طفل متوحد يهرب مع أخيه من المنزل فرارا من قسوة والدهما، يرعاه شقيقه ويدعم حلمه في أن يصبح طبيبا في المستقبل، إلا أن الشقيق صاحب الوعد يتوفى إثر سقوطه من ارتفاع عال لاختلال توازنه، فيقرر “شون مورفي” ألا يتخلى أبدًا عن حلمه رغم كل العوائق، ليتمكن من إنقاذ أرواح تعني الكثير لأحبائها كما كان شقيقه يعني له تمامًا، يسانده في تلك الرحلة طبيب قرر أن يتبناه بعدما لاحظ نبوغه وقدراته غير العادية في الطب.
رغم تمتعه بالذكاء وذاكرة فوتوغرافية يبقى التساؤل: هل يصلح شخص متوحد أن يكون طبيبًا جيدًا؟ هل يمكن أن يقبله مستشفى مرموق للعمل به؟ وهل يمكن للمرضى أن يثقوا فيه رغم كل حواجز التواصل؟ والأهم هل سينجح هو في اجتياز كل تلك الاختبارات؟ هذه هي الأسئلة التي يناقشها مسلسل “الطبيب الجيد” المستوحى من دراما كورية تحمل الاسم نفسه.
حقق المسلسل نجاحا كبيرًا في أول موسم له العام الماضي، ويواصل العرض حاليًا بنجاح في موسمه الثاني. المسلسل يسير على نفس نهج الأعمال الدرامية الطبية التي سبق وحققت نجاحًا في جذب شرائح واسعة من الجمهور مثل مسلسل “غرايز أناتومي”، و”هاوس”.
تفرض تلك المقارنة نفسها عند نقد المسلسل خاصة لأن “دايفيد شور” مؤلف “هاوس”، هو من كتب النسخة الأمريكية من “الطبيب الجيد”، لكن ما أثار التفات الجمهور هذه المرة ليس التفاصيل الطبية الدقيقة المعروضة في إطار شيق كما جرت العادة، وإنما شخصية البطل نفسه التي جسدها “فريدي هايمور” بطريقة نالت استحسان الكثير من النقاد ومرضى التوحد.
تبدأ الأحداث باجتماع مجلس إدارة مستشفى “القديس بوتافنتورا في سان خوسيه” لبحث إمكانية ضم “مورفي” لفريق عملهم، بعد ما رشحه دكتور “جلاسمان” الذي تبناه منذ صغره، إيمانًا منه بموهبته. ولكن رغم أن الطبيب الشاب لديه متلازمة الموهوب التي يصاب بها بعض مرضى التوحد فيصبحوا استثنائيين في مجالات معينة، إلا أنه مصاب أيضًا بمتلازمة “اسبرجر” التي تعيقه عن التفاعل الاجتماعي الطبيعي، وهو أمر مطلوب في مهنة الطب حيث يتعامل الأطباء مع الناس طوال الوقت. وبعد عدة نقاشات وأحداث يتم الموافقة عليه، ليتم تسليط الضوء على سمات التوحد بشكل أكبر.
يتوتر “مورفي” من أي تغيير ولو بسيط في روتين حياته بشكل مبالغ فيه، وغالبًا ما يتجنب التواصل البصري. تبدو طريقة كلامه كالإنسان الآلي، وحتى تصرفاته، حيث يفسر الكلام بمعناه الحرفي، ولا يتفهم مشاعر الآخرين بشكل جيد، يكرر حركة عقد يديه بشكل لا إرادي، كما لا يتقبل أن يلمسه أحد بسهولة، الأمر الذي يسبب له مشاكل في التعامل مع زملائه الأطباء، إضافة إلى بعض المرضى من رافضي فكرة الطبيب المتوحد، مهما بلغت مهارته.
رغم كل الصعوبات والعوائق، يثبت “مورفي” أن مرضه ميزة وليس عيبا، يبتكر حلولا خلاقة لحالات مستعصية لا يفكر فيها الأطباء العاديين، ويعطي أملا ليس فقط لمرضى التوحد ولكن لكل المختلفين الذين ينبذهم المجتمع بسبب اختلافهم حتى وإن كان ليس لهم يد فيه، إضافة إلى ما يبثه من تعاطف في الوقت ذاته في نفوس الجمهور، لنتفهم أكتر طبيعة هذه الحالة ونحيط بمختلف جوانبها.
مع ذلك تلقى المسلسل عدة انتقادات، حيث لم تكن الحبكة الدرامية بنفس المستوى المتوقع من هذه النوعية من المسلسلات، كما مثلت شخصية “مورفي” فئة ضئيلة من حالات التوحد ذات متلازمة الموهوب التي تجعلهم متميزين، فغالبية الحالات يكون ذكائها عادي وأحيانا أقل من المعدل الطبيعي.
وبعيدًا عن الجانب الدرامي، نجح المسلسل في التوعية بمرض التوحد، خاصة مع انتشاره وغموض أسبابه وتنوع أعراض مصابيه، وعدم وجود علاج قاطع له حتى الآن، كما مثل دعوة لتقبل الآخر وإدماجه في المجتمع كأي شخص طبيعي، خاصة مع تزايد معدل الإصابة بالمرض مع مرور الوقت، إضافة إلى تسليط الضوء على شخص متوحد بالغ، وهو أمر نادر، فغالبًا ما يتم تناول الموضوع من خلال الأطفال، فضلًا عن تجسيد “هايمور” للعديد من السمات التي غالبا ما سيجد المتوحدون أنفسهم فيها بشكل أو بآخر.