وهكذا فإن تكوين السودان كدولة والذي يعود إلى مطلع القرن التاسع عشر، وتكوينه الديمغرافي الذي يتمتع بتنوع على المستويين الاثني والديني لم يأخذه الإسلاميين بعين الاعتبار بل أنهم صنفوا المغاير في الدين أو اللون أو العرق على أنه في درجة أقل منهم ،وذلك لحد الدعوة الي الاكتفاء بوسط السودان والانسلاخ عن أطرافه الجنوبية والغربية فيما عرف على المستوي الإعلامي بمثلث حمدي، وهو وزير مالية أسبق ينتمي إلى الجبهة القومية الإسلامية الحاكمة، حيث تبني فكرة سلخ السودان بمعني سلخ وسط السودان عن محيطه، وهو الوسط المنتمي إلى الأصول العربية واللون الخمري وغالبية مواطنيه من المسلمين .
وقد أرتكب الإسلامويون السودانيين خطايا في حق مواطني جنوب السودان باعتبار أن غالبيتهم غير مسلمين وأصحاب ديانات مغايرة كانت دعوات الحشد للقتال في الحرب الأهلية المندلعة في فصلها الثاني عام ١٩٨٣ متضمنة تعاليا عرقيا ودينيا ضدهم في إطار جهادي لما سمي مناصرة الدين الإسلامي وهو ما ترتب عليه وعد المقتول في الحرب الأهلية مع الجنوب بالحور العين في الجنة. وربما هذا التراكم المتعالي واللإنساني هو مايفسر تصويت الجنوب سودانيين في استفتاء (٢٠١١ ) للاستقلال بنسبة تجاوزت الـ (٩٥٪ )
جنوب السودان يحتفل بالاستقلال
وعلى الرغم من التفاعل الذي حظي به الإسلامويين السودانيين مع القوي السياسية الأخرى في معترك الحياة السياسية السودانية بشكل عام، وعلى الرغم أنه في حالة نادرة في المنطقة لم يمارس ضدهم قمعا ولا تعذيبا ارتباطا بفرادة الحالة السودانية وتميزها الإنساني إلا أنهم قد مارسوا قمعا وتعذيبا ضد غيرهم من القوي السياسية الأخرى بل استحدثوا ما سمي ببيوت الأشباح حتي يرهبوا كل صوت مضاد لسلطتهم في الحكم، وهو ما نزع أحد أوراق التوت عن ممارستهم السياسية .
ومن خلال رصد موقف الحركة الإسلامية السودانية من قضايا التعددية الحزبية أو حتي الدينية فيمكن الركون بسهولة إلى عدم اعترافهم بالمغاير سياسيا، والسعي إلى إقصاءه فيما يعرف باستراتيجية التمكين ، وهي الاستراتيجية التي دفعت الحكومة السودانية إلى إحالة الألاف من عناصر البيروقراطية السودانية الغنية بالخبرات المؤسسية للتقاعد بعد انقلابهم عن السلطة عام( ١٩٨٩ ) فيما عرف بالإحالة للصالح العام وقد كانت استراتيجية التمكين حاكمة للإسلاميين السودانيين حتي قبل وصولهم للحكم حينما تحالفوا في جامعة الخرطوم عام (1972م) مع نظام النميري وقاموا بتغيير النظام الانتخابي داخل الجامعة من التمثيل النسبي الذي يضمن وجود الجميع إلى الانتخاب المباشر الذي يجيدون فيه آليات الحشد والتحريض، ومن هنا تم ربط اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بتنظيم الجبهة القومية الإسلامية توطئة للقفز على الحكم. خصوصا وهو التنظيم القائد تاريخيا لكل تغيير سياسي في السودان .
وقد مارس الإسلاميون السودانيون حتي قبل تولي السلطة حالة إقصاء الآخر فبعد ثورة أكتوبر 1964 والتي سعت الي تأسيس دولة الديمقراطية والمواطنة خططوا لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في خرق واضح للدستور وانتهاك لاستقلال القضاء وبرفض قرار المحكمة العليا السودانية قرار الحل وباعتباره قرارا غير دستوري خلقت أزمة في البلاد، أجهضت التجربة وأفضت إلى انقلاب عسكري بقيادة نميري عام ١٩٦٩ تحالف فيه مع الشيوعيين السودانيين الذين امتلكوا أقوي الأحزاب الشيوعية العربية .
نميري وبعض ضباط انقلاب مايو ١٩٦٩
أما علي المستوي الاجتماعي فيبدو أن موقف حركات الإسلام السياسي من مبدأ الحرية الفكرية والسلوكية وعدم التطرق بالتجديد لفقه الحرية الإنسانية، ومعالجة طبيعة حقوق الإنسان المقرة دينيا خصوصا فيما يتعلق بالموقف من المرأة أحد أهم أسباب إخفاقاتهم، ولكن لا يعني ذلك أن هذه المسألة لم تحظ بمراجعات من الداخل مثل محاولة د. عبد الوهاب الأفندي في كتابه الثورة والإصلاح السياسي الصادر عام ١٩٩٥حيث ركزت مراجعة (الأفندي) على سيطرة ما أسماه: السيوبر تنظيما بدلاً من الحركة وهو الذي قاد إلى هيمنة الأمن بلا عقل سياسي، فتم الإقدام على ملاحقة غير المحجبات بالجلد في السودان وهي البلد ا التي تكون فيها الاتحاد النسائي السوداني قبل استقلاله، كما صدر قانون النظام العام الذي وضع سقفا لسهر الناس في مناسبتهم العائلية من أفراح وأحزان، وكذلك التحكم في زي المرأة إلى حد محاكمة صحافية لآنها ارتدت بنطالا قبل عدة سنوات ثم قتل شاب مؤخرا لأنه اجتمع في سيارته مع فتاة فتبلورت أسباب ليس فقط لرفض حكم حركات الإسلام السياسي، بل ربما كراهيتها في السودان كراهية التحريم.