولى بين أغنيات عيد الأم، وهي مدة كافية للحكم بأنها من خوالد الغناء العربي الحديث.

هيثم أبو زيد

كاتب وباحث مصري

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker