الرغبة في الثأر قد تخلق قسوة مبررة في بعض الأوقات، لكن التخطيط للثأر يمكن أن يخلق قسوة دائمة، ولكن هل بالضرورة أن مشاعر الكره والقسوة والرغبة في الثأر تستطيع تغيير النفس البشرية حتى بعد الانتقام؟ مسرحية “الثامنة مساء” حاولت الإجابة على هذا التساؤل عبر تناولها لمشاعر الرغبة في الثأر وتأثيرها على النفس البشرية.
المسرحية عرضت خلال المهرجان القومي للمسرح، وأعيد عرضها مرة أخرى على مسرح الغد، وهي من بطولة محمد عبد العظيم ووفاء الحكيم ولمياء كرم ونائل علي، وتأليف ياسمين فرج عرابي، وإخراج هشام علي.
تبدأ المسرحية بمشهد يصور قاسم (محمد عبد العظيم)، ذلك الرجل الصعيدي الذي ترقص أمامه فتاة (لمياء كرم) وهي ترتدي ملابس غربية تماما وتغني باللغة الإنجليزية لتبدو خارج اطار المشهد ببطله الصعيدي الذي يرقص معها في شغف وسعادة، وتنتهي بخروج تلك الفتاة بعد ان تخلع ملابسها وتظهر تحتها ملابس مناسبة للمشهد تماما (جلباب) ويتضح أنها فتاة عرجاء، فيما تعلو أصوات متداخلة صادرة من ذاكرة قاسم الذي أدمن الكحوليات، وهي أصوات ستتكرر كثيرا داخل العرض لترسم لنا صورة عن طفولة ذلك قاسم القاسية، وأبيه الذي يلقنه أن الرجل لا يحب ولا يبكي.
قسم المسرح لما يشبة المنظر الداخلي لمنزل قاسم، لتظهر في الخلفية غرفة قاسم الخاصة، بالإضافة إلى مساحة خلفية مغطاه، ستستخدم في كل مشهد مؤامرة من وراء الستار.
استخدام الأصوات بدا موفقا تماما، فالأصوات المتداعية لذاكرة قاسم، تصاحبها طوال العرض مقاطع لأبيات شعرية تقوم بدور الأطار للعرض بأكمله، وهي من كتابة والقاء الشاعر عبد الله حسن، ويرافقها في بعض الأحيان مادة فيلمية في خلفية المسرح للرسم على الرمال، ما ساعد على عدم وقوع المشاهد في فخ الملل، وفي نفس الوقت لم تسرق انتباهه من الاحداث السريعة، أو تقطع الخط الدرامي للعرض ككل، وهو ما يحسب للمخرج هشام علي.
بعد انتهاء المشهد الافتتاحي، نشهد لقاء قاسم مع صابر (نائل علي) محاميه ومدير أعماله الذي يثق فيه أكثر من زوجتيه، عائشة (وفاء الحكيم) وحسنه (لمياء كرم)، يصارح قاسم محاميه بالفكرة التي تلح على ذهنه بأن وفاته ستكون في الساعة الثامنة مساء، ويطلب منه زيارته كل يوم في نفس الساعة.
تتسارع الأحداث لتكتشف حسنه ثعبانا في غرفة قاسم الخاصة، وتشير أصابع الاتهام للزوجة الأولى عائشة، أو هكذا تحاول حسنه اقناع قاسم، بعدها نرى مشهد خلفي لصابر وحسنه يعلنان فيه عن رغبتهما في التخلص من الرجل العاجز الثري والاستيلاء على أمواله، لتبدو لنا أن ثمة علاقة بين الشخصيتين.
يقرر قاسم أن يكتب وصيته دون أن يفصح عن من يورثه حتى يأمن شر زوجتيه. محمد عبد العظيم استطاع أن يقنع المشاهد بتلك الشخصية القاسية جدا، رغم عجزة والكرسي المتحرك، إلا أنه يوصف بأبليس، يعاني من تراكم القسوة منذ الصغر، وتعود إليه طفولته عندما يذهب عقله بتأثير الشراب.
مع توالي الأحداث نكتشف أن ذلك الرجل، يحب شخصية خيالية “شمس”، تلك الجنية التي تظهر له في غرفته كل مساء بعد أن يؤتي الشراب تأثيره، ويفسر ذلك سر رقصة المشهد الأفتتاحي.
كما استطاعت عائشة (وفاء الحكيم) توصيل صورة الزوجة الأولى المغلوبة على أمرها أمام قاسم، لكنها تظل ست الدار التي تمسك بخيوط المكر.
يزداد عشق الرجل الصعيدي لتلك الجنية، تقول له في أحد المشاهد: “أنت بتحبني وأنت سكران، لأنك بتقلع توب القسوة اللي جواك، انا والقسوة منمشيش على طريق واحد”، ويبدو الرجل القوي في أضعف لحظاته أمام ذلك العشق.
تتصاعد الأحداث وتكشف الزوجتان أوراقهما، فحسنة تلك الفتاة التي أنقذها قاسم، ليست عرجاء، وعائشة الزوجة الأولى المخلصة، تريد أن ترث أمواله، وتعرف بالعلاقة بين حسنه وصابر.
نكتشف مع نهاية العرض أن صابر ليس سوى شقيق حسنه، ليسقط تقريبا كل ديكور العرض على الأرض، في إشارة لسقوط كل الأقنعة، ونكتشف أنها ابنه صديقة الذي قام بقتله في الماضي، ما دفعها لمحاولة الثأر وتقمص شخصية شمس الجنية لإذلاله، فيما يحاول أخيها صابر أن يقنعها بعدم جدوى القسوة.
يخرج صابر وأخته، ولا يجد قاسم سوى زوجته الأولى التي تتركه هي الأخرى، ومع دقات الثامنة مساء يموت الرجل القوي وحيدا بعد أن اصابت القسوة كل الشخصيات بالكره والحقد، لينتهي العرض مع أبيات عبد الله حسن:
” يجرى إيه لو الكسرة بقت ضمه.. لو الممنوع بقى مسموح.. لو الجارح يحس بخنقة المجروح.. لو اللي في إيده يوم يظلم.. يحط في باله إنه مسيره يوم حيروح”.