بعد التراجع النسبي في أرباح فيلم الرسوم المتحركة Car 3، الذي بلغت إيراداته 382 مليون دولار أمريكي، يمثل فيلم Coco نجاحا ساحقا جديدا حققته باقتدار استوديوهات Pixar الأمريكية للرسوم المتحركة.
يناقش الفيلم، الذي يُعرض في مصر لأول مرة مطلع الشهر الجاري في مركز “كادر68” بالقاهرة، فكرة “الموت” بطريقة داعمة للحياة، وهو ما جعل الناقد والمؤلف، جيوفري ماكناب، يقول عنه إنه “لا يشبه إلا نفسه”، فبرغم حضور قضية الموت في كثير من أفلام الرسوم المتحركة، “لكن لا يوجد عمل سابق ألقى الضوء على هذا الموضوع مثلما حدث في هذا العمل”.
تبدأ أحداث القصة أثناء فعاليات الاحتفال بــ “يوم الموتى” (Day Of The Dead) في المكسيك، وتدور معظم الأحداث في “أرض الموتى” (Land Of The Dead)، حيث تمثل الهياكل العظمية شخصيات رئيسة تستطيع القيام بكل شيء، حتى التقاط “صور السيلفي” في أوضاع صعبة.
تريلر الفيلم
بطل القصة هو ميجيل ريفيرا، وهو طفل في الثانية عشر من العمر، ينحدر من عائلة متواضعة تمتهن إصلاح الأحذية، ويحلم بأن يصبح موسيقيا مرموقا مثل المغني المكسيكي الأسطوري، إرنستو دي لا كروز، الذي مات في حادث عام 1942، ويعتبره ميجيل مثله الأعلى، لكن عائلة ميجيل تحظر الموسيقى بين أفرادها على مدى أجيال كاملة، وتعتبرها لعنة عليها، وذلك منذ أن مات جد ميجيل الأكبر، الذي كان عاشقا للموسيقى، وترك زوجته إميلدا وابنته كوكو، التي يعيش معها ميجيل حاليا.
رغم معارضة عائلته الشديدة وسعيها الدؤوب لوأد الحلم؛ يصنع ميجيل لنفسه جيتارا، وينطلق به إلى “أرض الموتى”، حيث يعيش جده الأكبر- ليشارك في مسابقة للموهوبين تقام سنويا ضمن فعاليات الاحتفال “بيوم الموتى”، حينئذ يكتشف ميجيل أن عالم أجداده الموتى نابضا بالحياة ومٌترعا بالحيوية أكثر من عالم الأحياء.
تكمن الفكرة الأساسية في أن الإنسان يموت مرتين، الأولى عندما يغادر “أرض الأحياء” (The Land Of The Living)، والثانية عندما يطوي ذكراه النسيان من وجدان أقاربه وأصدقائه.
تتكاتف جميع عناصر العمل بصورة مثالية، فالفيلم يحكي قصة طفل يمتلك إحساسا عميقا بالمصير، إذ يعلن في وقت مبكر أن: “الموسيقى لا تسكن وجداني فحسب، وإنما هي أنا”، مستوحيا هذه الكلمات من أحد أفلام لاكروز الشهيرة، كما يتناول أيضا قضية العلاقات الأسرية والوفاء لذكرى الموتى، وهي قضايا محورية ومتجذرة في الثقافة المكسيكية.
تعرض القصة أيضا عدد من المشكلات الثقافية والاجتماعية، مثل السرقات الفنية، وانتهاج العنف، والإهمال الصحي المتمثل في انتشار حالات التسمم وتفشي بعض الأمراض، فإحدى الشخصيات طاعنة في السن إلى حد الخرف، وأخرى تكره الموسيقى إلى درجة استخدام العنف وارتكاب أعمال تخريبية لإثناء ميجيل عن ممارستها.
وبرغم أجواء الظلام الدامس التي تلف أحداث الفيلم، إلا أنه ينطوي على قدر من الفكاهة العميقة التي تضفي عليه أبعادا أخرى.
يصدر أغلب الضحك عن الكلب دانتي الذي يبدو معتوها إلى درجة كبيرة، لكنه يستطيع مساعدة ميجيل في أصعب اللحظات وأحرج المواقف التي يمر بها.
وتضيف التفاصيل البصرية كثيرا من أجواء المرح إلى الفيلم، فأرض الموتى لها شبكة المواصلات الخاصة بها، وتحفل بالقاعات الموسيقية المترعة بأجواء البهجة، وتمتد فيها الشوارع الصاخبة النابضة بالحياة، وسكانها – كما يصورهم الفيلم – لا ينقصهم الشغف، ولا يقلون عن الأحياء رغبة في الاستمتاع بالحياة.
وبالنظر إلى حالة الكراهية والنفور التي لا يتوانى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن إعلانها ضد كل ما هو مكسيكي، فإن السخرية من الرقابة ’المصطنعة‘ على الحدود بين “أرض الموتى” و”أرض الأحياء” تكتسب دلالة سياسية عميقة، ربما تجود هذه الرقابة على الموتى – فقط في “يوم الموتى” – بالعودة من جديد، لفترة وجيزة، إلى أرض الأحياء لزيارة أقاربهم، فقط إذا كانوا لا يزالون يذكرونهم.
رغم ذلك، لا يتوانى الأموات عن ممارسة “حياتهم” طوال العام بشغف؛ فالمقابر تمثل مسرحا للحفلات الموسيقية والغنائية ومرتعا للبهجة والمرح طوال مدة عرض الفيلم التي تمتد إلى 109 دقيقة.
تأتي السخرية جافة مثل عظام الهياكل العظمية لأبطال الفيلم، لكن الجزء الختامي يفيض بعبارات تجيش بالعواطف السامقة والإحساس العميق – كعادة أفلام ديزني – تبرِز أهمية العلاقات الأسرية كركن ركين في المجتمع الإنساني التراحمي، وبرغم هذا الشغف بالحياة، تظل قضيتي الموت، وتذكر الموتى هما المحور الأساس الذي يدور حوله الفيلم بطريقة مبتكرة تمزج بين الرشاقة والعمق.
يُعرض الفيلم لأول مرة في مصر في مركز “كادر68” بالقاهرة في 2 أغسطس 2018.
كانت إيرادات شباك تذاكر هذا الفيلم قد بلغت في بداية هذا العام 189.6 مليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، و428.4 مليون دولار في مناطق أخرى من العالم، بما يعني إجمالي إيرادات 627 مليون دولار.
ويحظي الفيلم بإشادة عالمية في الرسوم المتحركة والأداء الصوتي والموسيقى والأغاني، إضافة إلى احترامه للثقافة والتقاليد المكسيكية، كما حصد عددا من الجوائز والترشيحات؛ إذ تم اختياره من قبل “المجلس الوطني الأمريكي للمراجعة” كأفضل فيلم رسوم متحركة في عام 2017، وتم ترشيحه لجائزتي Annie Award، وBAFTA Award كأفضل فيلم رسوم متحركة في العام نفسه، كما حصد جائزة Best Animated Feature Film، وجائزة أفضل أغنية في حفل توزيع جوائز Critics’ Choice Awards الثالث والعشرين.