فن

«الخادمتان».. ثنائية العنف والقهر

إلى أي مدى يمكن أن يدفع القهر والتسلط والاستبداد الواقع على الفرد إلى الكره والرغبة في الانتقام والعنف؟ وكيف تتحول الرهبة والإذعان والخوف إلى وقود لذلك الانتقام؟ ولماذا يصبح الانتقام حينها أشد شراسة وميلا إلى التعذيب والتشفي؟.

فرقة “دوز تمسرح” المغربية حاولت طرح تلك الأسئلة وإطلاق العنان للتفكير في إجابات عليها، عبر عرض “الخادمتان” من إخراج وإعداد جواد الأسدي، الذي يمثل المغرب في فاعليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر.

المسرحية هي رؤية جديدة لنص بنفس الأسم، للروائي الفرنسي “جان جينيه” كتبه عام 1947 عن قصة حقيقة حدثت عام 1933، والعرض بأكمله يجري في ظل ديكور بسيط لكنه يشير في الوقت ذاته إلى كون المسرح هو غرفة في منزل شديد الثراء، وهو غرفة لسيدة، حيث تتناثر الملابس الفاخرة، والأحذية ذات الكعب العالي.

تتوسط الغرفة فتاتان، إحداهما تمشي في إطار لمربع وهمي، في حركة عنيفة، وربما تم اختيار حركة المربع باعتباره حاد الزاويا مع الحركة العنيفة، في إشارة لمدى الغضب الذي يسيطر على الفتاة والعرض بأكمله.

الفتاتان هما خادمتان وشقيقتان بلا اسم في العرض ككل شخصيات العرض، وجسد الدورين، رجاء خرماز، زينب الناجم.

يبدأ الحوار المتسارع طوال العرض بين الخادمتين، بالعبث في مقتنيات سيدة المنزل والتي من المنتظر عودتها في أي وقت، ونرى إحدى الشقيقتين تتلبس شخصية السيدة وتقوم بإصدار أوامرها للأخرى، لنعرف كيف تقوم السيدة بمعاملة خدمها.

رؤية جواد الأسدي قامت بحذف شخصية سيدة المنزل واستبدالها بمؤثر صوتي “صوت القطار” في إشارة إلى أن أحد القطارات سيقل السيدة للمنزل، وفي كل مرة يظهر صوت القطار ترتبك الخادمتان وتستعدان لترتيب الغرفة كما كانت في وجود السيدة القاسية، هربا من العقاب.

اللغة المستخدمة طوال العرض هي مزيج بين العربية الفصحى واللهجة المغاربية، استطاعت رجاء وزينب تجسيد الدور ببراعة عبر حوار سريع جدا بينهما، وانتقال إحداهما تلو الأخرى في تلبس أداء السيدة، في انتقال من وضع المقهور للجانب الأخر القاهر،  بين مشاعر إنسانية متناقضة تماما.

حديث الشقيقتين مع مرور وقت العرض يعكس ما تفيض به مشاعرهما من امتهان كرامتهما على يد تلك السيدة القاسية، يظهر ذلك بوضوح في منولوج فردي تلقيه كل منهما على خشبة المسرح منفردة، يعكس تلك الهلوسة الشخصية لكل منهما، ورغبتهما الدفينة في التخلص من تلك السيدة، بخنقها أو وضع السم في شرابها.

ينتقل تعاطف المشاهد مع الشقيقتين، مع تنقل دور السيدة للأخرى، فيما يظل الشعور بالغضب للشقيقة التي تستعذب دور الخادمة وتقابل الذل والإهانة بكلمات التبجيل.

اخيرا تتفق الخادمتان على قتل السيدة بدس السم في الشراب، وحينها نصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه ذروة العرض.

في الحوار الأخير بين السيدة والخادمة، تقول الأولى للخادمة: “أكره الخدم، تلك الفصيلة لا تنحدر من أصول الجنس البشري، أنتم العبق النتن المتصاعد من غرفنا من ممراتنا، أنا اتقيأؤكم، من أنتم، أنتم مرايانا المشوهة،عارنا وحثالتنا وأثوابنا الممزقة”.

بعدها تتجرع كأس السم، فيما تكتشف الخادمة أنها لم تقتل سوى شقيقتها، في لحظة تلبسها لشخصية السيدة القاسية، ويأتي مجددا صوت القطار، في إشارة للرعب من عودة تلك السيدة القاسية في أي وقت.

نص جينيه، نقلنا في سلاسة إلى أجواء الصراع الطبقي عبر ذلك المنزل وتلك الحادثة، في تناول لا يخلو من فلسفة ميزت الشكل الأدبي والمسرحي في تلك الفترة (1947).

الصور بعدسة: عادل صبري.. نقلا عن الصفحة الرسمية للمهرجان على فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock