عاش الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم حياته محاصرًا بلقب “شاعر تكدير الأمن العام”، فقصائده الساخنة المباشرة المحرضة كانت تجلب له ما نعرفه من مطاردات واعتقالات وتضييق، كل ذلك تعرض له نجم، أو الفاجومي، مطاردًا بتلك التهمة المضحكة. وعندما مات نجم ظن كثيرون أنه سيرتاح من مطاردة تلك التهمة، ولكن هيهات، فبعضهم ـ ونجم على رأسهم- قدرهم أن يصاحبهم الصخب من بدء التكوين وإلى أن يشاء الله، وهذا ما حدث ويحدث مع سيرة نجم التي تحولت إلى مسيرة لم تتوقف برحيله.
قبل سنوات أعلن رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس عن تخصيص جائزة باسم نجم، وحققت الجائزة نجاحًا يليق باسم الشاعر الكبير، ثم قفز رجل الأعمال قفزة كبرى عندما أعلن قبل شهر من الآن عن اعتزامه إقامة متحف يخلد ذكرى الشاعر الكبير.
نجيب ساويرس
كان الأمر سيمضي في هدوء يحيط به الترحيب بمبادرة رجل الأعمال ولكن كثر الكلام عن الأموال التي تدفقت من خزائن رجل الأعمال على آل نجم، فهبت ابنته الكاتبة نوارة لكي تضع الأمور في نصابها وكتبت بيانًا على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك جاء فيه: إن المنزل الكائن في مساكن النصر بالمقطم ليس ملكًا لأبي حتى أطالب أنا أو غيري بأنصبتنا في ميراثه، المنزل هو ملك السيدة “أم زينب” آخر زوجات والدي، وقد عاش فيه آخر أيام حياته.
ونفت نوارة بشكل قاطع ما تردد حول تلقيها أموالا من رجل الأعمال نجيب ساويرس نظير تحويل شقة الفاجومي إلى متحف، وطرد زوجة أبيها. وأضافت أن زوجة أبيها عرضت الشقة للبيع لظروف خاصة بها، فما كان من ساويرس إلا أن تقدم لشرائها بالثمن الذي طلبته المالكة لتحويلها لمتحف وهذا أفضل كثيرًا من أن تذهب الشقة لمن لا يعرف قيمتها، ومتعلقات والدي التي عندي وعند والدتي (الكاتبة الكبيرة الأستاذة صافي ناز كاظم) ستذهب إلى المتحف.
أحمد فؤاد نجم وابنته نوارة
بيان نوارة كان من الوضوح والاستقامة بحيث يسكت حديث الأموال، ليس هناك منزل، والأمر متعلق بشقة، ونجم نفسه لم يكن مالكًا للشقة، وقد تم البيع لصالح المتحف وفق الثمن الذي طلبته صاحبة الشأن.
ولكن إن سكت حديث المال فقد جاء دور حديث شعرية نجم ذاته، وأصل القصة أن بعض أجنحة اليسار المصري لم يتقبل قيام رجل أعمال ثري للغاية بطبيعة الحال بشراء شقة كان يسكنها شاعر الفقراء أحمد فؤاد نجم، ثم يقيم بها متحفًا يضم متعلقاته.
هؤلاء تحدثوا عن سيطرة رأس المال على محاولة تخليد نجم، الفاجومي الذي قام مشروعه الشعري على الدفاع عن الفقراء أولًا وقبل أي شيء، فكيف لرجل أعمال يضاد مشروعه مشروع نجم أن يقوم بشراء آخر مكان سكنه الشاعر ويجعل منه متحفًا؟.
موقف هؤلاء أدي إلى نشوب تلاسن حاد بينهم وبين معارضيهم، المعارضون أيدوا بل باركوا خطوة ساويرس لأنه في رأيهم قام بما لم تقم به الدولة التي كان يجب عليها أن تقيم متاحف لنجم ولغيره من أكابر الأدباء والشعراء والفنانين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الأمة.
من ناحيته ألتزم ساويرس الصمت فلم يرد علي أي طرف من أطراف المعركة، ونخشى أن يتحول صمته إلى غضب يوقف مشروعًا سيكون في حال تنفيذه بمثابة خطوة تفتح الباب أمام قوى المجتمع المدني لتقوم بدورها في رعاية الفنون والآداب.