إلى أي مدى يمكن أن يدفعنا الغضب؟ بل إلى أي مدى يمكن أن تدفعنا السذاجة لفعل حماقة ما؟ والمقابل الذي يتعين علينا أن ندفعه جراء ذلك؟ وهل كانت هناك فرصة لتجنب كل ذلك؟.
القصة تدور حول مارشيلو مربي الكلاب الساذج المحبوب من جيرانه، الذي يملك محلا تحت اسم dogman، يمارس من خلاله مهنته في إحدى ضواحي إيطاليا، ضاحية لا تهتم بها السلطة ولا تقع تحت سيطرة البوليس. جسد الدور الممثل الإيطالي مارشيلو فونتي، وحاز عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان العام الماضي، في أول بطولة له.
الفيلم إنتاج ايطالي فرنسي مشترك، واختارته إيطاليا لتمثيلها في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في مارس 2019، وتم عرضه هذا الأسبوع ضمن بانوراما الفيلم الأوربي في مصر. والفيلم من إخراج الإيطالي ماتيو جاروني، الذي شارك أيضا في تأليفه مع ماسيمو جوديسيو، وأوجو تشيتي.
الضاحية التي تجري بها أحداث الفيلم تضم عددا المحلات المتراصة، بينهم صالة “مارشيلو”، وجميع أصحابها والعاملين بها هم أصدقاء بعد ساعات العمل. الصالة الملاصقة لمارشيلو تعمل في بيع وشراء الذهب، يملكها “فرانكو” ادامو دونسيني، وتظهر مبكرا في المشاهد الأولى للفيلم، قبل أن تصبح حدثا محوريا في أحداثه بعد ذلك.
إيقاع الفيلم يظل هادئا طوال الربع ساعة الأولى تقريبا، دون رتابة، نكتشف علاقة المودة بين مارشيلو واصدقائه، ونكتشف أيضا حبه لأبنته، يبدو الدور النسائي في الفيلم هامشيا، ربما لوقوع أحداث الفيلم تقع في ضاحية جنوبية محافظة تجاه المرأة، ما انعكس في ندرة المشاهد التي تظهر فيها الشخصية الأنثوية الأبرز في الفيلم، وهي الطفلة إبنة مارشيلو التي يحبها والدها ويرغب دائما في إسعادها بعد انفصاله عن الأم، فيما لا نعرف سببا لانفصال الأب عن زوجته، أو حتى اسمها.
الصديق الأقرب لمارشيلو هو سيميوني “ادواردو بيسي” الملاكم المعتزل و”البلطجي” الحالي، ويبدو أن صداقة قديمة بينهما هي التي تدفع بطل قصتنا الطيب مارشيلو للتمسك بهذه العلاقة، فهو أيضا يملك وفاء الكلاب لأصدقائه، وهي علاقة لا تخلو من تناقض، فمارشيلو هادئ الطباع صديق مقرب لبلطجي، وهو لا يدمن المخدرات لكنه يبيعها لتحسين وضعه المالي، وبالطبع يشجعه صديقه الشرير على المتاجرة في الكوكايين، المخدر الأكثر رواجا في إيطاليا.
علاقة مارشيلو اللصيقة بالكلاب تتجلى في المشهد الذي يدفعه فيه صديقة للمشاركة في سرقة أحد المنازل، لكنه يعلم أن صديقة وأحد افراد عصابته وضعا كلب صغير داخل ثلاجة المنزل لإسكاته، ما يدفع مارشيلو للمخاطرة بالعودة للمنزل المسروق لإنقاذ الكلب المتجمد. وبالمناسبة فقد فاز ذلك الكلب بجائزة مهرجان كان السينمائي كأفضل حيوان شارك في أفلام المسابقة.
فيديو لمشهد إنقاذ الكلب المتجمد
سريعا ما تنقلب السذاجة إلى حماقة، ويستغل سيميوني حاجة صديقه مارشيلو للمال، ليجبره على المشاركة في سرقة محل الذهب الملاصق لمتجره، يرفض مارشيلو في البداية، لكنه يوافق في النهاية تحت تهديد سيميوني وإغرائه بالمال.
فور الحادث تظهر الشرطة لتحري أبعاد الجريمة وتحاول اقناع مارشيلو ليعترف على صديقه، لكنه يرفض خشية انتقام البلطجي والملاكم السابق، وأيضا لرغبته في الاحتفاظ بالمال لتأمين مستقبل ابنته. وبعد أن يمضي فترة العقوبة في السجن لمدة عام، يخرج محتفظا بنفس الطيبة ولكن اكثر مكرا وقدرة على المواجه، لتبدأ أحداث القسم الثاني من الفيلم.
يخرج مارشيلو من السجن، تلاحقه كراهية جيرانه، وعندما يطلب من سيميوني الأموال التي شاركه في سرقتها، يفاجأ برفض الأخير تنفيذ ما كان قد وعده به ويوسع مارشيلو ضربا، هنا فقط يستفيق مارشيلو البائس إلى حقيقة أن هذا الشخص ليس صديقا كما توهم، ويبدأ التفكير في الانتقام منه.
يستدرج مارشيلو صديقه إلى داخل صالته التي تحتوي على أقفاص مخصصة للكلاب، ويتمكن من إقناعه بأن يجلس داخل احد تلك الأقفاص، وعند محاولة سيميوني الهرب يقوم بضربه على رأسه في أول رد فعل عنيف من مارشيلو الهادئ، ورغم ذلك فإنه لم يحتمل رؤية صديقه مصابا فيسارع إلى علاجه، فكل ما كان يرغب فيه هو اعتذاره واسترداد أمواله منه، لكن الصديق الغادر ينتهز الفرصة للإيقاع بمارشيلو ومحاولة قتله، وهنا يضطر مارشيلو الطيب إلى قتل سيميوني المخادع.
في نهاية الفيلم نجد أن مارشيلو أصبح شخصا آخر، يدفعه الشعور بالندم والخوف إلى محاولة التخلص من جثه صديقه بحرقها، ثم تدفعه رغبته العارمة في العودة لأصدقائه القدامى إلى حمل الجثة لملعب الكرة الذي تصور أنهم بداخله وهو يصرخ بأسمائهم ليعلمهم أنه قتل من كان يروع الحي، لكنها لم تكن سوى هلوسة داخل عقله، فالحي لا يزال في الساعات الأولى من الصباح والجميع نائم.
ينتهي الفيلم على مشهد مارشيلو ومعه كلبه وبجانبه جثة سيموني في منتصف الحي في انتظار استيقاظ الجميع، لأنه لا يعرف ماذا يفعل.
الفيلم مستوحى من قصة حقيقة حدثت عام 1988، لكن المعالجة السينمائية تحمل نكهة ماتيو جاروني، الذي أجاد توظيف إمكانات بطل الفيلم ليحصد جائزة مهرجان كان عن أول بطولة له، عبر نجاحه في تجسيد تناقضات مارشيلو وتحولاته من الطيبة والوفاء للانتقام والقتل، مع أداء لم يخلو من خفة الظل رغم تركيبة الشخصية المركبة.