الفيلم التونسي “علي كف عفريت” للمخرجة الشابة القديرة كوثر بن هنية حظى باهتمام النقاد والجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير .. وكان قد سبق عرضه في مهرجان كان ٢٠١٧ في قسم “نظرة ما” ولقي احتفاء واضحا يستحقه الفيلم بكل تأكيد. الفيلم مستلهم من قصة حقيقية عن جريمة اغتصاب فتاة بواسطة الشرطة، تم معالجتها عبر سرد سينمائي متألق وتجسيد فني راق، لم يقف عند حد إدانة الشرطيين الذين اغتصبا الفتاة فحسب، بل كان صريحا في إدانة مجمل ممارسات مؤسسات النفوذ والحكم في تونس وأوجه الفساد التي سعي الشعب ولا يزال إلي التخلص منها في ثورة الياسمين مطلع عام ٢٠١١.
سرد الفيلم بشجاعة وقائع محاولات تستر هذه المؤسسات على جريمة الشرطيين، سعيا لحمايتهما علي حساب الحق والعدالة، وتورطها في إهانة بشعة للفتاة الضحية لمجرد أنها أرادت أن تبلغ عن جريمة مروعة.
محمد بدر الدين والمخرجة كوثر بن هنية
في بلاغة سينمائية استعرض الفيلم عبر تسعة فصول متتابعة، بدا كل فصل منها كمشهد واحد مهما امتد، لا تقطعه الكاميرا إلي لقطات، لتحقق المخرجة ما أرادته من زمن حقيقي يقدم فيه الفيلم كله وخلال ليلة واحدة.
مع براعة مجمل العناصر الفنية في الفيلم، من تصوير ومونتاج وتمثيل، خاصة رهافة ودقة أداء الممثلة الجديدة بطلة هذا العمل، ما يعكس إمكانات مخرجة قديرة مهمومة بقضايا حقيقية متنوعة، لا تقتصر شواغلها علي قضية المرأة وأبعادها.
الحقيقة أن ما سبق للمخرجة من تقديمه من أفلام بالغة الأهمية والجدية، يرشحها بقوة أن تكون ممن تعول عليهم السينما العربية في إثراء الإبداع السينمائي فكرا وتعبيرا، فالفيلم يقدم معالجة فنية راقية لما يعانيه عالمنا العربي من واقع مرير يسعى الشعب إلى تغييره وتجاوزه، وعندما يريد الشعب، لابد أن يستجيب القدر، كما يصدح الشابي شاعر تونس وأمة العرب الخالد، في صيحته المدوية وقصيدته الباقية على مدى الزمن.