استضافت مؤسسة بتانة مساء الخميس 19 يوليو الجاري مناقشة كتاب “تهافت المثقفين” للكاتب والباحث الدكتور سعيد اللاوندي، وشارك في المناقشة كل من الشاعر أحمد الشهاوي، والروائية هويدا صالح، والشاعر سعيد الصاوي، في وجود مجموعة من النقاد والمثقفين.
الكتاب يتوقف عند محطات مهمة في الحياة الثقافية المصرية، ويثير قضايا تتعلق بسقوط رموز ونماذج مرموقة في الحياة الثقافية.
قدم للندوة الشاعر شعبان يوسف والذي أشار إلى أن اللاوندي مشتبك مع واقع الثقافة المصرية والعربية والعالميةعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة عقب سفره مبكرًا إلى فرنسا ليدرس بجامعة السوربون، وإسهامه بما يزيد على 20 كتابا في مجالات مختلفة، يظهر فيها تأثرهبالفكر والحياة الثقافية الفرنسية.
ويبدو تأثر “اللاوندي” بالحياة الثقافية الفرنسية واضحا عبر كتابه “تهافت المثقفين” وعرضه المقارن لصور من الحياة الثقافية في القاهرة وباريس،فضلا عن طرح العديد من الأسئلة المهمة حول دور مصر الثقافي، وهل أصابه التراجع أم أنها تخلت طوعا عنه؟.
قدم “اللاوندي” فصلًا كاملًا عن معركة اليونسكو تحت عنوان “فاروق حسني”، وزير الثقافة السابق إبانحكم الرئيس السابق حسني مبارك، استعرض فيه ملابسات ما اعتبره “فضيحة الترشيح لليونسكو”، في إشارة إلى الخسارة المشهودة لمرشح مصر لقيادة المنظمة.
وقال شعبان: لولا معرفتي الجيدة بسعيد اللاوندي لانتابني الحذر، خاصة في دفاعه عن “علاء عبد العزيز” وزير الثقافة الذي جاء ضمن إطار مشروع كامل للإخوان غرضه السيطرة على الثقافة المصرية.
ولفت شعبان هنا إلى دوراللاوندي في صك مصطلح “الإسلاموفوبيا”، مؤكدا أن الكتاب يفتح قوسًا للاشتباك مع الساحة الثقافية المصرية والعربية.
وقال الشاعر الشهاوي: كنت لفترة أتصور أن “اللاوندي” دارس للفلسفة كون كتابته تنتمي إلى ما يسمى بالكتابات الفلسفية، واكتشفت مع الوقت أنه درس العلوم السياسية في جامعة القاهرة ثم السوربون، ويظهر ذلك جليا في كتاباته التي يمزج فيها ما بين الأكاديمية والصحافة. وعلق الشهاوي على عنوان كتاب اللاوندي “تهافت المثقفين”، لافتا إلى أن مفردة “تهافت” في اللغة العربية تعني بالضبط تساقط قطعة قطعة، وهو عني بهالكتاب بالحديث عن هؤلاء المثقفين الذين يتساقطون بالقطعة.
وأشار “الشهاوي” إلى أن شهادةاللاوندي جاءت بعد معارف معمقة وصداقات طويلة مع كبار مفكري العالم العربي،مثل “محمد أركون” و”محمد عابد الجابري” وغيرهما، ومن هنا رصد الكتاب حالة الانهيار والضعف والتطاير للمثقفين على مدى عصور، دخل المثقفون خلالها في حالة تسابق نحو السلطة ليصبحوا جزءا منها.
وأكد الشهاوي ما يميز اللاوندي هو حرصه طوال الوقت على موقع مصر الفكري والثقافي، وطرح تساؤلاته حول حالة الخرس الجماعي التي أصابت المثقفين عبر التماهي مع السلطة.
وأبدى الشهاوي استغرابه من إشارة اللاوندي إلى الفيلسوف الفرنسي “برنارد هنري”بوصف”اليهودي”، معتبرا أنه رغم كون هنري أحد الفلاسفة المتعصبين لإسرائيل ومواقفه العدائية للعرب معروفة،لكن تسميته الدينية لا تصح في مقال التناول الأكاديمي.
وأوضح الشهاوي أن “اللاوندي” كان دائما يرقب المشهد الثقافي بعين المثقف والباحث الأكاديمي، وكان شاهدا على تفاصيل بشعه قام بها بعض المثقفين، مشيرا إلى واقعة رفض شيخ المستشرقين الفرنسي “جاك بيرك” الحضورإلى مصر، خشية التضييق عليهعقب اتهامه من الأكاديمية المصرية “زينب عبد العزيز”بأن ترجمته الفرنسية لمعاني القرآن الكريم “مشوهة” عن عمد لإلحاق الضرر بالإسلام والمسلمين.
وقال إن نفس الموقف تكرر مع المفكر المغربي “محمد عابد الجابري”، عندما عزف عن زيارة مصر “خشية إرهاب مثقفين ربوا عقولهم على السمع”.
من جانبها، أبدت الكاتبة والأكاديمية هويدا صالح عدم اتفاقها مع الرؤية التي قدمها كتاب اللاوندي للمشهد الثقافي المصري، وقالت: “ليست الصورة ضبابية ومعتمة وكالحة كما قدمها “اللاوندي”؛فهناك جانب آخر مشرق وجهد لمثقفين لم أجد أدنى إشارة إليه”.وأضافت: “يمكن قياس قوة مصر الثقافية عبر مانشهده من تفاعل المثقفين العرب وسعيهم للبحث عن مساحة للتواجد في المشهد الثقافي المصري، حتى مع قيامنا بجلد الذات والحديث عن التقصير الذي نحيا فيه كمثقفين مصريين. وتابعت: “نحن نشارك في صدارة الحضور، ونظرة سريعة إلى الدوريات العربية توضح أنه لاتوجد دورية واحدة تخلو من كاتب واثنين مصريين.
واختتمت تعليقها بالقول: لم أجد في الكتاب جديدًا، وكنت آمل أن أجد تحليلا يتناول البنية الأساسية التي أوصلتنا إلى هذا المنعطف، إذ كنا حقا في حالة متردية،حسب ما ذهب إليه المؤلف.
بدوره، نوه الشاعر سعيد الصاوي بالكتاب، واعتبره “بمثابة شهادة على العصر، رصد فيه اللاوندي حالة الضعف والتطاير التي أصابت المشهد الثقافي المصري، ولفت إلى خطورة الثقافة السماعية، التي في مجملها تعطى صكوكًا وأحكامًا قطعية تصل إلى حدالتحريم”.
وفي تعقيبه على المتحدثين في الندوة، وصف اللاوندي تعليق “هويدا صالح” بأنه ملئ بالتفاؤل ضد طبيعة ما يجري في المشهد الثقافي المصري والعربي، لافتا إلى أن كتابه بمثابة شهادة ووثيقة لما عايشه من وقائع ومن اقتراب من أغلب مثقفي العالم العربي بحكم عمله كصحفي وأكاديميمقيم في فرنسا.