رؤى

الإرهاب من منطلق وجودي.. جدلية التسلط والإبداع

“الإرهاب من منطلقه الوجودي” هذا هو العنوان العريض الذى يمكن أن نُلخص من خلاله الدراسة العميقة  التي كتبها الدكتور شاكر عبد الحميد بين دفتي كتابه المهم بعنوان “التفسير النفسي للتطرف والإرهاب“، ضمن سلسة كراسات علمية التي تصدرها مكتبة الإسكندرية.

فالوجودية تعني أولاً كفلسفة الاهتمام بالدافع النفسي للسلوك البشري ومدى تحكم انفعالات البشر النفسية في تحديد وجهتهم المعرفية وقراراتهم المستقبلية، كما تعني ثانياً كمفهوم تجاوز الأطر الإقليمية التقليدية في قراءة الظواهر وتحليلها، وهو ما عالجه د. شاكر ببراعة في تلك الدراسة موظفاً منهج علم النفس السياسي في تحليل ظاهرة التطرف و ما ينجم عنها من فعل إرهابي مجرم ومدان.

الدكتور شاكر عبد الحميد

التطرف مصطلح يُستخدم عادة في الإشارة إلي الجماعات المتطرفة دينياً وسياسياً، عبر نزوعها إلى دفع أي شيء نحو حدوده أو أطرافه القصوى، ومن ثم تبني أيديولوجيات خارج التيار العام للمجتمع، وبالتالي ينالها ازدراء المجتمع.

ظاهرة مرضية

التطرف كظاهرة مركبة تحتاج إلي مجموعة من المحددات لتعريفها وتمييزها عن غيرها من المفاهيم القريبة منها مثل التصلب أو الجمود، فالتطرف ظاهرة مرضية لها دوافعها التي تُحفز المتطرفين على الانضمام لتلك الجماعات، كما أنها تفرض خصائص مميزة على أفرادها انطلاقاً من طبيعتها المرضية، كالاغتيال المعنوي للشخصيات، وإطلاق التسميات والألقاب والتعميمات، وعدم توافر البراهين، وتبنى المعايير المزدوجة، وشيطنة الخصوم ومحاولة قمعهم.

يتم ذلك انطلاقاً من رؤية ضدية ثنائية للعالم والميل إلي طرح القضايا باستخدام التخويف والترهيب واستخدام شعارات تعطل التفكير المنطقي، إضافة لافتراض تفوقهم الأخلاقي على الأخرين، وتبنى مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة، وعدم التركيز على المنطق والتحليل، وتوظيف المنطق الغيبي لتبرير أفعالهم، والميل إلي استخدام الرأي الجمعي وشخصنة حالة العداء.

وتشكل هذه الخصائص في مجملها طابعاً نفسياً يدفع المتطرف إلي تبنى نسق عام من القيم والمعتقدات والدوافع والآراء والسلوكيات التي تكشف نزعته المحددة في النظر إلي العالم وإلي الاخرين، وهى نظرة تعكس بدورها حالة الكراهية والقلق وغياب اليقين لدي المتطرف.

شيطنة الآخر

من ناحية أخرى يتطلب التطرف كمفهوم صفات نفسية وعقلية لمعتنقيه تجبرهم على تبنى نسق محدد من القيم يفضي بهم في غالب الأمر إلى تقسيم العالم إلى جماعات متمايزة، سواء كانت جماعات داخل الوطن الواحد أو جماعات خارجية، وذلك بناء على قسمة العالم إلي ثنائية ضدية (نحن، هم)، أو الأنا الداخلي والآخر الخارجي. وقد يكون هذا الخارجي موجودا مع الأنا الداخلي في الوطن نفسه الذى يصير بالتبعية مجزءًا  ومنقسماً، ومن ثم تتم شيطنة الآخر المختلف، حتى وأن كان ينتمى إلي نفس الوطن أو العقيدة الدينية.

أما عن النظريات المفسرة للتطرف، فقد ركز د. شاكر عبد الحميد في دراسته على أبعاد تتعلق بعملية التنشئة الاجتماعية التي تُسهم في ظهور اتجاهات متطرفة لدى بعض الأفراد والخصائص المميزة لهم، فالتصلب والإحساس بالهامشية  يلعبان دوراً كبيراً في زيادة الاستجابات للاتجاهات المتطرفة، وتشير نظرية الهوية الاجتماعية إلى أن المتطرف يستمد وجوده من عضويته في جماعته.

كما أن القيمة والدلالة الوجدانية المتعلقة بهذه العضوية  تلعب هي الأخرى دوراً محورياً بوصفها نظرية مفسرة للتطرف، جنباً إلي جنب مع نظرية الصورة التي تفترض وجود صورة واحدة مسيطرة ومهيمنة على الفرد تعتمد في تكوينها على أدراك أن جماعة أخري تمتلك الثروة والقوة والثقافة على نحو استثنائي وظالم، ما يبرر القيام بفعل عنيف تجاه تلك الجماعة الظالمة.

مسخ متوحش

كما أن خلع الهوية ونزع التفرد والتجرد من الإنسانية يلعبان دورا كبيرا في تحويل المتطرف إلي مسخ متوحش مجرد من الإنسانية، وختاما فإن النظرة المتوجسة إلي كل ما هو جديد واتخاذ مواقف عدائية تجاهه دفاعاً عن ما هو مأثور، تلعب هي الأخرى دوراً كبيراً في تكوين نفسية المتطرف وتكريس حالة عدائه للأخر المخالف في الفكر والعقيدة.

وفيما يتعلق بالإرهاب والعنف السياسي على وجه الخصوص، ينطلق المؤلف من تعريف للإرهاب بوصفة الاستخدام المنظم للعنف من قبل جماعة على نحو منظم لتحقيق أهداف سياسية غالباً، وهو استخدام عادة ما يكون رمزيا أي موجهاً إلي رموز الدولة أو رموز ذات دلالات سياسية أو دينية.

وهناك مستويات للعنف تميز ما بين نوعين من العنف: الأول هو العنف العشوائي الذى لا يوجه إلي جماعة اجتماعية بعينها، والثاني هو العنف المنظم الذى يستهدف جماعة اجتماعية بعينها. وتتناول الدراسة أيضا مسألة سرديات العنف بوصفها الأفكار العامة والأساسية التي تتمسك بها الجماعات الإرهابية متمحورة حول اعتقادها بالتفوق الثقافي والحضاري لها ولأعضائها وبالدونية الثقافية للآخرين.

الإبداع هو الحل

ويخلص المؤلف في دراسته المهمة إلى أن التطرف هو رد فعل مترتب على وجود التسلط بأشكاله المختلفة في المجتمع وفى التفكير أيضاً، سواء لدى الحكام أو في نسيج المجتمع، ما يتطلب أن يكون هناك خطاباً ثقافياً وحضارياً يُدشن لثقافة الإبداع في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب من خلال أحداث ثورة تغيير في مناهج التعليم بالتركيز على موضوعات تتعلق بغرس القيم الإنسانية والتربية عن طريق الفن وتنمية الخيال وتنمية أساليب التفكير ومهاراته باعتبار أن الإبداع هو المفتاح الأساسي لمواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب.

طارق أبو العينين

كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock