“إذ بنا ندرك بغتة أن في الأعماق منا أشياء غامضة عديدة، حكايا لم ينفذ إليها شعاع ولم تضئ بعد، شوارع خلفية في نفوسنا هي عالم بأسره غريب عنا، يعيش فيها حلم صغير جامح لم يتحقق”.
هكذا وصف أديبنا عبد الرحمن الشرقاوي ما كان يريد أن يحكي عنه في بداية روايته (الشوارع الخلفية)، لم يكن الشرقاوي يعلم أن هناك من هو آت بعد سنوات ليحقق أحد الأحلام الصغيرة الجامحة لكل من يحمل بداخله فنًا، يعبر بخطوط النور بلاد العالم ويأتي منها بأهل الفن يتحلقون في شوارع الأسكندرية وينفذون بشعاعهم إلى حكاية من أجمل ما يمكن تقديمه ..”حكاية البهجة”.
هذه رسالة الدورة الخامسة من مهرجان الشوارع الخلفية، الذي احتضنته شوارع الاسكندرية عروس البحر المتوسط هذا الأسبوع تحت شعار “مشروع البهجة”، بمشاركة فرق فنية من 12 دولة، تنوعت عروضها بين المسرح والسينما والموسيقى وفنون السيرك، ولاقت تجاوبا واسعا من جمهور متفاعل انطلق في الغناء والرقص معهم في سعادة ونشوة، بل شارك بعضهم بالتمثيل في العروض التفاعلية.
وأوضح د.محمود أبو دومة مدير مهرجان الشوارع الخلفية لـ”أصوات” أن فكرة المهرجان جاءت بمبادرة من المؤسسة الدولية للإبداع والتدريب (آي – أكت)، تستلهم واقع الشارع وكيف يمكنه أن يعكس طبيعة ومشكلات المجتمع. وتابع: “الهدف الرئيسي للمهرجان هو نشر البهجة وتحقيق ما يبحث عنه الجمهور من سعادة، عبر السخرية المحببة التي تولد لدينا موقف من العالم ومن أنفسنا، لذا روعي في اختيار الفرق المشاركة أن تتوفر في العروض المقدمة القدرة على نشر البهجة ورسم الابتسامة على وجوه الجمهور”.
تنوعت عروض المهرجان بين عروض السينما، مثل أفلام “الغموض الساحر” من ألمانيا و”الحلم يحدث ألآن” من فرنسا و”فادوس” من أسبانيا، وعروض الموسيقى مثل “غاية في السهولة” من السويد و”أسياد الزار” للغناء الفلكلوري المصري، والعروض المسرحية مثل “أندرويد” من المجر و”أن تمتلك أو لا تمتلك” من هولندا، و”لاس كوساز نوسترا” من أسبانيا، ومسرح العرائس الذي قدمته فرقة مسرح الساقية للعرائس. وجمعت عروض أخرى بين الحكاية وفنون السيرك والباركور في إطار درامي مثل “عربات التسوق” من أستراليا و”سينما باراديس” من اليابان و”بِسس بِسس” من سويسرا، إلى جانب عروض متجولة مثل “المسافر عبر الزمن” من النمسا. وتعددت أماكن العرض بين تياترو الإسكندرية ومركز الجيزويت الثقافي ومدرسة سان جبرائل والمعهد الفرنسي والقنصلية الأسبانية بالأسكندرية، في محاولة لاستعادة سحر مدينة الأسكندرية واحتضانها لفنون العالم في شوارعها.
وسعت إدارة المهرجان لاختراق جوانب أخرى من عالم الفن في هذه الدورة من حيث الوصول لعدد أكبر وأكثر تنوعًا من بلدان العالم مع توفير عناصر الجذب للشباب المستهدف من المهرجان، وتنوع العروض رغم استمرار الغلبة للمسرح كفَن جماعي يحيا بجماعيته وتليق بعض عروضه بالتقديم في الشارع إلى حد كبير.
ويقول مؤديا عرض “المسافر عبر الزمن” من النمسا سابين مارينجر وجيرالد لامبرخت لـ”أصوات” أن أكثر ما جذبهما للحضور وتقديم عرضهما هو فكرة مهرجان الشارع الذي لم يسمعا بوجوده في مصر من قبل، فضلا عن تشوقهما لرؤية الحضارة المصرية العريقة. وأضافا: “درجة الترحاب والتفاعل من الجمهور أثناء تقديم العرض أو التعامل مع المصريين عامة كانت مذهلة، فالشعب المصري برصيده الحضاري اعتاد تلقي الفن وتقدير الجيد منه، خاصة فن الشارع الذي لا يزال فكرة مختلفة لمعظم الناس في أنحاء العالم، وإن أخذت في الانتشار أخيرا بما يحققه جمع الفن والناس في الشارع من تجاوب وتفاعل.
ويطمح المهرجان أن يجذب مزيدا من العارضين من أنحاء العالم في دورات مقبلة تكسر الحواجز بين الثقافات المختلفة، وتجمعهم مع الجمهور تحت ألوية الفن والحضارة، بما يسهم في نشر فكرة فنون الشارع بكل ثرائها، لنقطف منها ثمار “مشروع البهجة”.