واحدة من أشهر الاقتباسات المأخوذة عن كاتب الخيال العلمي والمتنبئ “آرثر سي كلارك” قانونه الثالث الذي ينص على أن: “أي تكنولوجيا متقدمة بشكل كاف لا يمكن تمييزها عن السحر”.
بالنسبة لمعظمنا فإن كفاءة محركات البحث في القرن الحادي والعشرين (مثل جوجل وياهو وغيرها) دقيقة بشكل مذهل كالسحر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعلم، فإن هذا الإشباع الفوري يمكن أن يكون عيبا بقدر ما هو ميزة.
على سبيل المثال طلاب المدارس الثانوية اليوم، الذين نشأوا على استخدام محركات البحث وغيرها من المواقع منذ الصغر، لا يحتاجون إلى فهم كيفية عمل هذه الأدوات من أجل استخدامها. يرجع الفضل في ذلك إلى ما يسمى بالتعلم الآلي، حيث يمكن لمحركات البحث والبرامج الأخرى أن تصبح أكثر دقة ذاتيًا حتى أن مبرمجيها قد لا يكونوا قادرين على توضيح السبب.
خداع الجمهور
ما المشكلة إذن في أن تنشأ الأجيال الجديدة على استخدام تلك الأدوات بشكل فطري دون معرفة آلياتها؟. تكمن المشكلة في أن تلك الأدوات تشبه الساحر الذي يعتلي المسرح مستخدمًا آليات مخبأة بشكل متقن لخداع الجمهور، وبالتالي فإن على الجيل الجديد أن يعرف خبايا تلك الآليات الخفية في محركات البحث لتجنب المعلومات المغلوطة، تمامًا مثلما يلعب الطفل أي رياضة بشكل فطري ولكنه يكون بحاجة إلى التدريب لتجنب الإصابات وإضاعة الجهد، وهنا تكمن أهمية تدريس مهارات البحث لكل الناس وبالأخص طلاب المدارس.
على الرغم من قوة محركات البحث الحديثة، إلا أنها لا تقوم دائمًا بتصفية المعلومات المغلوطة، أو حتى المزورة، طالما أنها تحظى بشعبية كافية، ورغم أن وسائل المعرفة التقليدية مثل الصحف والمجلات والكتب كانت أحيانًا تنقل المعلومات غير المدققة أيضًا، إلا أننا كنا نختار المصادر الموثوقة بدءًا من الصحف وحتى الموسوعات الضخمة ونحن على دراية بانحيازاتها المحتملة.
نتائج متحيزة
أما الآن فإن تصنيفات محركات البحث هي نتيجة لعمليات غامضة ومجهولة لا ندري مصدرها، فيما تبدو لأغلبنا وكأنها موثوقة ما يخفي أحيانًا زيف المعلومات أو انحيازها.
أحد أسباب ذلك أن محركات البحث مصممة لتستجيب لما تعتبره أو تتوقع أنه قيم لدى مستخدميها. على سبيل المثال، سيؤدي البحث عن معلومات حول الطب البديل إلى ظهور نتائج بحث مختلفة في الدول المختلفة اعتمادًا على مواقف النخب الطبية والمرضى بها. أما إذا أشارت محاولات بحثك السابقة إلى موقف سواء مؤيد أو معارض لموضوع ما، فقد تأتي نتائج البحث متحيزة لتعطيك المزيد من النتائج في الاتجاه الذي تتبناه بدلا من أن تعطيك نتائج البحث الأكثر علمية.
أحيانًا أيضًا يتم رفع تصنيف نتائج معينة في ترتيب البحث ليس بسبب الموقع الجغرافي أو تاريخ البحث الشخصي، ولكن من خلال تقنيات تسمى “تحسين محركات البحث”، والتي يمكن أن تكون مشروعة ومفيدة في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى تعطي ميزة للمواقع القادرة على التلاعب بتلك الخوارزمية، مما يجعلهم أكثر بروزًا، حتى إذا كانت معلوماتهم غير صحيحة أو استغلالية.
بالتالي يمكن أن تعكس نتائج محركات البحث على سبيل المثال مواقف عنصرية، فإذا كان العنصريون يستخدمون عبارة ما في كثير من الأحيان، فإن محرك البحث قد يعكس مواقفهم دون تمييز. مثلًا عام 2004 أدى البحث المتكرر عن كلمة “يهودي” إلى احتشاد المواقع المعادية للسامية، على الرغم من أن مؤسسي “جوجل” أنفسهم يملكون خلفيات عائلية يهودية سواء بشكل كلي أو جزئي، إلا أن الشركة قاومت من حيث المبدأ أي محاولة لقمع ما اعتبرته نتائج موضوعية، مع إن ذلك قد يؤدي إلى تلاعب مجموعات الكراهية المنظمة بترتيب نتائج البحث من خلال حملات وسائل التواصل الاجتماعي.
وهم السيطرة
يمكن اعتبار تلاعب المتطرفين بالنتائج خطيرًا بشكل خاص، لأن محركات البحث والعديد من التطبيقات الأخرى مصممة لتعطي الناس إحساسًا وهميًا بالسيادة، وهو ما يطلق عليه علماء النفس “وهم السيطرة”. علاوة على ذلك تتسبب الأدوات الحديثة للبحث أيضًا بما يعرف بـ”تأثير دانينغ-كروجر” وهو ميل الأشخاص الذين يجهلون موضوع ما إلى عدم إدراك مدى ضآلة معرفتهم، وربما كانت تلك مشكلة دائمة بالنسبة لبعض الطلاب في الماضي، إلا أن الشبكة العنكبوتية تجعل نسبة أكبر من الناس تعتقد أنه من غير الضروري معرفة الحقائق لأنه من السهل البحث عنها، ما يطرح مرة أخرى إمكانية أن المعلومات التي يعثر عليها الشخص يمكن أن تكون معيبة.
وينقلنا تأثير “دانينغ-كروجر” بدوره إلى تحدٍ آخر وهو كيفية الاختيار من بين كم المواقع التي تظهر من خلال البحث، ففي كثير من الأحيان يكون من الضروري معرفة الكثير عن الموضوع بالفعل قبل البحث عنه. حيث يكون طلاب المدارس الثانوية مثلا على دراية بالكثير من المعلومات، ولكن ليس بالضرورة حول المواد الأكاديمية، وغالبًا ما تحتل مقالات “ويكيبيديا” مرتبة عالية في عمليات البحث. ورغم أن محرري “ويكيبيديا” عادة ما يسرعوا في تصحيح المعلومات الخطأ، إلا أن أحد المزايا التي تتيحها “ويكيبيديا” هي إمكانية تحرير الناس للنصوص والتعديل فيها والحذف منها، ما يجعل من الصعب تقديم سياقات منهجية واضحة لتدريس الأفكار المعقدة وغير المألوفة. ويرجع السبب في ذلك إلى انحياز معرفي يدعى “لعنة المعرفة” والتي عرفها عالم النفس “ستيفن بينكر” على أنها: عدم إدراك أن الآخرين لا يعرفون ما نعرفه.
مواطنون رقميون
اكتشف علماء الاجتماع والكمبيوتر في السنوات العشر الماضية أنه بسبب التحديات الأربعة السابقة، لا يعتبر الشباب الذين نشأوا على استخدام الإنترنت أو ما يطلق عليهم “المواطنون الرقميون” أكثر مهارة من كبار السن في استخدام التكنولوجيا الالكترونية. وتعترف شركات محركات البحث نفسها بالحاجة إلى التعليم، حيث وجد “دان راسل” الذي يدرس سلوك مستخدمي “جوجل” أن 10٪ فقط من المستخدمين يعرفون خاصية العثور على كلمة في صفحة إنترنت أو مستند بالضغط على زر “كنترول” ثم حرف “الباء”.
ورغم أن العديد من المعلمين يدركون التحدي المتمثل في تعليم الطلاب مهارات البحث، إلا أنه من غير المحتمل أن تتمكن المدارس الثانوية، التي تعاني من نقص التمويل بشكل كبير، من إضافة مادة جديدة. ولكن لحسن الحظ تدرك شركات محركات البحث المشكلات التربوية التي خلقتها عن غير قصد، وتتيح مصادر للتعلم عبر الإنترنت للمعلمين والطلاب.
لن يكون إضافة مادة لتدريس مهارات البحث الحل الأمثل كما يظن المسئولون في كثير من الأحيان، لكننا بحاجة إلى دمج البحث باعتباره جزءًا طبيعيًا من الدروس وحتى التدريب أثناء العمل، إضافة إلى تشجيع الطلاب على التعاون في عمليات البحث.
وتعد محركات البحث هي المفتاح ليس فقط للتعلم، وإنما لتعلم كيفية التعلم أيضًا. حيث يمكنك من خلالها استكشاف معلومات وحقائق من جميع الأنواع، بما في ذلك تلك التي تبدو سخيفة أوعميقة على حد سواء، وبرغم أن محركات البحث لا تقدم الحقيقة على طبق من فضة، إلا أنها تساعدنا إذا تمكننا من طرح الأسئلة الصحيحة بالطريقة الصحيحة، وكلما تعلمنا أكثر، كلما زادت قدرتنا على طرح أسئلة أكثر فعالية.
هذه المادة مترجمة (بتصرف)