رؤى

«تحكيم الشريعة» .. نوستالجيا الوهم

ربما من أهم مساحات التناقض أو الجدل أو السجال الممتد بين الإسلاميين والعلمانيين فى عالمنا العربى والإسلامى، هو فى قضية تحكيم الشريعة أو الدعوة لتطبيق الإسلام كنظام للحياة.

حملت دعاية الإسلاميين شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحول عبارة “الإسلام هو الحل” إلى شعار عابر للزمن لدى هذا المجموعات، التى تباينت طرائقها لكنها اجتمعت على هدف تطبيق الشريعة الإسلامية.

ورغم وصول العديد من الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين إلى الحكم فى عدد من أقطار العالم الإسلامى، لم نظفر بتعريف شامل مانع متفق عليه يوضح لنا ما هى الشريعة الإسلامية.

صحيح أننا قد نظفر بشروحات وتعابير نظرية تتحدث عن الشريعة، من عينة أن الشريعة هي القواعد التى سنها الله تعالى لعباده ليكونوا مؤمنين عاملين بها على ما يسعدهم فى الدنيا والآخرة، أو هي مجموعة الأوامر والأحكام التي يوجب الإسلام تطبيقها لتحقيق أهدافه الإصلاحية، على تفصيل يقسمها إلى أحكام قطعية الثبوت والدلالة وأحكام أخرى غير قطعية الثبوت والدلالة أو كليهما.

ربما يعكس هذا التعريف لونا حاسما ومصمتا من ألوان التصور لمعنى الشريعة، يختلف عنه نسبيا تصور آخر يجعل الشريعة هى المبادئ العامة التى أمر بها الإسلام مثل مبدأ العدالة، لا ضرر ولا ضرار، حفظ الدين والنسل والنفس والمال والعقل.

سنجد فى تفسير المحكمة الدستورية العليا المصرية لمبادئ الشريعة الإسلامية كما ورد فى نص المادة 219 من دستور عام 2012 الذى تم إلغائه لكنه عبر عن إرادة الأغلبية من الإسلاميين الذين كتبوه، ما يلى:  “مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة”. وبعيدا عن التحرش المذهبى والمكايدة الواضحة فى النص مقارنة بنص فى دستور ولاية الفقيه، فقد رتب النص مفهوم أن القواعد الكلية للشريعة وقواعدها الأصولية والفقهية هى أمور قطعية متفق عليها، وفقا لترتيب يجعل تلك المصادر هى بالترتيب القرآن الكريم ثم السنة النبوية الصحيحة.

ربما لا يخلتف المسلمون على القرآن فى كثير من قطعياته، لكن المقطوع به أن المصدر الثانى فى الأهمية (السنة) مختلف حوله إلى حد كبير، ومن أبرز تلك الخلافات ما يطرحه البعض حول علم الحديث الذى انشغل كباره بالبحث فى الرواة والسند توثيقا وتضعيفا دون بحث مكافئ فى المتن.

 عندما نختلف على قواعد التأسيس كيف نتفق على المنتج النهائى، إذا كنا لم نتفق على تصور واحد للشريعة فكيف سنصيغ قانونها وفقا لكل تلك التصورات، التى لم تتفق أيضا على باقى الأدلة كالإجماع أو القياس أو غيرها من أدلة الأحكام التى اعتمدها السابقون ولم تنتج لنا إطارا قانونيا صالحا للحياة.

لقد رفع الإسلاميون شعار الإسلام هو الحل بعد أن دلفوا إلى كل مؤسسات الدولة الوطنية التى هى منتج غربى بامتياز دون أن يكفوا عن طرح شعارات لا تحتكم سوى إلى نوستالجيا واهمة.

من سمات القانون الصالح للتطبيق أن يكون محددا ومتفقا عليه ويعبر عن اختيارات الأغلبية التى تأتى بشكل صحيح ومعبر عن مصالحها، وفى دولة المواطنة التى لا تميز بين الناس على أساس المعتقد لا يصح أن يفرض على طائفة إطار قيمى مختلف عليه، فضلا عن عدم تسليم كل الطوائف بهذا المعتقد بل حتى من المسلمين الذين يتابين مفهومهم عن الشريعة.

لم يقدم لنا الإسلاميون نظاما قانونيا صارما ومحددا يقبله الجميع للشريعة حتى اليوم، وقد تباينت على نحو واضح تجارب من يسمون الإسلاميين على امتداد العالم الإسلامي. إن الإسلاميون الذين قبلوا تركيبة الدولة الوطنية بسلطاتها ومؤسساتها، لم يقدموا لنا أبدا بنى بديلة، لذا يتحتم عليهم أن يقبلوا كل ما لا يتعارض مع مبادئء الشريعة الإسلامية التى لا تتناقض مع القيم الإنسانية، حيث يبقى هذا التناقض كسبا بشريا وليس تكليفا إلهيا.

أحمد بان

كاتب و باحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock