جزء أساسي من استراتيجية جماعة الإخوان عند قيامها بضم أعضاء جدد، أن تجعل العضو الجديد محاطا بالجماعة، بمعنى أن تكون زوجته إخوانية، وأسرة زوجته من الإخوان، والأصدقاء من الإخوان، فيجد العضو الإخواني نفسه في النهاية في مجتمع إخواني مغلق لا يعرف غيره ولا يستطيع أن يجد منه فكاكا، وإن استطاع وخرج سيدفع الثمن غاليا بأن يجد نفسه وحيدا خارج خارج هذا المجتمع يائسا غير قادر على الحياة بمفرده، وهو ما حدث بالفعل لكل من غادر الإخوان عندما اختلفت افكاره مع أفكار التنظيم.
سعي الجماعة لحصار أعضائها اجتماعيا ظهر جليا في أدبيات التنظيم نفسه، مثل بند “التجرد” الذي وضعه حسن البنا مؤسس الجماعة ضمن أركان البيعة، وقال فيه: “أريد بالتجرّد أن تخلّص لفكرتك عمّا سواها من المبادئ والأشخاص، لأنّها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها”.. وهذا يعني صراحة انصهار العضو الإخواني داخل التنظيم بكل مشتملاته دون غيره.
القيادي الإخواني البارز صبحي صالح أكد مجددا حرص جماعته على التزام هذا النهج للعلاقات الاجتماعية بين أعضائها، وقال في تصريح تليفزيوني عام 2012 إن على الشاب الإخواني الزواج من فتاة إخوانية حتى يتشاركا معا في صنع المجتمع الإخواني، مضيفا: “إننا نربي الطفل والطفلة على المبادئ العشر ثم يتزوجان ثم مجتمع كبير كله إخواني، لأنهما بكل تأكيد سينجبان إذا أراد الله بالطبع”. وشدد صالح على رفضه زواج الإخواني من غير الإخوانية، بقوله: “يعني نربي البنات وبعدين أولادنا يتزوجون بنت من الشارع، حتى لو كانت متدينة؟”.
ملاحقة وتربص
عدد من المنشقين عن الإخوان تحدثوا إلى “أصوات” عن تجربتهم مع الجماعة وعالمها الخاص الذي تفرضه على أعضائها.
القيادي الإخواني إبراهيم ربيع، الذي انشق عن الإخوان بشكل رسمي عام 2011 بعد سنوات من تفكيره في هذا الأمر، يقول إن إعلان خروجه من التنظيم قوبل باعتراض شديد من أسرته، لوجوده في مجتمع كله من الإخوان؛ أسرته وزوجته وأبنائه وأقاربه، رغم أنه كان هو من دعاهم للانضمام مبكرا للجماعة.
إبراهيم ربيع
ويضيف: تعذبت كي أقنعهم بصحة وجهة نظري بأن الجماعة نفعية ولا تهدف إلا خدمة مصالحها الشخصية لا مصلحة الوطن أو الدين، لكني نجحت في النهاية بإقناع معظم أسرتي بموقفي الجديد، شخص واحد فشلت مرحليا في إقناعه، وهو زوج ابنتي الذي اختار أن يقاطعني ويقف في وجهي اعتراضا على خروجي من الجماعة، واستمر على هذا الحال وشارك في اعتصام الإخوان في رابعة، لكنني اقنعته في النهاية بصحة وجهة نظري بعد جهود مضنية في مناقشته وتوضيح أسباب اعتراضي على نهج الإخوان بالحجة والدليل.
وتابع: الإخوان لم يتركوني وشأني، وسعوا لتدمير بيتي وأسرتي، بترويج شائعات وأكاذيب تستهدف زعزة حياة الأسرة واستقرارها، مثل زواجي عرفيا بزوجة جديدة، وغيرها من الأكاذيب، لكن الحمد لله الذي وفقني لتفنيد إداعاءاتهم التي كادت أن تعصف بكيان أسرتي.
“جيتو” إخواني
تجربة ثانية رواها لنا طارق البشبيشي القيادي الإخواني المنشق عن الجماعة عام 2011، يقول: الإخوان يزرعون العضو داخل “جيتو” إخواني خالص حتى لا يجد سبيلا للخروج من الجماعة، ويتم ترسيخ الفكر الإخواني في عقله ووجدانه، بل وداخل أسرته بالكامل، ما يجعل من الصعب جدا على العضو أن ينسلخ من المجتمع الإخواني الذي يحاصره من كافة الجهات.
طارق البشبيشي
ويضيف: عقب خروجي من الجماعة قاطعني كثير من أقاربي وساد التوتر حتى داخل عائلتي الصغيرة، وانتهت علاقتي بالعديد من أصدقائي، لأكتشف أنهم مجرد رفقاء تنظيم تنقطع صلتي بهم فور انتهاء علاقتي بجماعتهم.
وتابع: بعد مناقشات مضنية مع زوجتي لإقناعها بموقفي من الجماعة، نجحت أخيرا أن نفارق سويا الجماعة دون العودة إليها أبدا، على الرغم من انتماء زوجتي إلى أسرة إخوانية، ومعاناتها بالتالي من توتر علاقتها بهم جراء موقفنا الجديد، “فالجماعة تسعى دائما أن تكون أقرب لأعضائها من حبل الوريد حتى تحكم سيطرتها عليهم وتجعلهم ابتعادهم عنها مستحيلا، ويترتب عليه أن يتركون معه كل من يحبونهم من الأهل أو الأصدقاء.
انتقام الجماعة
التجربة الثالثة رواها لنا صاحبها عمرو كامل القيادي الإخواني المنشق، الي يحكي لنا أن انشقاقه الجماعة لم يكلفه خسارة أصدقائه وأهله فحسب، بل كلفه خسارة أقرب الناس إليه وهم زوجته وأبناؤه.
عمرو كامل
يقول: كنت مسئولا عن قسم الطلاب في الإخوان، وقضيت كل شبابي في الجماعة منذ انضمامي لها في سبعينيات القرن الماضي عندما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية، وظللت فيها حتى بداية عام 2012 حينما قررت الانشقاق عنها والانضمام إلى حزب “مصر القوية” الذي أسسه القيادي الإخواني السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.
عبد المنعم أبو الفتوح.
ويضيف: عقب خروجي من الجماعة في 2012، طلبت زوجتي الطلاق لتمسكها بأصولها الإخوانية هي وكل أسرتها، ولم يتوقف الأمر عند زوجتي وأسرتها فحسب، بل إنهم أقنعوا أبنائي أيضا بموقفهم، واستطعت بعد جهود مضنية أن أقنع بناتي بخطورة ودوره المدمر، لكنني فشلت في إقناع ابني بالبعد عن الإخوان، ودفع الثمن غاليا بالقبض عليه مرتين بسبب مشاركته في تظاهرات الجماعة، وادعو الله أن يهديه وأن يعود إلى أسرتنا من جديد لنلملم شمل أسرة دمرها الإخوان.
رفض مجتمعي
هذه الانشقاقات لأعضاء في الجماعة لا تقابل بالرفض من مجتمعهم الضيق فقط، فالأخطر هو معاناتهم من رفض المجتمع الأوسع الذي يستمر على تشككه في خروجهم حقا من الجماعة. ويقول شريف الصيرفي، الناشط السابق في حركة 6 إبريل، والذي أطلق دعوات كثيرة يرفض فيها توبة البعض عن الانضمام عن الجماعة: سبب رفضي لفكرة “الإخواني المنشق” يعود إلى تجربة سجني عام 2014 لاتهامي بتخريب النصب التذكاري بميدان التحرير، في السجن احتك بي كثيرا عدد من عناصر الإخوان، ووجدت أنهم يدعون الانشقاق عن الجماعة والتوبة عن ممارساتها لمجرد التحايل للإفلات من استمرارهم في الحبس، وبمجرد خروجهم يعودون مجددا لنشاطهم الإخواني، بل والانخراط في حركات الإخوان المسلحة ومنها حركة حسم.
المفارقة أن هذا الموقف لاقى تأييدا من الإخواني المنشق إبراهيم ربيع، بل إنه يؤكد أن بعض المنشقين الحاليين عن الإخوان لم ينشقوا بشكل حقيقي، فكثير منهم لا يزال يقدس حسن البنا ويزعم أن الجماعة هي من أخطأت في فهم تعاليمه، مشددا على أن الانشقاق الحقيقي عن الإخوان يستوجب رفض الجماعة تماما ومؤسسيها وكل الجماعات التي دارت في فلكها، والانضمام إلى معسكر الوطن في التصدي للأفكار الهدامة والممارسات الإجرامية لتلك التنظيمات بكل السبل والوسائل.