أن تحدث الدراما صدمة يعلو ضجيجها ما عداها، من صخب سياسي وأزمات دولية معضلة وتحديات اقتصادية مرهقة، لهو داع للوقوف ومحاولة التفتيش في تفاصيل الاجتماع الإنساني الذي تسرح أمراضه في الجسد الشرقي، دون أن يصل بعد لتشخيص دائه ومن ثم وضع أدوية ناجعة للتخلص منها.
تدور في غرف المنازل المغلقة أزمات عاصفة لا تقف مصادرها عند لقمة العيش ومحاولات التأمين المادي، واللهث وراء الثراء، بل تعود للعلاقات الإنسانية الخالصة، والأمواج العاصفة التي تضرب صرح العلاقات الزوجية، وهي قادمة من روافد نفسية متجذرة في الكوامن الوجدانية والعقول الباطنة.
مسلسل «أنا شهيرة… أنا الخائن»، من تلك النوعية الدرامية التي أثارت لغطا كثيفا وتجاذبات عنيفة، لم تدر رحاها فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل امتدت لتصل لنقاشات على المقاهي ووسائل المواصلات ومكاتب العمل والجلسات البينية.
خطفت الكاتبة، نور عبدالمجيد، متابعي المسلسل بعنوانه الذي يشير إلى بطلي العمل: أولهما “شهيرة”، والثاني زوجها رؤوف “الخائن”.. ظل المشاهدون في انتظار الإجابة على سؤال: كيف لهذا الزوج الطيب المثالي أن يخون زوجته الجميلة المخلصة؟.. إلا أن النهاية كانت صادمة.
يبدأ المسلسل بمتابعة الكاميرا لشهيرة ذات الجمال المصري القحمي الأخاذ، والتقاسيم البسيطة الفاتنة، وهي تلهث ليلًا في إحدى شوارع مصر الجديدة، بثيابها البسيطة الأنيقة.. صوت الشهيق والزفير يخترق السمع.. حتى تصل إلى منزل قديم تقتحم أبوابه حتى تجد والدها حضرة الناظر، مدحت عبدالرحمن، يجلس مرتديًا بيجامة ويمسك بالمصحف متمتما بآيات القرآن وأمها بجواره تمسك بالمسبحة .. تنظر لهما بدهشة ممزوجة بالخوف والشعور بالذنب وانتظار ردة الفعل القاسية، تبادلها أمها بنظرة غضب ممزوجة باحتقار وازدراء، وكذا والدها الذي تزداد نظرته سخطا وغضبا.. ثم يتركان المكان ويذهبا غاضبين… لكن هذا المشهد لم يغير شيئا من توقع المشاهدين لما سيحدث.
تبدأ الحكاية الأولى لشهيرة، والتي تستمر 30 حلقة كاملة، وهي تحكي قصتها أمام نور عبد المجيد، في مكتبها، ثم يستمر المسلسل 30 حلقة أخرى، بعد ما يقوم زوجها برواية قصته في 30 حلقة أخرى، وهو يجلس على نفس المقعد.
إبداع “نور” يتجلى في ثنائية القصة ذاتها التي يرويها الطرفان، ليس من خلال وجهة نظر كل منهما فحسب، بل لتضرب في الجذور النفسية لكليهما من بعيد، حيث المنشأ والطفولة، فتكتمل الصورة مرسومة كاملة في النهاية، ليتضح لكل طرف أن في كوامن الطرف الآخر ما لم يكن يعرفه، وربما لم يكن يتفهمه .. فما كان يراه خيانة يظهر في النهاية أنه لم يكن كذلك.
للحقيقة وجوه كثيرة .. فشهيرة نفسها تحكي وهي تحاول أن تنزع عن نفسها شعور الضحية أو المجني عليها، وتسأل: هل يا ترى لو أن اثنين حكوا نفس الحكاية ستكون هي نفسها الحكاية؟
كثيرا ما يبدأ القهر الأسري من حرمان المرأة من ميراثها .. عاشت شهيرة كبنت وحيدة لأبويها، في أسرة متوسطة الحال، رباها والدها على قيم نبيلة، لكنها لاقت عقبات عندما حاولت أن تفتح لنفسها صيدلية لم تجد ثمنها، فتذكرت أن لأمها ميراثا بعشرات الأفدنة لدى خالها “عثمان” أحد أعيان محافظة الشرقية، فطالبت أمها بالمطالبة به، وأبديت استغرابها، فلماذا تصمت الأم عن المطالبة بحقها من أخيها الذي حرمها من مالها وهو مرتاح الضمير؟
علاقة الأم الطيبة بأخيها عثمان مركبة.. فهي تحبه وهو يحبها.. إلا أن لسانها يعتقل في كل مرة تحاول أن تفاتحه في قضية ميراثها.. وعثمان هذا شخصية يكثر أمثالها في صعيد مصر وفي الوجه البحري.. حنون وطيب.. لا يبخل على أخته بالهدايا والعطايا.. ومستعد في كل لحظة أن يقف بجانبها في كل أزمة تمر بها.. لكن لديه قناعة راسخة ومتوارثة بعدم أحقية البنت في ميراث أرض أبيه وأجداده.
أما الأب، حضرة الناظر مدحت عبدالرحمن، فهو يرفض مبدأ مطالبة الخال بالميراث.. يترفع عن ذلك.. لا تتسم علاقته بالخال بالود.. يرى أنهما مختلفان تماما.. هو يرفع من مقدار القيم والعلم، فضلا عن أنه كان يرى أنه لا يصح بحال من الأحوال تعريض صهره وشقيق زوجته للوقوف أمام المحكمة.. أما الخال فلا يرى من ذلك شيئا نافعًا بل الثروة والوجاهة.
ذات يوم زار “عثمان” أخته، فأوصته وهي ترنو إليه بنظرات مودعة: “شهيرة بنتك يا عثمان زي وردة.. أنت مش أخويا بس أنت أبويا يا عثمان”.. شعر بشيء مختلف هذه المرة فأجاب: “في عنيا يا راوية” .. تموت رواية في ليلتها بدون مقدمات.. بكى الخال بكاء حارا وانتحب بشدة.. لكن ذلك لم يكن موقظا لضميره، عندما ذهبت إليه شهيرة، في عزبته في الشرقية، لتحدثه عن حاجتها لفتح الصيدلية، بعد أن رأت فيلته وثروته.
احتفى عثمان بشهيرة.. وأخرج شيكا بــ50 ألف جنيه مساعدة منه لها، إلا أنها رفضت تسميتها بالمساعدة «ميراث أمي حق ياخالو وليس منة».. انتفض الخال: لا حق لك عندي، إذا كانت هدية فلا بأس.
خرجت منكسرة مطرودة، فأسرتها في نفسها.. هل الكبرياء نعمة أم نقمة؟.. هل السكوت عليه كرم أم ضعف؟ الرضا صعب ومؤلم يخنق الروح في الضلوع.. من هنا تبدأ بذرة الانتقام في النمو حتى تكبر فتصيب كل من حولها.