بات البعد عن الإنترنت تماما لمدة شهر أو أكثر تحديًا صعبًا يتطلب إرادة حديدية ممن يقدمون عليه. ومقارنة بأيام رسائل البريد الإلكتروني أو حتى تطبيقات المحادثات القديمة، أخذتنا وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الهواتف الذكية التي أصبحت متاحة للجميع وفي كل مكان، إلى مستوى غير مسبوق من إدمان التكنولوجيا.
وإذا ذهبت إلى إحدى حفلات أشهر المغنيين، ستجد من بين الحضور تلك الفتاة التي ستسحب هاتفها كل 20 أو 30 ثانية لتتفقد حساباتها على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وبدلًا من الاستمتاع بأغاني المطرب الذي دفعت مقابل سماعه مبلغا كبيرا، فإنها تنشغل بتفقد هاتفها أربع أو خمس مرات خلال كل أغنية، وكأنها مقهورة على ذلك.
الهوس
كشفت دراسة لهيئة البث البريطانية “أوفكوم” الخميس الماضي، أن المواطن البريطاني يتفقد هاتفه كل 12 دقيقة في المتوسط، بإجمالي 24 ساعة “أونلاين” أسبوعيًا، وبطبيعة الحال يهدر العديد من الناس وقتا أطول من ذلك بكثير يوميًا.
أشارت الدراسة إلى أن 65 ٪ ممن تقل أعمارهم عن 35 سنة، يتفقدون هواتفهم في غضون خمس دقائق من الاستيقاظ، بينما يتفقد ثلث البالغين هواتفهم حتى لحظة نومهم ، وفي حين رأى 83٪ ممن تزيد أعمارهم عن 55 عامًا أنه من غير المقبول تفقد الهاتف أثناء تناول الطعام، كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-34 سنة أكثر ارتياحًا تجاه ذلك.
خُمس من شملتهم الدراسة كانوا يشعرون بالتوتر إذا لم يكن لديهم اتصال بالإنترنت، وللمرة الأولى كانت المرأة في صدارة استخدام الهواتف الذكية، حسب الدراسة التي أكدت أن المرأة تقضي وقتًا أطول بكثير على الإنترنت من الرجل.
وجدت الدراسة أيضًا أن الوقت الذي يقضيه الناس في إجراء المكالمات الهاتفية قد تراجع بشكل ملحوظ، مع ميل معظم الناس لاستخدام تطبيقات المراسلة مثل “واتس آب” و”فيسبوك ماسنجر”.
وأظهر التقرير النمو السريع لإدمان التكنولوجيا، فنسبة من قالوا إنهم لم يستخدموا الإنترنت من البالغين لم تتعد 12%، في حين تضاعف إجمالي الوقت الذي يقضيه من شملتهم الدراسة عبر الإنترنت خلال السنوات العشر الماضية، بحسب اعتراف نحو ربع البالغين أنهم يقضون أكثر من 40 ساعة أسبوعيًا على الإنترنت.
التلاعب
الأخطر أن المشكلة لا تتمثل في إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بل تكمن بالأساس في هذه الوسائل نفسها، التي صممت منذ البداية على فكرة الإدمان، وأصبح معروفا أن التفاعل على تلك التطبيقات يزيد من إفراز مادة الدوبامين التي تسبب السعادة لمستخدميها.
وساعد على وقوع أعداد كبيرة من المستخدمين أسرى لهذه التطبيقات كونها مجانية، فضلا عن تعمدها ربطهم عبر عدد غير محدود من التفاعلات بين مختلف الشبكات الاجتماعية، ما يفضي عمليا إلى حالة أشبه بمدمني المخدرات الذين يحتاجون جرعة المخدر كي تستقيم حياتهم.
ورغم أن حذف حساباتنا على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي نهائيا، قد يبدو لبعضنا بمثابة قفزة كبيرة جدًا، فإنه يمكن على الأقل انتهاز فرصة عطلة الصيف لأخذ راحة من تلك الوسائل المدمرة، وبدلا من اصحاب هواتفنا معنا يمكننا أن ننعم بالاستمتاع بالشمس وقراءة بعض الروايات مع الاستماع لصوت أمواج البحر، والتحرر من صوت إشعارات “فيسبوك” المزعجة.