الفنان التشكيلي الكبير مصطفى الرزاز بدأ مشواره الفني الحافل قبل نصف قرن، حرص خلاله على التواصل المستمر مع جمهوره وعشاق فنه في معرض يلتزم بإقامته سنويا يقدم فيه جديد إبداعه في النحت والتصوير.
ورغم تقدم العمر به إلا أنه ما يزال محافظا على عهده مع فن يعشقه ويهب له حياته، لا يعترف بالزمن أو شروطه التي يفرضها على الإنسان، يتحدى طاقته الجسدية التي تتهاوى أحياناً تحت وطأة مشقة الجهد المبذول لمواصلة إبداع يليق باسم صاحبه ومكانته الفنية الرفيعة.
ما جديد الفنان مصطفى الرزاز؟
أواظب على العمل يوميا لأقدم جديدا في معرضي الذي أحرص على اقامته سنويا في موعده لعرض أعمالي في التصوير والنحت. هذا الالتزام يرهقني في هذه المرحلة المتقدمة من العمر، فعندما أعمل في النحت لابد أن أبتعد عن التصوير، وأقوم بتفريغ المرسم وتحويله إلى استوديو للنحت بكل ما يلزمه من مواد وأدوات أعكف في العمل عليها لمدة شهرين على الأقل حتى أنهي ما أشرع فيه من أعمال، ثم أعود بعدها لتهيئة المكان لأعمالي في التصوير مرة أخرى، وهكذا.
هل ستختلف تجربتك القادمة عن سابقاتها؟
فى المعرض الجديد أجريت تغيراً في أسلوبي، فأعمالي فيه تتسم بنزعة شبه هندسية، فضلا عن معالجة جديدة للأشخاص وعناصر التشكيل الأخرى مثل الخيل والعصافير والمرأة والنباتات وغيرها. أبذل مجهوداً أكبر في تطويع هذه العناصر وترويضها للتكوين بالشكل المناسب دون ارتباك. كذلك أعمل على مجموعات لونية أكثر بهجة وفانتازيا تختلف عن سابقاتها في المعارض الأخرى.
تبدو وكأنك تعاند الزمن وتتحدى الألم لمواصلة إبداعاتك؟
نعم أعاند الزمن، أحيانا أسهر بالمرسم حتى الرابعة أو الخامسة صباحاً وأجدني غفوت رغما عني، أنهض لغسل وجهي فأطالع في المرآة رجلا مضى به العمر، وعندما أعاود الرسم لا أدري بذلك الرجل الكبير. يبدو إصراري على معرضي السنوي تحديا لاختبار ما بقى لدي من عزم وخيال لتقديم أعمال جديدة. ذهني متقد وهذا يمنحني إشباعاً كبيرا وعنادا أكبر، يتحدى الركون إلى الراحة أو حتى المرض، وعندما أحدد موعدا للمعرض لا أتراجع عنه، وأبدو كمن اتفق على عمل ولديه شرط جزائي يجبره على العمل تحت أي ظرف. اعتدت ذلك الأمر منذ التحقت بالجيش وحرصت وقتها على مواصلة الرسم في الرمال والصحراء والخنادق، فما يمنعني أن أرسم في الظروف الراهنة؟ أعمالي وليدة هذا العناد والتحدي، سواء في النحت أو التصوير.
اللوحة التي تتشكل في ذهني وأرسمها أعتبرها وكأنها لم تًرسم، لأني أبدو وكأنني أنفذ فكرة شخص أخر. إذا لم يكن باللوحة عنصر العناد وإضافة عناصر وحذف أخرى لا أشعر أني أعمل بطريقة صحيحة. أعشق المغامرة والتحدي واعتبرهما من متطلبات التجاوب مع معطيات العمل.
الفنان إذا اكتفى في العمل بوعيه وخبرته سيقدم أعمالا مكررة، الثقافة تمنحه الغزارة، والمغامرة سبيله إلى تقديم إضافة حقيقية.
أحياناً أعمل وأنا في كامل وعيي ثم أعطي نفسي فرصة العمل خارج الوعي بشكل كامل لدرجة أن لوحة يمكن أن تفسد فأتركها ثم أعود لها بعد فترة وأجد لها مخارج جديدة أعالج بها ما اعتبرته معيبا وأجُرى نوعاً من المصالحة معها. إذا لم تمر اللوحة بهذه المرحلة أعتبرها فاترة وغير صالحة للعرض.
الألوان الدافئة تميز أعمالك، هل تراها الأقرب لإيصال فكرتك؟
في المرحلة الأخيرة فقط لدي ألوان دافئة وصافية تحمل البهجة بصفة عامة. أنا أرسم وأختار الألوان بصورة تلقائية تحركها المشاعر وليس الحسابات، فالحالة هي من تفرض اللون، لذلك من يسألني عن اسم المعرض القادم لا أستطيع أن أمنحه إجابة، فأنا أعمل حتى تتضح غالبية الأعمال ومنها أعرف الاسم. ليس لدي خطة أقوم بتنفيذها، بل أعمل وأطيح بنفسي في أي أتجاه وعندما تتضح الملامح أعنون المعرض.
ربما أختلف الأمر في تجاربك الفنية الأولى التي شهدت عناوين متباينة؟
في المعارض الأولى كنت أجري حالة بحث عن أمور معينة في البداية مثل الصيادين في النيل وعازفي العود مثلا، وفي معرض آخر قدمته عن عنترة في أعقاب ثورة 25 يناير أردت عمل رمز مستوحى من فن الجرافيتي الذي نجح في استقطاب جماهير واسعة لم يكن لها اهتمام سابق بالفن، قبل أن تتعرف عليه من خلال الرسم على الجدران وتجسيد الأحاسيس الدافئة. هذا الفن لفت الانتباه للفنانين التشكيليين وجدوى ما يقدمونه من أعمال، فهذا النوع من الرسم على الحوائط مس مشاعرهم وترجمها ونتج عن ذلك ارتباط كبير بينهم وبين ما يرونه من إبداع. سعدت كثيرا بهذه الظاهرة ورغبت في تقديمها عبر معرضي عن عنترة. استحضرت الصور الشعبية المألوفة للناس وقمت بتكبيرها وعمل تكوينات مختلفة بحيث يعي من يراها أنها تنتمي لنوعية اللوحات التي تزدان بها المقاهي وصالونات الحلاقة وغيرها.
ماعدا ذلك فأنا لا أزال أعمل بالعناصر التي اعتدت عليها في بناء لوحاتي، مثل الحصان والعصفورة والمرأة والنبات، استمتع بأنني ما زلت أعمل بهذه العناصر بتكوينات ومعالجات مختلفة أستطيع ترجمتها للنحت أو التصوير وهذا يمنحني سعادة ورضا عما أقدم، كما يمنحني الاحساس أني ما زلت أعمل بصورة جيدة.