«قهوة النسيان»
بالأمس مررت بجانب المقهى الذي كنا نلتقي فيه دوما ..لم تعتريني اللهفة كسابق عهدي حين أمر بذلك المكان ..لم أتلهف كالأطفال حين ينظرون من نوافذ السيارات لرؤية ما حولهم ..لم أكُن كالمجنونة تمر بعينيها على كل الموجودين بداخله الذين يظهرون من وراء زجاجه لربما أراك هناك ..
كنت ذاهبة لمكان قريب منه كي أنهي بعض الأمور ..لم أطل النظر وقررت ألا أفكر في العودة إليه ..ومضيت فى طريقي وأنهيت ما كنت ذاهبة لأنهيه.
لكن وبدون إرادة مني أخذتني قدماي إليه رغم أني كنت على يقين أنك لست هناك، بل أنت ربما لم تذهب إليه منذ هاجرت وسافرت إلى ذلك البلد البعيد، لكني برغم ذلك دخلت.
بحثت بعيني عن مكاننا المفضل الذى كنا نجلس فيه دوما ولحظي وجدته فارغا، ذهبت وجلست على مقعدي قبالة النافذة.. تعلم أني أحب النظر من النوافذ الزجاجية دائما، أستمتع بالنظر إلى السائرين وأشعر بالغوص في أرواحهم. كنت تندهش لتلك العادة وتتضايق منها لأنها على حد قولك “تلهيكِ عني وعن الحديث معي”.
منذ رحيلك اعتدت المجيئ هنا والجلوس على مقعدك، علني أشم رائحتك، استشعر روحك. لكني لم أفعل هذه المرة.
طلبت قهوتى وتذكرت أني لم أبعث برسالة إليك كما كنت دوما أفعل حين آتى إلى هنا ..بمجرد جلوسي أراسلك وأخبرك أني فى مكاننا وأخبرك (اشتقت إليك) ..لكني لم أفعل ولم أرد ..ظللت على قراري الذي اتخذته منذ فترة غير قريبة.
جاءت القهوة وحين هممت بشربها تذكرت لقاءنا الأول ويداي مرتبكتين فى حضرتك ..هل مازلت تذكره؟
أم أن النسيان قد أطل على ذاكرتك فى كل ما يتعلق بي؟
يومها كنا فى الخامسة عصرا من شهر مايو ..كان الجو جميلا ..ونسائم الربيع تلف حولي وتشعرنى بشئ من النشوة ..لم أستطع أن أمسك بالفنجان أبدا من شدة ارتباكي فى حضورك ..وعيناك ترقبان تلك البلهاء التي أمامك تنظر تارة إلى ملامح وجهي وتارة إلى يديّ المرتعشتين ..بنهاية الأمر تركته ووضعته ..لازلت أذكر علامات التعجب المرسومة على وجهك ..أخذته أنت وقلت لي :سأشربها لك ..
تذكرت وارتسمت ابتسامة على جانبي شفتيّ.
لحظتها لم أجد بداخلي سوى بعض من الحنين بدأ يدب في قلبي ويسري في كياني ..حاولت مقاومته ..ولا أدري أهو قراري أني لن أفعلها ثانية وأفكر فيك وأشتاقك أم أن النسيان قد تملك مني ولم يعد سوى بعض الذكريات وفنجان قهوة.
نظرت لقهوتي وسألتها : أنت قهوة النسيان إذا ؟
رشفت منها رشفة واستمتعت بها .. استبدلتها بتلك القهوة التي لم تر منها يومها سوى بلاهتي.
أنهيتها وخرجت من المكان وأنا أودع أول وآخر ذكريات جنوني فى حبك ..تمشيت فى ذلك الشارع الجانبي الذى مشيت فيه مرة حين انتظرتك ولما تأخرت عن ميعادنا دقيقتين لم أنتظر وخرجت.. وجئت أنت ورأيتني حين دخلت ذلك الشارع ومشيت ورائي وناديتني بذلك اللقب الذى كنت أحبه :يااااااااااااا دكتورة.. …التفت ورائي ووجدتك ..سألتني :لماذا لم تنتظري ..الدنيا زحمة وانا اتأخرت دقيقتين بس؟ ..وأجبتك: ماحبتش أكون لوحدي.
شئ من الحزن بدأ يتسرب داخلي …أصبحت وحدي، تنهدت من قلبي وأغمضت عيني، ابتسامة حزينة ونظرة شاردة.. اشتقت إليك.