الحدث

الأزهر ينتصر لإنسانية المرأة.. تبرير التحرش جريمة

الاهتمام اللافت من الرأي العام وجمهور منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عامة، محلية وأجنبية، ببيان الأزهر الأخير الصادر قبل أيام  بخصوص قضية “التحرش”، يعكس حجم الاهتمام العام بهذه القضية التي باتت واحدة من أهم قضايا المرأة الاجتماعية، بقدر ما يعكس تعويل الرأي العام على حضور قوي لمؤسسة الأزهر في قضايا تشغل الرأي العام ويتم خلط الكثير من الأوراق فيها تحت مزاعم دينية مغلوطة.

 البيان جاء قاطعا في إدانته لجريمة التحرش بتأكيده أنه تصرف محرم شرعا وسلوك مدان بشكل مطلق ولا يجوز تبريره بأي شكل من الأشكال، ما عكس يقظة مؤسسة الأزهر في الاستجابة السريعة والحاسمة لحالة الجدل المشتعلة على صفحات التواصل الاجتماعي عقب واقعة التحرش بفتاة التجمع الخامس الشهيرة، التي حاول البعض التبرير لمرتكبيها بسلوك الفتاة أو ملابسها.

وهو ما يعكس ايضا مدى تنامي ظاهرة التحرش بالمرأة في السنوات الأخيرة، ومسارعة مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات النسائية، كالمجلس القومي للمرأة وغيره من المراكز الأهلية المعنية بقضايا المرأة المصرية، للتصدي لها والمطالبة بعلاج سريع لأسبابها بعد أن تعددت وقائع التحرش بالمرأة في مناسبات مختلفة كالأعياد الدينية والاحتفالات الوطنية، كما لم تسلم منه الأماكن العامة كالمولات التجارية والميادين العامة وحتى الجامعات، وسرعان ما ظهر في العديد  من الأعمال الفنية سواء الدرامية أو السينمائية وحتى المسرح والأفلام التسجيلية القصيرة، التي عالجت القضية بأبعادها النفسية والاجتماعية وما يلحق ضحايا التحرش من أذى وضرر بالغ، ومنها على سبيل المثال فيلم (678) للفنانة (بشرى)، وأفلام (المجني عليها)، و(قطع إيدك)، والعرض المسرحي (كرباج) وغيرها.

فيلم 678

يجدر الإشارة هنا إلى أن بيان الأزهر الأخير لم يكن أول إدانة صريحة من جهة دينية رسمية، تندد بهذا الجرم وتحمل آفاته وتبعاته جميعها على المتحرش وتنفي محاولات التبرير المختلفة التي يسوقها البعض، وتستنهض المجتمع لحماية المرأة، والدولة لتوقيع  أغلظ العقوبات على من يهددون أمان المرأة المصرية دون احترام لحقوقها الإنسانية والقانونية، ففي في السابع من يوليو من العام الماضي استنكرت دار الافتاء المصرية انتشار ظاهرة التحرش في الشوارع على خلفية الاحتفالات بعيد الفطر المبارك، مؤكدة أن التحرش بالمرأة من الكبائر ومن أشنع الافعال وأقبحها في نظر الشرع الشريف، ولا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة التي تتوجه همتها إلى التلطخ والتدنس بأوحال الشهوات بطريقة بهيمية وبلا ضابط عقلي أو إنساني، وأن المتحرشين أبعد الناس مسافة عن رسول الله لأنهم الأسوأ خلقا، حتى لو كان الدافع لهذا الفعل الآثم مدفوعا بالمعاناة من الكبت و الحرمان العاطفي في المحيط الأسري ويبحث لنفسه عن متنفس له في الخارج.

لكن اللافت أن أيا من البيانات والفتاوى لم يجد الصدى الذى لاقاه بيان الأزهر الأخير، ويرجع ذلك في نظرنا لعدة أسباب:

الأول: أن بيان الأزهر جاء  بمثابة تفاعل سريع  للمرة الأولى من أكبر مرجعية دينية إسلامية عرف عنها محاولة خلق مسافة  بينها وبين اللغط الاجتماعي، بحيث لا تدلي بدلوها في أي قضية اجتماعية إلا عندما توجه لها نداءات رسمية للتدخل.

ثانيا: البيان الأخير جاء تاليا لبيان سابق للأزهر  كان يتعلق أيضا بقضية من قضايا المرأة، عندما أعلن الأزهر موقفه الرافض للدعوات التي ثارت حول  المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، تأثرا بدعوات مماثلة في بلدان علمانية التوجه كتونس، التي دعا رئيسها الباجي قائد السبسي لسن قانون يساوي بين المرأة والرجل في الميراث، ما رفضه الأزهر رفضا قاطعا، مشددا على أن قضية الإرث من القضايا التي لا اجتهاد فيها مع نصوصها قطعية الثبوت قطعية الدلالة. من هنا جاء بيان الأزهر الأخير اعلانا صريحا بأن انحيازه للشريعة الإسلامية لا يعني تخليه عن المرأة أو وقوفه في طريق حصولها على حقوقها الشرعية والقانونية وحريتها غير المنقوصة.

ثالثا: لغة الخطاب التي تبناها الأزهر في بيانه الأخير تكشف عن قدر كبير من التفاعل مع القضية من النواحي الاجتماعية والأخلاقية والحقوقية، قبل البعد الشرعي، فهو يدافع  عن حرية المرأة وخصوصيتها وكرامتها  كحقوق طبيعية مدنية قد تسبق حتى الحقوق الشرعية، وهو ما كان واضحا في عبارات من قبيل “تجريم التحرش والمتحرش يجب أن يكون مطلقا ومجردا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بملابس أو سلوك الفتاة فهم مغلوط”، وهي لغة خطاب يعكس قدرا كبيرا من الوعي والتطور الفكري النوعي الذي لحق المشيخة في السنوات الأخيرة. ولم يفت البيان أن يلفت إلى ضرورة تبني مشروع متكامل لمواجهة الظاهرة بأبعادها القانونية والاجتماعية بعد أن باتت تهدد أمان مجتمع بكامله، داعيا إلى التسامي بالغرائز والشهوات الحيوانية التي تسيطر على سلوك المتحرش.

البيان باختصار عكس موقف صارما من الأزهر بانحياز لا لبث فيه لإنسانية المرأة، وجاء بمثابة صرخة في وجدان المجتمع بما يحمله الإسلام من احترام وتقدير للمرأة وحفاظ على كرامتها وصون حريتها، باعتبارها مقياسا لتقدم الأمم والشعوب.

    فيلم المجني عليها

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock