حوار: سماح عبد السلام
بعد رحلة طويلة مع الخزف امتدت لقرابة 60 عاماً يكشف لنا الفنان الكبير محيي الدين حسين أحد رواد الفن المصري المعاصر في الخزف والنحت عن أسرار عشقه لفن الخزف الذي أسس به موقعاً ريادياً ولعب دورًا هامًّا في نشر الوعي لمفهوم الخزف المعاصر من خلال التأسيس لفعاليات محلية ودولية خاصة بهذا الفن.
غالباً ما تثير المتلقي منحوتات “محي الدين حسين” وأعماله من الخزف النحتي والمتعلقات التي تجمع حس التصوير بكل أبعاده، بحس نحات ومصور فى الوقت ذاته، مع تقنياته العالية في الجليز، لتعكس عالما خاصا لفنان مثابر منذ بدايته، لم يتسن لأى فنان غيره أن يشاركه فيه.
من المعروف أن التصوير يكون بالفرشاة، لكنه وحده محي الدين يقدم تصويراً بخامات الخزف، من الطلاءات الزجاجية والأكاسيد المعدنية. كما جمع محي الدين حسين بين النحت والخزف اللذين برع فيهما، وهنا يقول: “الخامة التي استعملها هي خامة الخزف بمعنى: الطينة والطلاءات الزجاجية والألوان والأكاسيد المعدنية، الطينة الطبيعية التي جاءت من الأرض. أرى أن الخزف خامة واعترض على من يقول فن الخزف. الخزف خامة يمكن أن يستخرج منها إناء الخزف، واللوحة الخزفية وتمثال الخزف، لكن الفن نفسه يقع على المنتج”.
بدأ “محي الدين حسين” بدراسة النحت، ثم غير مساره لدراسة الخزف، وعن ذلك يقول: “فى البداية لم أكن اعرف الخزف وكنت أمارس بمدرسة الإبراهيمية الثانوية فن النحت والرسم. لم يكن بالمدارس أفران لحرق الخزف، وخلال دراستي الثانوية قمت بنحت تمثال طوله 3 أمتار لسيدة تحمل كرونة ورد للشهداء، تعبيرا عن الكفاح آنذاك ضد الاستعمار. نحت وجهاً مصرياً جميلا لفتاة ممشوقة القوام ترتدى طرحة. بعد ذلك لم يكن هناك مفر من توجهي لدراسة الفن بعد الانتهاء من دراستي الثانوية، وبالفعل التحقت بمعهد الموسيقى وكنت أعزف على آلة الكمان منذ الطفولة، لكن أتجاهي الأكبر كان للفنون، ثم أتجهت لدراسة الفنون التطبيقية. لم أكن أعرف الخزف، فقد كنت في ذلك الوقت انحت التماثيل وأرسم اللوحات، ونحت تمثالين لوالدي ووالدتي. وكان لي ورشة بالمنزل أعمل بها، رسمت لوحات وقمت ببيعها خلال فترة الدراسة الثانوية وكان نشاطي يرتفع فى الأجازات، وعندما التحقت بالفنون التطبيقية تحدد اتجاهي”.
يرى البعض أن الخزف أصل الفنون وليس النحت كما يتردد دائماً، لكن محي الدين يرى أن هذه جملة فلسفية، ويتساءل: “من الذى يخبرنا عن الأصل؟.. يقولون عن النحت أبو الفنون، والعمارة أم الفنون، والخزافون يقولون إنهم سجلوا الحضارة قبل التاريخ. كل هذا لا يشغلني، فأنا أنشغل بفني، وألخص كل ذلك بالقول: إنى أقدم فن بخامات الخزف”.
يرفض محي الدين الانتماء لأى اتجاه فني أو مدرسة معينة، ويؤكد: “لست مؤمنا بالتصنيفات الفنية لأنها تقيد من حرية الفنان، وأعمالي ليست متشابهة، فلست من الفنانين الذين يعملون على تيمة واحدة، كل عمل بالنسبة لي يعتبر جديدا، وفي النهاية يربطهم خط واحد لكنه غير مقصود”
وعن رؤيته لفن الخزف مقارنة بالمجالات الأخرى، يجيب: “للأسف أراه فناً متأخراً ومهملاً جداً، لأنه فن صعب في العمل يتطلب توفير مكان وفرن، لدينا فنانون تخصصوا في الخزف، لكنهم تركوه إلى فن اللوحة”. ويتابع: “مجال الخزف ضيق في كل النواحي، ومقتنوا الخزف قليلون مقارنة بالمجالات الأخرى، تتجلى الصعوبة أيضاً في النقل، لذا لا يمارس هذا الفن الكثير، وأنا من قليلين أصروا على الاستمرار في هذا المجال”.
تأثر محي الدين بالفنان حامد سعيد، يقول: استفدت من علمه بعد تخرجي من الجامعة رغم أنه ليس خزافاً لكنه فنان مثقف يرسم بالقلم الرصاص والفحم، وعلاقتي به بدأت عندما طُلب مني بحث عن الفخار الشعبي، وبالفعل قمت بهذا البحث الذي نال إعجابه.
ويضيف: “تأثرت أيضا بالفنان سعيد الصدر صاحب الوعي الجديد بالتراث الخزفي الإسلامي والشعبي، وهو يمتلك جماليات خاصة في الآناء والبريق المعدني، وأعماله محببة لي، وكان يحرص على زيارة معارضي ويجمع الفنانين ليشرح لهم أعمالي”.