منوعات

فن التفكير .. القواعد الست لصياغة الفكرة

ليس لدى أي منا معضلة في ممارسة التفكير، غير أن ممارسته كفن ربما لا تكون متاحة لكل أحد، وإن اشترك الجميع في كون تفكيرهم هو انعكاس للروابط والعلاقات بين الأحداث والظاهرات والأشياء المصاحبة لحياة الأفراد، معتمدا على الخبرات والمعلومات التي حصلوها عبر حياتهم اليومية.

يتمايز الناس فقط في كيفية استعمال هذه المدخلات “الخبرات والمعلومات” للوصول إلى المخرجات “الأفكار” التي تقوم على أساسها أعمالهم، أما المتمايزون فهم قلة تمارس التفكير كعملية فنية تثير دهشة الآخرين وإعجابهم.

 قد لا نستطيع الإمساك بجميع عناصر هذه العملية، لكن يمكن أن نرصد بعضها، من أجل زيادة فاعلية عملية التفكير:

ــ أي فكرة هي أداة للفهم أو حيلة للتعقل أو وسيلة للتغيير، والتعامل معها بعيدا عن كونها أداة أو حيلة أو وسيلة، كأن تتحول إلى شعار أو مثل أو راية جامدة فهذا يفقدها حيويتها ويدخلها طور الذبول فالموت، لتصبح غير ذات نفع، أما دلالة حيويتها فلا تتوقف فقط على نفعها للفرد عبر الفهم أو التعقل أو التغيير بل من خلال توليدها لأفكار جديدة بعد مزجها بالواقع ليدخل عليها تعديلا أو يولد منها فكرة تتجدد بها خلاياها فتمتد بها الحياة.

ــ هذا يعني أن الفكرة هي توأم الواقع الملتصق، لا انفصال للفكرة الفاعلة عن الواقع منذ النشأة، واتصالها الدائم به لا يعني تغييرا بالواقع فحسب، بل استمرار خلقها ودوام فاعليتها، فالفكرة الفاعلة أنت تبنيها لتُعيد هي بناءك، تخلقها فتعيد هي خلقك.

ــ وأنت تشكل الفكرة عليك أن تنتبه إلى الأبعاد غير المرئية، كبعد الزمن، وألا تحاصر عقلك بتلك المعادلة الاستاتيكية الجامدة “إما. . أو”، أي أن تتسم بالمرونة اللازمة لأي عمل ناجح.

ــ اسع دوما إلى الفكرة التي تدفعك دفعا للأمام، ببثها القلق في نفسك، وإثارتها المشكلات في عقلك، أنت مدعو أمامها لأن تُعمل فكرك، وتُنشط خيالك، وتخمن وتحدس، وتفهم لتفسر، أما الفكرة التي تبعث الطمأنينة فيك فهي فكرة بليدة لا تدفع بك خطوة واحدة في أي اتجاه، بعكس الأولى التي تلهب نوازع الحركة لديك، بعد أن تداعب بأناملها الخشنة تلافيف عقلك فتؤرقه ليستنفر قدراته في محاولة البحث عن الإجابة. بسعيك الدائم وراء هذه الفكرة أنت مدعو لتغيير عالمك إلى الأفضل.

 ــ أفكار كالتجديد والإحياء ومشتقاتهما تحد طاقاتك، وتحاصر قدراتك، وتحبس إمكانياتك، وتضع حاجزا بينك والإبداع، لذا فاطلاعك على القديم (أو نتاج الآخر) لا لإحيائه أو لتجديده أو لتعديله، بل لتجاوزه، باعتناقك هذه الفكرة تفسح المجال واسعا أمام قدراتك الإبداعية.

ــ لا انفصال بين عالم المعقول وعالم اللامعقول، فاللامعقول يصير معقولا بعد عقلنته. هذه الرؤية تهدم السور الفاصل بين العالمين، ليمارس الفرد معقوليته، لا بالابتعاد عن اللامعقول وإقصائه بل بالاشتباك معه وعقلنته، وباعتناق هذه الفكرة تفرد لفاعليتك عالما بأكمله.

توفر هذه الحزمة الإمكانية لمضاعفة فاعلية التفكير وزيادة المساحة التي يتحرك فيها عقلك، كذلك تساعد على إنماء القدرة الإبداعية، لكن لعلها لا تعفي من يأخذ بها من الشقاء الذي يراه ألبيير كامو مصاحبا للتفكير ولا التعاسة التي اعتبر كيريكجارد التفكير أكبر مصادرها.

محمد السيد الطناوي

كاتب و باحث مصري Mohamed.altanawy1@Gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock