كان هناك وعد مؤجل لزيارة الفنانة الكبيرة عطيات الأبنودي والجلوس في حضرتها، فالحوار معها يثري بالتأكيد قراءة المشهد الثقافي والمجتمعي الراهن، لكن الموت سبقنا إليها، رحمها الله.
ونعيد هنا في “أصوات” نشر حوار سابق أجريته مع الفنانة الكبيرة قبل سنوات للنشر في صحيفة “الحلوة” التي كانت ترأس تحريرها الأستاذة سهام ذهني، التي تفضلت مشكورة بتزويدنا بنسخة من الحوار للنشر مجددا، عرفانا بالدور البارز للفنانة الراحلة ومسيرتها الفنية الثرية.
غادرت مصر مبكرا مطلع السبعينيات قبل أن تتبلور ملامح مشروعك الفني، هل من تبرير؟
كان الإحساس بالهوية واتجاهات حاكم جديد (السادات) وصفه الناس بالسخرية المعتادة بأنه يمشي على طريق عبد الناصر بأستيكة. أحسست أنه ليس لي مكان في بلدي أن أحقق حلمي في وصف مصر بالكاميرا من خلال عملي كمخرجة أفلام تسجيلية. ذلك الإحساس دفعني إلى التفكير في السفر للخارج لاستكمال أدواتي وتعلم المزيد عن تفاصيل مهنة شعرت أنني لم أتعلم تفاصيلها بما يكفي أثناء دراستي في معهد السينما.
ربما كانت افكاري وقتها ساذجة أو مستحيلة، ولكنها كانت تعبر عن رغبتي في التغيير من حال الركود إلى الانطلاق نحو آفاق أوسع، وعدم الاكتفاء بدور زوجة الشاعر الشهير، وكان الأبنودي من أكثر الناس تحمسا لفكرة السفر رغم مشاق التكاليف والانتقال وترك البيت.
ألم تشعرين بندم حيال رفع اسم والدك عن سجلات إبداعك؟
بنظرة تمعن في الماضي تلتفت الأستاذة عطيات، وتقول: إنها الخيانة حقا، أنا ارتكبتها في حق أبي وأهديه كتاب “أيام السفر” لأن كثيرين لا يعرفون اسم أبي. أرجو أن يغفر لي هذا رحمه الله، في الوقت الذي كان من الطبيعي أن أحمل اسمه عرفني الجميع بلقب رجل آخر حققت معه شهرتي وأولى خطوات مشواري الفني، ولم يعد مجديا تغيير اللقب.
تزوجت الفنان التشكيلي مصطفى كامل ولم تحملي لقبه، ما تعليقك؟
الأبنودي ليس لقب عبد الرحمن الأبنودي كجزء من اسمه، لكنه اسم القرية التي نشأ بها، بالتالي كان منطقيا جدا أن اتخذ هذا اللقب الذي التصق بي طوال حياتي.
ماذا تبقى من اشتراكية عطيات الأبنودي؟
أنا اشتراكية وما زلت أومن بهذا، قناعاتي الشخصية لم تتغير إلا في الاتجاه الصحيح بالنسبة لمجتمعي وناسي وأهلي. الإنسان الذي ينتمي لفكرة ليس مسئولا عنها، وليس مسئولا عن تطبيقها، وأنا لم أكن يوم ما في موقع المسئولية. اعتناقي الفكرة يعنى أنني مسئولة عن ترويجها في حدود ما أملك، وفي اختياري للسينما التسجيلية مع سبق الإصرار والترصد ثم من بعد تسجيل كتبي طوال حياتي، آليت على نفسي أن أوفق بين ما أملكه وما أطمح إليه، الإنسان دائما يبحث عن الامكانيات وماذا يفعل بحياتها.
هل كان الأبنودي وراءعدم اتمام مشوارك في التمثيل؟
عبد الرحمن الأبنودي رفض هو الآخر التمثيل. أنا أيضا رفضته والدليل أنني غيرت مساري، أنا ماحبش أكون نص نص في أي حاجة، لذلك كان علي أن أترك التمثيل لأتجه إلى السبيل الذي أستطيع أن أفصح فيه عن ذاتي.
هل كان ثمة خطوط حمراء أشعلت نار الغضب حول كل ما أنتقد أيام الديمقراطية لعطيات الأبنودي؟
لا أتعامل مع الكتاب على أنه مجرد سرد أو حكي، لكن أتعامل معه كوحدة فنية، لذا كان علي أن أختار ما هو جوهري في الحياة ويستحق، لكني أرفض كلمة خطوط حمراء فانا ليس لدي خطوط أتوقف عندها إلا ما أعتبره يستحق مني الوقوف عنده. لم أرصد كل شيء في سيرتي الذاتية في كتاب أيام السفر، كنت اتمنى لو كانت عندي كفاءة الراوي لكي أتحدث عن أشياء أخرى لا أملكها. أملك فقط موهبة الحكي في شكل درامي وكنت أتدرب على أن أقول كل ما أريد في فقرة قصيرة مثل كاتب العمود في الصحافة، يكتب حكاية متكاملة في عمود واحد.
أسماء يحيي الطاهر عبد الله وحلم الأمومة، كيف تراها عطيات الأبنودي؟
أسماء هي ذلك اللحن الجميل الذي يملأ حياتي نغم وسعادة. بعد تعرض والدها لحادث أودى بحياته قلت سأقوم بتربية أسماء ابنة يحيي الطاهر عبد الله، وكان علي أن أكون على هذا القدر من المسئولية، أسماء هي ابنتي بالاختيار، أنا لم أنجب لكن أخترت ابنتي واخترت أن أكون أما لها، فالأمومة وظيفة اجتماعية وليست حملا وولادة، وأنا فخورة جدا باختياري وفخورة جدا بابنتي التى لم تنجبها بطني، ولكن أنجبها الزمن لتكون ابنتي، ولأكون أنا حضنها الدافئ الذي تجري إليه وتحكي بين ذراعيه أوجاعها، أصبحت أنا حقا أمها دليلها في كل شيء.
أسماء يحيي الطاهر عبد الله
أسماء حكاية عمري والزهرة الجميلة التي تزين حياتي، هي أقصوصة أقصها للزمن، ويقصها الزمن علي، أسماء هى كل ناسي وأهلي وعائلتي ودنيتي التي أستريح فيها، ربنا يخليها لي.
هل صداقة عبد الرحمن الأبنودي لأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله كانت وراء فيلم أوراق الغرفة 8؟
يحيى الطاهر عبد الله كان صديقي، ولكني لم أتمكن من عمل فيلم تسجيلي عنه، أما أمل دنقل فلم يكن صديقا لي ولم تكن لي علاقة وطيدة به، لكنه شاعر مصري موهوب أشعاره من أجمل وأعذب الكلمات، كنت أرى في فترة ما أننا نخسره، قلت: الرجل ده يحتاج ولازم نعمل فيلم تسجيلي عنه يرصد حياته حتى وصوله إلى غرفة رقم 8 بمعهد ناصر، ولم تكن أبدًا صداقته بالابنودي أو صداقتي بشخص ما دافعا لعمل فيلم مثل هذا.
لماذا يأخذنا البحث عن نقاط ضعف دائما بعيدا عن استكشاف الإيجابي؟
مهمتي التى اعتنقها هي إظهار الإيجابي في المجتمع، أنا مؤمنة بطاقات الشعب المصري، منذ مطلع القرن الماضي حمل الصفوة من المصريين على عاتقهم مهمة النهوض بالمجتمع بكل تفاصيله، وبالفعل قادوا المجتمع إلى التحديث. المهمة الآن على عاتق القيادات، كل طبيب ومحامي ومحاسب وكل أبناء الطبقة الوسطى.
أتعجب كيف يتم التطوير في مجتمع 50 في المائة منه أميون قراءة وكتابة وليس ثقافة فحسب في الالفية الثالثة بعد الميلاد، فضلا عن أمية التكنولوجيا وثورة الاتصالات الهائلة التي لا يستطيع حتى المتعلمون الوصول اليها. الناس مستعدة تعمل حاجة بس اللى يمشيهم صح على الطريق.
الاصلاح والتغيير يبدأ من القيادة المجتمعية وتضافرها مع الدولة، هل وضع أحد تصورا لمجتمعنا بعد 10 سنوات، لا أؤمن بالنضال من خلال الجرائد، أؤمن بالمجتمع الأهلي، عندنا في مصر 4500جمعية ترى ما دورها وماذا تقدم للناس، الطموح مسئولية الفرد وليس الحكومة.
من رحم المعاناة يولد الإبداع، هل تلخص هذه المقولة حياة عطيات الأبنودي؟
كافحت من أول الطريق مثل أي امرأة غيري، أنا لست متفردة، كل فرد عليه أن يتطور في حدود مهنته، أنا عندي كمبيوتر منذ 16 سنة، كما استطعت أن أتقن الانجليزية والفرنسية بالرغم انى تعلمت في مدارس حكومية، ولكن حبي للمعرفة يجعلني دائما ابحث في كل اتجاه لتطوير نفسي.