رؤى

هل يختلف شباب الإخوان عن شيوخهم؟

مع مطلع عام 2011، ومع نزول الملايين إلى ميدان التحرير، أثيرت تساؤلات كثيرة حول موقف جماعة الإخوان من الثورة، لاسيما مع تصريحات واضحة لأكثر من قيادي في الجماعة يؤكد مقاطعة الإخوان للتظاهرات.. في تلك الأجواء بدأت فكرة التفريق بين قادة الإخوان وشبابهم في الظهور والانتشار.. وتعززت هذه الفكرة مع وجود مئات من شباب الجماعة في الميدان، حيث احتكوا لأول مرة بشباب من قوى سياسية مختلفة، وأظهروا قدرا كبيرا من دقة التنظيم والتعامل بلطف مع مختلف الفئآت الثورية.

لكن حقائق التنظيم تخالف هذه الانطباعات السريعة، فشباب الجماعة هم ثمرة جهد الشيوخ، وهم نتاج قواعد التنظيم في اصطفاء الأعضاء، ووضعهم في مستويات تنظيمية، وتلقينهم الركائز الأساسية التي قامت عليها الجماعة من سمع وطاعة وثقة كاملة في القيادات، وتعظيم الشيوخ حد التقديس.

الثقة في القيادة.. حجر أساس يقوم عليه تنظيم الإخوان، وهي ثقة مطلقة عمياء، يستطيع بها قادة التنظيم إقناع الأفراد بأي فكرة وأي معلومة مهما كانت خاطئة أو مستحيلة، ويمكن لقادة الإخوان تلقين شباب الجماعة كلاما قد سمعوا ما يناقضه من نفس القادة سابقا، ولا يجد الشاب الإخواني في نفسه أي أثر للتناقض، وإذا وجده اجتهد في طرده، وفي اختلاق التبرير الذي يريح عقله وقلبه.

يمثل الإخوان دائما لأهمية الثقة المطلقة بتخيل الجماعة هرما ضخما، فكلما ارتقى القائد إلى منطقة أعلى في هذا الهرم كلما انكشفت له حقائق ليست منكشفة لمن هم دونه، حتى إذا وصلنا إلى ذروة الهرم، وقمته العليا، حيث يتربع المرشد ومكتب الإرشاد، فإن الانكشاف يكون كاملا، والرؤرية شاملة، مما يرتب أن تكون القرارات صائبة، والطاعة واجبة وحتمية مع الثقة التي لم تأت من فراغ.

يُصنع شباب الإخوان على أيدي شيوخهم: يكونون آراءهم، شخصيتهم، طريقة تفكيرهم، حياتهم الاجتماعية، نظرتهم السياسية، دراستهم الشرعية، تعاملهم مع القرآن الكريم، والحديث النبوي.. كل هذا من خلال مناهج مركزية معتمدة من قبل قسم التربية في الجماعة.. لذا، فإن شباب الإخوان يمثلون حقيقة الجماعة فكريا وسياسيا.

ليس لشباب الإخوان تمرس سياسي، ولا حنكة إعلامية.. فإذا أراد باحث أو دارس أن يعرف موقف الإخوان من العنف، أو من المرأة، أو من الأقباط، أو من التعددية السياسية، أو من الدولة الحديثة.. فعليه أن يتوجه بأسئلته إلى شباب الإخوان في القرى والمراكز والأحياء الشعبية في القاهرة والجيزة.. سيخبره هؤلاء الشباب بما تعلموه، وسيتكلمون بأريحية عن تصوراتهم لشكل الخلافة، ومعنى العدالة، وعن مدى تأييدهم لتنظيمات عنفية في أنحاء العالم.

أما قادة الجماعة، من المتمرسين، فأكثرهم يتقن المراوغة، والإجابات المميعة.. ولنحو ربع قرن، صرفت الجماعة للأوساط الإعلامية متحدثين من رموزها، هما عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان، كان الرجلان ممن يجيد مخاطبة القوى السياسية، ويعرف أثر الكلمة وتداعياتها.. لكنهما لم يمثلا أبدا حقيقة تنظيم الإخوان الفكرية، ولا ما يتربى عليه الأفراد في المحاضن المغلقة من أفكار التكفير والعنف المؤجل، واعتبار تنظيم الإخوان جماعة ربانية تمثل الإسلام الحق.. أما المتحكمون بالتنظيم من المرشدين وكبار القادة، فكان لكل منهم كوارثه عند التعامل مع وسائل الإعلام.. على سبيل التمثيل نذكر تصريح مأمون الهضيبي: نحن نتقرب إلى الله بأعمال النظام الخاص.. أو كلام مصطفى مشهور عن فرض الجزية على الأقباط.. أو كلام محمد مهدي عاكف عن عدم اعتراضه على أن يحكمنا مسلم ماليزي.

أما حقيقة ما نشأ عليه شباب الإخوان، فلم تظهر إلا بعد الثلاثين من يونيو، عندما فقدت الجماعة الزخم القيادي، وانقطع التسلسل الهرمي بسبب الملاحقات الأمنية.. هنا مارس شباب الإخوان كل ما اختزنوه عبر سنوات من عنف عملي ولفظي، وتكفير لكل من خالفهم أو وقف ضدهم، أو رفض عودة رئيسهم المعزول.

من يدرس مناهج الإخوان التربوية، يعلم أن الجماعة تستبيح أن يكذب قادتها في وسائل الإعلام، لكنها في نفس الوقت تنبه على شبابها أن أحاديث القادة في وسائل الإعلام لا قيمة لها، وأن مصدر التلقي الوحيد لا يكون إلا عبر الطريق التظيمي المسلسل.

لكل ما سبق، فالواقع يقرر أن شباب الإخوان، لا يختلفون في كثير ولا قليل عن شيوخهم الذين ربوهم، وعلموهم الطاعة والثقة، بل إن هؤلاء الشباب يكنون أشد تطرفا وانغلاقا وعنفا في الفعل والقول إذا فقدوا التواصل مع قادتهم وشيوخهم.. فربما كان القادة والشيوخ أبصر بالمآلات الخطيرة لبعض تصرفات الشباب الحمقاء.

هيثم أبو زيد

كاتب وباحث مصري
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock