منوعات

«مصيدة الإنترنت».. تهدد الديمقراطية وتفسح الطريق للشعبوية

كتب: روبرت دياب

ترجمة و مراجعة: تامر الهلالي

لا يكاد يمر أسبوع دون أخبار خرق بيانات أخرى في شركة كبيرة تؤثر على الملايين، وآخرها موقع فيسبوك. وفي عام 2016، اكتسبت القضية أبعادا سياسية بتوافر دلائل على التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وشبح السيطرة الأجنبية على الرأي العام.

ورغم أن الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك رضخ إلى المثول أمام جلسات استماع و مساءلة أمام الكونجرس الأمريكي، إلا أن النقاش تركز بشكل أساسي على قضايا الخصوصية والبيانات الشخصية، فيما لا يزال يتعين علينا أن نقر بالسيطرة المذهلة التي يمارسها أصحاب المناصب الرئيسية على الخطاب السياسي وما تعنيه الديمقراطية.

كتاب “اقتصاديات الاهتمام عبر الإنترنت” يؤكد على هذا المعنى، وينبه إلى أن المزيد والمزيد من محادثاتنا الخاصة تتكشف في إطار مجموعة محدودة من المواقع تسيطر عليها قلة قليلة غير منظمة إلى حد كبير، وهي مواقع موجهة في المقام الأول إلى الربح وليس المصلحة العامة.

افتراضات خاطئة

ويكشف كتاب نشر حديثا تحت عنوان “مصيدة الإنترنت” كيف يبني الاقتصاد الرقمي الاحتكارات ويقوض و يهدد العملية الديموقراطية ومناصريها و المدافعين عنها. ويقول ماثيو هيندمان في كتابه إنه بينما ندخل العقد الثالث من عصر الفضاء الإلكتروني، تتحكم قوى السوق الرأسمالية في الغالبية العظمى من حركة المرور والربح عبر مجموعة صغيرة جدًا من المواقع، دون أمل في التغيير يلوح في الأفق.

وحسب يوشاي بينكلير من جامعة هارفارد، فإن النتائج التي توصل إليها هندمان تتباين تماما مع الصورة السابقة لعصر الإنترنت الذي تم الترويج له باعتباره خطوة كبيرة وقفزة هائلة نحو خلق أداة لالتزام أوسع بمعايير الحياة المدنية في دولة ديمقراطية أكثر صحة و قوة. ويشير بينكلير في كتابه “ثروة الشبكات” الصادر عام 2006 إلى أنه في عصر الثورة الصناعية كان لا يمكن الوصول إلى جمهور واسع إلا عبر استثمارات مالية أكبر في خدمات التلغراف  والصحف وشبكات الإرسال الإذاعية والتلفزيونية، ما كان يعني احتكار هذه الشركات للخطاب العام، ولكن مع ظهور الشبكات الرقمية التي تمكن أي شخص من الوصول إلى ملايين الأشخاص بأبسط جهد، بدا أن المجال العام بات أكثر سهولة في التواصل و أكثر تنوعا وقوة.

وهو ما أيده أيضا الكاتب كلاي شيركي في كتابه بعنوان “من هنا تأتي الجموع” Here Comes Everybody الصادر عام 2008، حيث ذهب إلى أن الانترنت سيؤدي إلى نتائج إيجابية على صعيد المشاركة الشعبية السياسية والثقافية.

أسطورة الديمقراطية الرقمية

ومع ذلك، وكما أشار هيندمان في كتابه “أسطورة الديمقراطية الرقمية” الصادر عام 2008، فإن عالم التدوين لم ينتج عنه انتشارا كبيرًا أو زيادة كبيرة في تنوع الجمهور، كما كان متوقعا، وبحلول نهاية العقد ظلت الأخبار والمنظمات السياسية عبر الإنترنت مركزة ومحدودة للغاية.

وهو ما أكده أيضا جيمس ويبستر في  كتابه “سوق الاهتمام” الصادر عام 2014، الذي أظهر أن التنوع والاستقطاب الكبير الذي كان متوقعا على شبكة الإنترنت كان “مبالغًا فيه”، لافتا إلى أن “الذيل الطويل للإنترنت يغوص عميقا في المعرفة، ولكن القليل جدا من الناس  يميلون إلى الإقامة لفترة طويلة في تلك الملاذات المعرفية”. وخلص ويبستر إلى أن الافتراضات المبكرة التي ذهبت إلى أن الويب سيكون نعمة للديمقراطية ثبت فشلها بشكل واضح.

ويلفت هيندمان إلى أنه على الرغم من أن شبكة الإنترنت تخفض التكلفة الأساسية للاتصال الجماهيري، إلا أن تكلفة بناء جمهور كبير والحفاظ عليه تظل مرتفعة، ومن خلال متابعة صعود مواقع شهيرة مثل غوغل وأمازون، ثبت أن المواقع الأكثر شعبية على الإنترنت “صنعت وحافظت على جماهيرها عبر تسخير سلسلة من الاقتصاديات الهائلة تتخطى تأثيرات الشبكة، باعتمادها موارد مالية هائلة وتوظيف أعداد كبيرة من الموظفين لضمان أن مواقعهم يتم تحميلها بشكل أسرع، وتبدو طوال الوقت أجمل وأكثر قابلية للاستخدام، بتعزيز القدرة على تحميل المزيد من المحتوى بشكل متكرر، وتسهيل تصفح  مواقعهم وجني الربح من خلال ازدياد حجم الجمهور والتمتع بأفضلية لهم في  ترتيب البحث وإيرادات الإعلانات”.

ممارسات احتكارية

ويعلق هيندمان أيضا على الاعتقاد السائد بأن “محنة المواقع والكيانات الصحفية الصغيرة تكمن في المعاناة من نقص الإيرادات وليس قلة القراء”، لافتا إلى دراسة بحثية تتبعت حوالي 250.000 مستخدم في أكبر 100 سوق إعلامي محلي في الولايات المتحدة، وكشفت أن المواقع الإخبارية المحلية تحصد ما يقرب من سدس حركة الأخبار، فيما لا تحظى سوى بحو 1.5% بالمائة فقط من حركة المرور على الانترنت، ما يعني أن اللاعبين الأصغر على الإنترنت باتوا أكثر تهميشا من أي وقت مضى، ما يفضي إلى ضعف المشاركة السياسية عبر الانترنت بشكل كبير، والأخطر توقع أن تمارس بعض المواقع تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام، ما يعزز المخاوف في هذا الصدد، ومن أمثلة ذلك نجاح التدخل الروسي في انتخابات دولة كبرى عن طريق اختراق منصة شائعة الاستخدام مثل فيسبوك.

ويحذر المؤرخ البريطاني مارك مازور من تبعات الممارسات الاحتكارية عبر الإنترنت من قبل فيسبوك وغيرها من المواقع الكبيرة على نحو يهدد الديمقراطية “من خلال تقييد الحوار والتركيز على جني الأرباح قبل الاعتبارات السياسية”. وينبه إلى “أن المواقع الكبرى واسعة الانتشار عبر الويب تشجع الإشباع الفوري، فيما تتطلب الديمقراطية القدرة على الاحتمال والصبر”. ويضيف: “تبدو الشعبوية هي المعادل الطبيعي والأساسي للممارسة الديمقراطية في عصر تويتر”. و ختاما، إذا كانت نظرتنا للويب كأداة لتمكين المواطنين هي في الغالب محض سراب، فقد حان الوقت لفرض نظم حاكمة لأنشطة المواقع المهيمنة بشكل أكثر فعالية بما يخدم الصالح العام.

هذا المحتوى مترجم

 تعريف بالكاتب:

 روبرت دياب: أستاذ مساعد ، في كلية الحقوق ، بجامعة Thomson Rivers الكندية .

 روبرت دياب

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock